المحتوى الرئيسى

الحجاب المفترى عليه

12/19 20:03

الحجاب وستر العورة بالأعم فريضة إسلامية، يُتعبد إلى الله بها، يُثاب فاعلها ويُعاقب تاركها، والمسلمون مأمورون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" وكذلك هم مطالبون بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

فريضة الحجاب ليست مجرد مظهر، بل إن تركها قد يؤدي إلى دخول النار، والمسلم لا يحكم لأحد بجنة أو بنار؛ بل إن وظيفته هي بلاغ آيات الله عز وجل "بلغوا عني ولو آية". ولا يعني القول إن هذا فعلٌ يدخل النار أن القائل يحكم بالنار على فاعله، فكلنا مردُّنا إلى الله سبحانه وتعالى، ونحن نحب العاصي ونكره المعصية، فكما نهى النبي صحابته عن لعن صحابي شارب للخمر عقب أن أقيم عليه الحد "....... فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه، فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله".

ومن المعضلات المتعلقة بقضية خلع الحجاب "الدعوة"، فبدلاً من الدعوة إلى الله وما افترضه بما قاله الله ورسوله، تفنن الكثير من الدعاة في عرض تشبيهات وتجسيدات لقضية الحجاب ما أنزل الله بها من سلطان، مثل تشبيه المرأة بقطعة من الحلوى يجب تغطيتها، فإن انكشفت تجمع الذباب حولها، أما وقد أقر القرآن الكريم والسنة النبوية منهاج ضرب الأمثال والتشبيه لتقريب المعاني لعقل المتلقي، لكن تلك التشبيهات إلهية ونبوية؛ بل وتوقيفية، أي أنها جزء من الدين، منضبطة بميزان إلهي ووحي لا ينطق عن الهوى.

أما تشبيهات بعض الدعاة اليوم فهي ابتداع وأولى بهم أن يدعوا الناس إلى ربهم بما قاله هو عز وجل لا بما ابتدعوه من تشبيه وتمثيل، فالمرأة ليست قطعة من الحلوى، وفي هذا تشيؤ objectifying واختزال للمرأة في جانبها الجسدي والمادي، بدلاً من كونها إنسانة مؤمنة، تعتريها بطبيعة الحال المشاعر المتضاربة والضغوط الاجتماعية المختلفة، وكذلك رغبتها في إظهار الجمال والأنوثة والتميُّز عن غيرها بما وُهب لها كرغبة سائر البشر رجالاً ونساء.

ورغم كل ذلك فهي تسعى للامتثال لأمر ربها ونهيه أولاً وحفظ نفسها ثانية، فتنجح أو تفشل في هذا، كل شيء وارد بحكم أننا بشر " وخُلق الإنسان ضعيفاً" مُختارون بإرادتنا الحرة "إنا هديناه السبيلَ إما شاكراً وإما كفوراً". فاختزال المرأة في تشبيهها بقطعة من الحلوى هو إهدار لها وللتجربة الإنسانية بشكل أعم، وخصوصاً محاولة تفهم دوافع الإنسان وصبره على غرائزه ورغباته من أجل غاية أسمى، فالأَولى توعية المرأة ودعوتها بآيات الله وأوامره وبيان جزائه وعقوبته.

أما الجدال المتكرر بأن الحجاب ليس دليلاً على الأفضلية، والمثال الأشهر بين من يهوّنون من شأنه أن هناك محجبة سيئة الخلق وأخرى غير محجبة من أهل الخير والإحسان، فمردود على ذلك بأن الناس جميعاً مردهم إلى الله يقضي بينهم يوم القيامة. والمسلم لا يزكي أحداً ولا حتى نفسه "فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى"، لكن كون فلانة محجبة وليست على خلق ليس مبرراً شرعياً ولا أخلاقياً لفعل أمر منهي عنه من قبل الله عز وجل، فأن تكون قاتلاً لا يعطيني مبرراً أن أكون سارقاً، كلا الفعلين مجرم وإن اختلفا في النوع والشدة، وهذا من البديهي لكن البعض يحلو له عقد المقارنات غير المنطقية ووضع القياسات الفاسدة والمساواة بين المختلفات.

ومن المشاهد بكثرة على صفحات شبكات التواصل هو تكاتف الكثير من المحجبات وغير المحجبات خلف معارفهن ممن تركن الحجاب، بل وتهنئتهن والإسراف في امتداح جمالهن على العلن ونشر الصور معهن بعد خلعه كنوع من التشجيع والمساندة، وكأنها موجة تمرد وثورة اجتماعية تفصح بطريقتها الخاصة عن رفضها للقيود دينية كانت أو مجتمعية، وهو أمر مثير للتأمل قبل أن يكون مثيراً للحزن.

الأجدر بالدعاة والأنجح في رأيي أن يكون الخطاب الموجه للمرأة غير المحجبة مطابقاً لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الصحابي شارب الخمر، ينبغي تفهم دوافعها وأسبابها والتعامل معها بدلاً من الحديث معها بتعالٍ أخلاقي من واعظ يزجر عاصياً وكلنا نعصى بطرق مختلفة في الحقيقة، بل الأدعى التعامل مع الضعف ومساندتها لتتغلب عليه وتذكيرها وقريناتها المؤيدات أن فعل المنكر والإقرار به هو مشاركة بالذنب، والتحدث مع أمثال غير المحجبة الفاضلة خوفاً عليها من غضب الله وعقابه ورأفةً بها وطلباً للخير لها ولغيرها، فكفى تنفيراً من جانب الدعاة وأيضاً تدليساً وخلطاً للأوراق من جانب الأصدقاء، وحريُّ بمن أحب أحداً -وينبغي للمؤمن أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه- أن يخشى عليه من الزلل ومن النار كخشيته على نفسه، وأن يدعوه باللين والرفق ترغيباً لما عند الله بدلاً من مساندته في معصيته والأخذ بكفل منها.

كان من عادة النبي -صلى الله عليه وسلم- إن كان ناصحاً أن يقول: "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا" ولا يفصح عنهم، ومن صفاته الدعوية أنه منا ونحن منه "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم". وكان مما زجر الله به بني إسرائيل تدليسهم وخلطهم الحق بالباطل "ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون".

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل