المحتوى الرئيسى

لن أعيش في جلباب "بامبي"

12/20 21:38

جلستُ أتأمل الصور التي التقطناها في زيارة أخيرة لحديقة الحيوانات بالجيزة، والتي لم أزُرها منذ سنوات طويلة؛ حيث كنت أصطحب الأولاد، كبر الأولاد وبعدت الشقة، وأصبحت زيارة الحديقة ليست أكثر من نكتة نتندر بها كلما فكرنا في مكان للتنزه.

لكن زيارة كانت للمجاملة مع أصدقاء لنا وأطفالهم أعادتني لحديقة الحيوانات، وهناك التقطنا صوراً كثيرة، أغربها صورة لي مع التمساح.

أي والله مع التمساح، متر إلا ربع من العضلات القوية، والأسنان الخنجرية، وجسم تفاجأت مع لمسه أن له ملمس الزلط وبرودته.

ليس التمساح ما أثار دهشتي في الصور، ولا محاولته عضي وقضم يدي هو ما لفت نظري وأصابني بالحزن لدرجة السخرية، بل نظرة العطف والطيبة وإحساس "يختي كيوت" الذي كنت أنظر به للكائن المتوحش الذي كنت أحمله، والذي كنت الوحيدة من الجمع التي وافقت راضية مرضية أن تحمله في يديها وتلتقط صورة لها بصحبته.

كنت أنظر للتمساح في الصورة كما لو كان دكر بط بلدي، الصورة كان ينقصها فقط "إيموشن" عصافير وقلوب طايرة فوق راسي، بل لقد راودتني وقتها فكرة فلسفية ظننتها عميقة، وهي لماذا لا يهادي الأحبة بعضهم البعض في عيد الحب تماسيح؟ "اشمعنى الدبدوب"؟ ما الدب متوحش أيضاً، ما ذنب الزواحف؟

وإذ يبدو أن الأخ التمسوح اللذوذ وصله إحساسي، إذ فجأة وبدون سابق إنذار التفت فجأة وبمنتهى القوة والعنف لـ"يقرم" ذراعي، ولولا أنني تداركت الأمر بسرعة وقبضت عليه بمنتهى القوة والحزم، كان زمان ذراعي يرقد في سلام في بطن التمساح.

نظرتي الودودة ورد فعل التمساح أثارا في نفسي الكثير من الذكريات، تذكرت لماذا تجرأ عليَّ الكثير من البشر التماسيح على مدار عمري، لم أنزل الناس أبداً منازلهم، لم أعلم أبداً أنني بالنسبة للتمساح لست أكثر من قطعة ستيك طرية شهية، ولعل نظرة الطيبة التي نظرت بها له استفزت كرامته وإحساسه بالقوة وكرد فعل حاول إنه يعلّم عليا ويعلمني درس.. وتعلمته، أدركت الدرس بمجرد أن نظرت للصور، وجدت أنه من المنطقي جداً أن "يستعبطك" الناس التماسيح، أو الناس الثعابين أو حتى الأسود وأياً كان نوع البشري المفترس الذي تتعامل معه بمنطق "بامبي" غزالة عالم ديزني الكيوت.

إن من اختار من البشر أن يكون تمساحاً خبيثاً يصطاد في الماء العكر له من العقل والمنطق نفس من أوتي من اختار أن يكون قرداًً خبيثاً يتنطط فوق الأفرع ليأخذ من كل شجرة ثمرة، وهو نفس المنطق والعقل الذي اختار به البعض أن يكون ضبعاً يقتات على بقايا الحيوانات الأليفة أو غير الأليفة، وينهي الأعمال القذرة لأولئك الذين اختاروا أن يكونوا وحوشاً ضارية.

نفس العقل والمنطق اختار به أناس آخرون أن يكونوا ببغاوات تكرر أعمال الغير، لا لشيء سوى أنهم اختاروا أن يكونوا إمعات، لكنهم غير مؤذيين، بينما اختار آخرون أن يكونوا بلابل تطرب الآخرين دون أن ينتظروا منهم لا جزاء ولا شكورا.

إن وجود العقل والمنطق والقدرة على الاختيار هي ما سماها الله عز وجل "الأمانة"، التي عرضها على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، وتصدى لها الإنسان وقال لك "أنا أشيل"، ولهذا السبب خلقت الجنة والنار، فالجنة اختيار والنار اختيار.

تذكرت كل ذلك وأنا أتأمل نظرة عيني المشفقة، وإحساسي بأن شعوري بالعطف ناحية التمساح قد يغير من قناعاته بأنني جزء من سلسلته الغذائية، وتعجبت بل وسخرت من نفسي.

فأنا وباختياري وبما أتانيه الله من نعمة العقل والمنطق اخترت أن أحيا كغزالة كيوت وحبوبة ولذوذة ومعرفش إيه، فلماذا ألوم الأسود لو افترستني؟ ولماذا أطالب الأسد والضبع والقرد بتغيير قناعاتها بينما الأسهل أن أبدأ بنفسي وأغير قناعاتي، ليس المطلوب أن أتغير من غزالة إلى تمساح مثلاً، لكن المطلوب أن أنمي قدرتي على الدفاع عن نفسي، فالوعول غزلان لها قرون حادة تدافع بها عن نفسها، كما أنها سريعة الحركة تستطيع الفرار من الأماكن الموجودة بها الحيوانات المفترسة.

إن المسألة في عالم البشر وإن كانت تبدو أكثر تعقيداً إلا أنها في الواقع أسهل، فالحلال بيّن والحرام بيّن، وشتان بين طريق الخير وطريق الشرور، حتى وإن كان طريق الشر أكثر بريقاً وأسهل درباً، إلا أنه موصوم ومعلوم ولا خلاف عليه.

وإن كان التمساح والأسد والضبع وغيرها من الضواري لها الحق في الافتراس؛ لأنهم ولدوا على هذه الحالة، إلا أن البشر لا مبرر لهم في اختيار حياة التوحش والافتراس، فطريق الخير معلوم وممهَّد وسهل العنوان.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل