المحتوى الرئيسى

هل تتجه فتح نحو الانشطار؟

12/21 19:55

بعد مرور أيام على انتهاء مؤتمر فتح السابع، ونجاح محمود عباس في إقصاء فريق خصمه اللدود محمد دحلان عبر العديد من الشواهد التي سيرد ذكرها لاحقا، تتزايد التقديرات والتسريبات بأن الأخير لم يقل كلمته بعد، وربما يلجأ لإعلان تأسيس فتح جديدة.. فما هي فرص نجاح هذا السيناريو ومن سيدعمه، وأين المواقف الإقليمية والإسرائيلية من هذا التطور المتوقع؟

لم يعد الأمر بحاجة لكثير من الذكاء والتحليل للقول إن المؤتمر السابع لحركة فتح الذي شهده مقر المقاطعة، بمدينة رام الله، وترأسه محمود عباس، صاحب الرئاسات الثلاث: رئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس اللجنة المركزية لحركة فتح، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، نجح بتوجيه ضربة قوية لخصمه الذي يؤرقه على الدوام محمد دحلان، الطامح إلى العودة لصفوف حركته التي طرد منها عام 2011.

فقد حشد عباس للمؤتمر العديد من الوفود المحلية الفلسطينية، والعربية الإقليمية، والدولية، وهو أمر لم تألفه مؤتمرات فتح السابقة، لكن هذه الوفود التي زادت عن الستين وفدا، كان الهدف من إحضارها تجديد البيعة لعباس، بمنحه دورة جديدة من رئاسة فتح لخمس سنوات قادمة، وهو ما تم له بالإجماع وليس بالأغلبية، بما جعل البعض يصفه بأنه تجاوز قدرة أي زعيم فلسطيني سابق في "شراء" الذمم واستقطاب الكوادر.

ولعل ما قد يثير الانتباه في المؤتمر الأخير لفتح، ورغبة عباس بالتحشيد الفلسطيني إلى جانبه قدرته على تصنيف حركة حماس بأنها في صفه، ولو مؤقتا، ضد دحلان، رغم أن الحركة نجحت طوال الشهور الماضية في الوقوف على الحياد بين الخصمين اللدودين، لكن حضورها لمؤتمر فتح، الذي يعتبر سابقة بين الحركتين، اعتبره فريق دحلان بأنه اصطفاف منها بجانب عباس، رغم أن الأخير لم يقدم للحركة أي بوادر إيجابية أو مؤشرات حسن النية تجاهها، كالإفراج عن معتقليها في سجون السلطة الفلسطينية، أو وقف ملاحقة كوادرها في الضفة الغربية.

أكثر من ذلك، فقد أبدى عباس، على غير عادته، عنادا واضحا في رفض الضغوط العربية التي مورست عليه، وطلبت منه تأجيل انعقاد المؤتمر، إلى حين إتمام مصالحته مع دحلان، لكنه أصر على المؤتمر، دون الاستجابة لهذه الطلبات، مما دفع البعض لاعتبارها شبه قطيعة سوف تعم علاقات عباس العربية.

يظهر في خلفية انعقاد المؤتمر الموقف الإسرائيلي، فليس سرا أن الجمود السياسي يسود العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، في حين يتواصل التنسيق الأمني بينهما على أشده، وربما كان ملفتا أن تمنح إسرائيل كافة التسهيلات المطلوبة لانعقاد مؤتمر فتح، خاصة السماح بدخول الشخصيات الرسمية الفلسطينية والعربية والدولية إلى رام الله بدون إزعاج، وبعيدا عن الإجراءات البيروقراطية التي دأبت إسرائيل على استخدامها مع الضيوف على السلطة الفلسطينية بالعادة.

انفض المؤتمر، وخرجت نتائجه، وأعلنت توصياته، وكلها تقريبا أدت إلى نتيجة واحدة، وهي خسارة دحلان بصورة فادحة، لم يتوقعها هو شخصيا، بما في ذلك فريقه الذي سعى ليل نهار لإفشال انعقاد المؤتمر، لكن عباس -كما أسلفنا- أظهر عنادا غير معهود عليه، بعقد المؤتمر، رغم ما قد يكلفه ذلك من قطع شعرة معاوية مع الإقليم العربي.

وقد جاء ملفتا أن خطاب عباس في المؤتمر الذي زاد عن الساعات الثلاث، لم يتطرق إلى دحلان، لا تلميحا ولا تصريحا، وهي إشارة معروفة في الخطابات السياسية الرسمية، ويفهم منها عدم الاهتمام بدحلان، ولا الاكتراث بالوساطات التي جاءت من أجله، وهو ربما ما حرم دحلان وفريقه من وقود سجال سياسي وإعلامي كان سيضر بعباس.

وبعد مرور ما يزيد عن الأسبوعين من انتهاء مؤتمر فتح، فما زال دحلان شخصيا يلتزم بالصمت، ولم ينبس ببنت شفة لأي وسيلة إعلامية، رغم أن مساعديه لم يتوانوا لحظة عن توجيه سيل الاتهامات بحق عباس وقيادة فتح الجديدة، بل والتهديد باتخاذ إجراءات تنظيمية وحركية للطعن بقانونية ما حصل في المؤتمر.

ولعل الحديث الأكثر رواجا في فريق دحلان عقب انتهاء المؤتمر، تمثل بالتحضير لعقد مؤتمر فتحاوي جديد للرد على ما حصل في مؤتمر المقاطعة، مما أفسح كثيرا من التحليلات والتفسيرات لاعتبار ذلك تهديدا غير مسبوق بإحداث انشقاق تنظيمي تاريخي، للتمرد على القيادة الفتحاوية الحالية، في حين حافظ "المايسترو" الخاص بهم على البقاء بعيدا، وهو ما يمكن تفسيره على أنه رغبة منه بالتخطيط لذلك المؤتمر دون ضجيج صادر عنه.

الحقيقة أن فرضية انعقاد مثل هذا المؤتمر الجديد، تطرح مباشرة السؤال المتعلق بالجغرافيا التي قد تحتضن انعقاده، نظرا لما يحتله هذا السؤال من أهمية مركزية، فمن يحتضن المؤتمر، يعني أن موافق على شق عصا الطاعة على عباس، ويتضمن تلقائيا أنه يبارك حصول انشقاق تنظيمي فيما يمكن اعتبارها من أكبر الحركات الوطنية الفلسطينية، فمن يجرؤ على ذلك؟

قد لا يفشي كاتب السطور سرا إن كشف أن دحلان سعى بكامل ثقله لدى حركة حماس التي تدير الأوضاع في قطاع غزة، لتنظيم سلسلة من فعالياته التنظيمية والحزبية في مرحلة ما قبل وما بعد انعقاد المؤتمر السابع في رام الله، ورغم أن حماس وافقت مبدئيا على تنظيم تيار دحلان لبعض هذه الاحتفالات، ومنها إحياء ذكرى وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، لكنها سرعان ما تراجعت، لماذا، لا أحد يعرف، لكن من الواضح أنها لا تريد أن تسجل على نفسها أنها ساندت دحلان في صراعه الداخلي مع عباس.

من الواضح أن حماس لا تنسى ما يمكن اعتباره ثأرا تاريخيا لها مع دحلان منذ عقود طويلة، سواء حين كان ناشطا في حركة الشبيبة الطلابية داخل الجامعة الإسلامية في ثمانينات القرن الماضي، أو حين ترأس جهاز الأمن الوقائي، وتزعمه لحملة استئصال شأفة الحركة، بمطاردة قادتها وملاحقة مقاتليها خلال سنوات التسعينات، مع العلم أن عباس في الضفة الغربية لا ينثر الورود على منازل عناصر حماس، ولا يمنحهم شهادات حسن السير والسلوك.

موقف حماس من دحلان، قد يتجاوز خلافات الماضي إلى مخاوف الحاضر والمستقبل، باعتبار الرجل يملك علاقات وثيقة مع النظام الحاكم في مصر اليوم، بجانب صلاته المتينة مع عدد من الأنظمة العربية التي تكن عداء معلنا ضد الحركة، وربما ليس سرا أن بعض حيثيات دعم هذه الدول لدحلان يقضي بالقضاء على حماس التي تسيطر على غزة، وتسبب لتلك الأنظمة صداعا مزمنا، كونها امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين.

الفتور في علاقات عباس مع الإقليم العربي المحيط به شيء، وسماح هذه الدول العربية بدعم انشقاق تاريخي عن فتح شيء آخر، بمعنى أكثر وضوحا فإن العواصم المحيطة بالفلسطينيين، لاسيما القاهرة وعمان وبعض عواصم الخليج العربي، كانت تتمنى، وربما ما زالت، أن تنجح جهودها بالمصالحة الفتحاوية الداخلية، رغم تباعد فرصها يوما بعد يوم، وتفضل ذلك على أن يكتب في سجلات التاريخ بعد عقود أنها رعت وتبنت ودعمت حصول شرخ جديد بين الفلسطينيين.

فما زال الكل يعلم، ويذكر، كيف أن العديد من الدول العربية كانت تحتضن حركة فتح منذ إنشائها، غم حدوث بعض مراحل التوتر والصراع مع هذه الدولة أو تلك، وهو ما قد يحول بينها وبين رعايتها لشق عصا الطاعة داخل الحركة.

كاتب هذه السطور علم أن دحلان قدم طلبا لدى الأردن للسماح بإقامة مؤتمر مواز لمؤتمر عباس، لكن عمان لم تعطه موافقة على ذلك، رغم أنها لم تسهل مرور كوادر فتح إلى رام الله للمشاركة بالمؤتمر السابع، وهو ما يعني أن السلطات الأردنية لا تريد تكرار ما شهدته أراضيها في سبعينات القرن الماضي من أحداث سبتمبر/أيلول الأسود، بينها وبين مقاتلي فتح.

مصر من جهتها، الداعم الأكبر لدحلان، لم تعطه حتى كتابة هذه السطور جوابا نهائيا بالموافقة أو الرفض على مؤتمره المقترح، فالمصريون ربما يريدون الاحتفاظ بشعرة معاوية مع عباس، ويتبعون معه سياسة حافة الهاوية، ولا يريدون أن يحملوا وزر الانشقاق الذي قد يعصف بفتح، فالسياسة الخارجية لمصر الحالية لديها من الإخفاقات ما قد يجعلها غير مستعجلة لإضافة المزيد منها.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل