المحتوى الرئيسى

«منام الماء» الرسم بالحروف

12/20 02:38

خيرات الزين كما نعرفها فنانة تشـــكيلية لكن الرسم هو أيضاً كتابة والكتابة تصوير بالتأكيد. إنـــما الأهم من ذلك ان الحرف شكل مفرد بل هو قبل كل شيء هـــذا الشـــكل. ولأنه كذلك كان سرّه وحـــتى معناه في ذاته فأمكن ان ينطوي على العز وأن يكون طلسماً وأمكن أن يكون سحراً، نسب إلى السحر أو نسب السحر إليه، وبدت فتنته قائمة به وعليه بل صار مصدراً للفتـــنة وأصلاً. الحرف شـــكل حين يكون شكلاً وإيقاع حين يسمع. شكّل قبل الإشـــكال وإيقاع قبل الإيقـــاعات بل قد يكون الشكل للأصلي والإيقاع الأول، وإذا كانت الكـــلمة هي البدء، فالحـــرف هو بدؤها وهو سرها ونواتها. لعل هذا ما راود الشعراء والرسامين والمنجّمين والسحرة والكتّاب من كل الأنواع.

هناك بالطبع من جعلوا من تعانق الحروف نقـــوشاً وتصاوير. هناك مَن جعلـــوا من تشجير الحروف اسوة بالطبيعة. لكن خيرات الزين شاءت أن تحوّل الحروف إلى رسوم وأن تجعل الإيقاع مبصراً ومسموعاً في آن معاً. بل تجعل الشكل نفسه مبصراً مسموعاً، ان ترى الإيقاع وتسمع الشكل.

ليس جديداً تجانس الحروف ووقوعها على بعضها. السجع كما نعلم يزاوج بين خواتيم الكلمات، ثمة أيضاً الحرف نفسه في مبتدأ الكلمات؛ هذا بالتأكيد لعب على الإيقاع وبالإيقاع، لكن عند خيرات، الحرف يقوم مقام اللون، الزين والطاء والتاء وأي حرف آخر تقوم مقام لون لا اسم له. لكنه قد يقع في أول ووسط وطرف الكلمة وقد لا يقع فيها وقد يزدوج في الكلمة، إنه ضربة ريشة تتبدّل حسب الموقع، الحرف نفسه، لكنه قد يكون تنقيطاً وقد يكون ظلاً وقد يكون تبقيعاً وقد يكون تخطيطاً وقد يكون تسنيناً وشخبطة، ثم أنه يأتي ولا يأتي في أي مكان من الكلمة، التي تزقزق أو لا تزقزق به، لكنه يبدو في العبارة وربما المقطع وربما النص لوناً غالباً فنقول هذا رسم بالزين والشين أو الفاء أو «الميم ممر الماضي»، «يكمن في المنام فتستيقظ الاحلام على مخدته. في مدادها ملجأ المعاني. تمنح وتمنع وكأنها معجزة مالك الملك، «السين سندريلا الحروف، تسهر على ستان اللغة كسيف الأسطورة». «حين أصابها سهم الحب أصبحت السوسنة سريرها. ساعدها سطور من الياسمين، سجادتها سفر الصباح، سراجها سكون الحبر. جسدها سلسبيل، في حضها سمسم وسماق وسحرها لآخر نفس»، «الشاء شامة العرب، الشربين شقيق الشتاء وشباط يتقلب بين شرفة الشمس وشباك المطر»، «شجرة تين وتوت تشاجرتا ذات يوم أيهما أكثر أنوثة»، «وتقول الخرافة إن من بيوت الخشب تخرج الحروف بخفر»، هو الضوء ضاجع ضده فكان الضوء مع ضفيرة الصباح»، «الضاد ممرض اللغة مضمّد جراحها»، «الريشة ضرة الكلام»، «اســـتلقت الضاء على ظهرها ونظرت إلى السماء فوهب الله لها حلماً لتنام ولتخرجكم من ظلمات ثلاث»، «الغـــد غربال الزمن الغادر يغب من غدير المستقبل».

من الأمثلة الكثيرة التي نقلناها من «منام الماء» ولنسمها من عندنا «الرسم بالحروف» نجد على النصوص مظهر الشعر، فالتداعي الذي تستجلب به الكلام حرف ما، ليس محسوباً ولا متسلسلاً وقلما يؤلف فكرة صارمة بل يبقى تحت شبهات واحتمالات الأفكار. الإيقاع، بدون شك، مكون أساسي للنص، لكن الكلام الذي لم يقصد به الشعر يتكوّن كشعر، إنه من انبجاس اللغة وتداعيها ووقوعها، العفوي على بعضها بعضا، عدا عن الزخرفة التي تحول النص إلى متوالية زخرفية. مع ذلك لا نقول إن هذا شعر فلم يقصد به ذلك وانما هو أقرب إلى الزخرفة. انه قد يقترب من طلسمة الحروف ولو انه يكون في أحيان كثيرة وكثيرة جداً واعياً أكثر مما تتحمّل الطلسمة. لا شك في ان النصوص بدون ان تتقصد ذلك رجعت الى الأصل السحري للحــرف، لكنها سعت ما استطاعت الى التحرر منه، بل هي أحياناً تحوي مراجع مثبتة من تاريخ العرب القديم ومن إشارات الى الحاضر. كما أنها في غير أحيان تستردّ من النص الديني أو تحفل بإيحاءاته واشاراته.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل