المحتوى الرئيسى

جلبير الأشقر فى كتاب «انتكاسة الانتفاضة العربية»: فى قلب كل شتاء ربيع عربى قادم رغم صقيع الموت

12/21 08:34

القوى الرجعية الإقليمية حولت انتفاضات الشعوب إلى صراع ثلاثى بين قطب ثورى ومعسكرين متنافسين مضادين للثورة

مع حلول الذكرى الخامسة لسقوط الرئيس التونسى الأسبق زين العابدين بن على عقب ثورة «الياسمين» التى دشنت لموجة انتفاضات شعبية عربية أطاحت بأنظمة الحكم فى ليبيا وتونس ومصر، وهزت دعائم الحكم فى سوريا، يأتى صدور النسخة العربية من كتاب الباحث السياسى والأكاديمى اللبنانى جلبير الأشقر «انتكاسة الانتفاضة العربية ــ أعراض مرضية» يتناول فيها مستقبل «الحراك السياسى والاجتماعى» فى المنطقة العربية بعد فشل الثورات الشعبية فى تحقيق أهدافها.

يأتى كتاب «انتكاسة الانتفاضة العربية» بعد كتاب «الشعب يريد» الذى تناول فيه بدايات الثورات العربية المعاصرة باعتبارها انتصارات البداية، قبل أن يأتى بالكتاب الثانى الذى يتناول فيه لحظات الهزيمة (الانتكاسة كما استخدم التعبير العربى الأكثر خلافية فى تاريخ السياسة العربية الحديثة).

فى كتاب «انتكاسة الانتفاضة العربية»، يروى الباحث اللبنانى بذور الأمل فى انتصار الشعوب فى النهاية رغم ما اعتبرها «انقلابات رجعية» أعادت دول الربيع العربى بشكل خاص والمنطقة العربية بشكل عام إلى حيث كانت قبل الثورات.

ويقول الأشقر فى كتابه إنه لم يكن مقصودا بتعبير الربيع العربى فى ذهن أغلب مستخدميه فى المراحل المبكرة من الانتفاضة، وصف مرحلة أولى فى سلسلة مفتوحة النهايات من المواسم الثورية، حيث يعقب الخريف والشتاء الربيع والصيف بل قصد به بالأحرى تحول سياسى يحدث لمرة واحدة»، وهو ما جعل التراجع الذى حل ببلدان الربيع العربى يدفع بعض من أهلها وكذلك غير أهلها إلى الاستخدام التهكمى لهذا التعبير بعد خمسة أعوام من انطلاقه.

ولكن الحقيقة التى تقرها الاحداث بحسب القراءة التى يطرحها الأشقر فى أولى صفحات كتابه الجديد تقول إن أهم انجازات الربيع العربى ولو بصورة مبدئية هو تجاوز الطرح الذى قدمه صاموئيل هانتجتون من ان الاسلام يحول دون الديمقراطية أو ذلك الطرح الذى قدمه فرانسيس فوكوياما عن أن «الإسلام هزم الديمقراطية فى الدول المسلمة»، رغم ظواهر يمكن ان تكون قابلة للتقدم والتراجع مع أو ضد هاتين الأطروحتين خصوصا مع الأداء المخيب للآمال من بعض الحركات والقوى الاسلامية التى وصلت للحكم فى بعض بلدان الربيع العربى وكذلك مع تعثر خطوات سيرورة الانتفاضات العربية بالمقارنة بتلك التى انهت الحرب الباردة بإسقاط الشيوعية فى الاتحاد السوفييتى السابق ودول شرق أوروبا فى نهاية الثمانينيات فى القرن الماضى.

وكما يصر الاشقر فى كتابه، وكما أكد فى حواره مع «الشروق» فى فبراير الماضى، فإن الأمر فى المنطقة يتعلق بـ«سيرورة ثورية طويلة الأمد» تعثرت اثناء الطريق جراء استقطابات داخلية بعضها مدعوم خارجيا من القوى الرجعية الأقوى اقتصاديا فى المنطقة، خاصة فى منطقة الخليج وايران فى كل من مصر وسوريا وليبيا واليمن، وبدرجة ما فى تونس.

ويرى شقير أن السعودية وقطر وإيران تتنافس كلها فى دعم صنوف مختلفة من الحركات تغطى الطيف الكامل للإصولية الإسلامية من السلفية المحافظة والإخوان المسلمين إلى الخمينية والسلفية الجهادية»، مضيفا أن هذه الدول الثلاث «وهى تشكل ركائز الاسبتداد الإقليمى باسم الدين» ترتبط إحداها بالغرب وتعارضه أخرى بينما أقامت الثالثة وهى قطر علاقة انتهارية بكلا القوتين السياسيتين التقلديتين المتواجهتين للثورة وهما الأنظمة التقليدية والجماعات الدينية قبل سنة ٢٠١١».

ويحلل جلبير فى كتابه الأحدث، تحول الأمر إلى «صراع مثلث بين قطب ثورى واحد ومعسكرين متنافسين مضادين للثورة وهو ما تجاوب مع رغبة الأنظمة التقليدية من استبعاد مساحات التوريث المطروحة عليها والسعى نحو إبقاء ذات الأنظمة «بعد التخلص من سيناريوهات توريث السلطة بفتح الباب أمام بعض آليات الحكم الرشيد بالتوازى مع رغبة القوى السياسية التقليدية الدينية فى الحصول على نصيب الاسد من كعكة ما بعد سقوط الأنظمة «التوريثية» ان لم يكن الكعكة كلها وإقصاء كل القوى الاخرى، وهو ما تجلى بوضوح فى الحالة المصرية، حيث تمكن مثلث السلطة المتكون من المؤسسة الأمنية والمؤسسات السياسية التقليدية والطبقة الرأسمالية من دحر الثورة بعد دحر القوى الإسلامية التقليدية، أو فى الحالة السورية بعد أن تمكن النظام السورى من اعتماد آلية طائفية أفضت إلى إفراغ المظاهرات المطالبة بإنهاء الدكتاتورية لقتال بدأ متفرقا على اساس الهوية الطائفية ثم تحول فعليا إلى مواجهة عسكرية كاملة الأوصاف على أسس طائفية بحتة بين جيش بشار الأسد والجماعات الإسلامية السنية المتطرفة سواء جبهة النصرة أو تنظيم داعش، وذلك فى ظل إدراك الاسد بعد مشهد مقتل القذافى ان الامر أصبح بالنسبة له «حياة أو موت» بالمعنى الحرفى للعبارة، وفى ظل صمت غربى مستلهم من تجارب الإخفاق فى الحالة الليبية والحرص على المصالح الإسرائيلية.

وبذلك تحولت الثورة السورية إلى «صدام الهمجيات» الخاسر الأكبر فيه هو الشعب السورى الذى تعبر مأساته اليوم، بحسب الاشقر، عن فشل كبير فى أداء الرئيس الامريكى باراك اوباما لا يقل عن ذلك الذى وقع فيه سلفه جورج بوش الابن فى ادارة الوضع فى العراق بعد الغزو.

فى الوقت نفسه، يقول الاشقر ان «السيناريو اليمنى» الذى نقل فيه على عبدالله صالح بدعم سعودى السلطة لأفراد تابعين مباشرة للنظام القديم، يبدو الآن هو السيناريو الأرجح للاستمرار، رغم ما يبدو من تعثره فى اليمن ذاتها جراء سعى صالح للانقلاب على السعودية، ولكن فى النهاية تبدو الاستراتيجية الاقليمية والدولية هو السعى لاستحضار وجوه «محتملة» من الأنظمة التى قامت فى وجهها ثورات الربيع العربى بنداء «الشعب يريد».

ولا يستبعد الاشقر فيما يبدو لقارئ كتابه الأحدث أن يكون المخرج من الأزمة السورية على المدى التوصل إلى صيغة توافقية بين المعارضة السورية المسلحة المعتدلة والنظام السورى بما يحافظ على بقاء آليات نظام الحكم القديم مع تصدير وجوه جديدة للمشهد، وكذلك الحال بالنسبة لليبيا، فى حال اتفاق الأطراف الفاعلة اقليميا ودوليا على مسار الصياغة السياسية فى المرحلة القادمة للبلدين.

وفى هذا السياق يقتبس الاشقر بتأييد غير قليل مقولة المحلل السياسى الامريكى انطونى كوردسمان فى خريف ٢٠١٥، حيث قال «فى سنة ٢٠١٢ لم تغلق النافذة الزمنية المتاحة لدعم المعتدلين فى العالم فحسب بل تمت تغطيتها بالاسمنت» فلم تعد هناك فرصة لإعادة فتحها فى المدى المنظور.

ويقر الاشقر فى كتابه ان «غياب تحول جذرى ومستدام فى المسار السياسى للمنطقة وهو ما كان حصوله يقتضى بروز قيادة شعبية تقدمية منظمة وعازمة إلى إلى تحول نشوة الربيع العربى إلى كآبة ما سمى بالشتاء العربى»، مضيفا انه كلما تأخر بلد ما فى الانضمام إلى موجة الثورة الإقليمية كانت النتائج الأولية لفورانه اكثر دموية ولكنه يصر فورا ان استقرار الحال بالنسبة لهؤلاء الذين انقضوا على ثورات «العيش والحرية والكرامة الإنسانية» أمر مستحيل لسبب يبدو بديهيا هو غياب انجاز المطالب الملهمة للثورات حتى وان اعتبرها البعض فى أروقة الحكم اليوم، مجرد مؤامرات خارجية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل