المحتوى الرئيسى

البرلمان المصري" مبيدّيش العيش لخبّازه": نوّاب يشرّعون القوانين بلا تخصص

12/19 19:45

حالة من التخبط يعيشها البرلمان المصري بسبب القوانين المتضاربة التي يشرعها، وتصريحات النواب المتناقضة، التي ظهرت جلياً في حكم المحكمة الدستورية العلىا بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 10 في قانون التظاهر. وقد خرج النواب بتصريحات متضاربة، منهم من قال إن ذلك ينعكس على القانون، والقانون غير دستوري، في حين قال آخرون إنه ينعكس على المادة نفسها فقط. ومنهم من رأى أن القانون معطل، في حين اعتبر آخرون أن القوة التنفيذية للمادة فقط هي المعطلة لحين التعديل.

تصريحات النواب المتضاربة تطرح سؤالاً ملحاً: "هل البرلمان أهل للتشريع؟" وهل نوابه مؤهلون دراسياً وعملياً لتشريع القوانين، التي تمس حياة كل مصري؟

المثل الشعبي المصري يقول "إدّي العيش لخبّازه"، في دلالة على تفضيل التخصص، لكن "البرلمان المصري مبيدّيش العيش لخبّازه".

وتكشف بيانات أعضاء مجلس النواب المصري الرسمية، المسجلة بمركز المعلومات في الأمانة العامة بالمجلس، عن فجوة عميقة، إذ يضم المجلس 25 لجنة نوعية متخصصة، وغالبية النواب يشرعون قوانين في لجان مثل الصحة، التعليم، الزراعة... في حين أن دراستهم ومؤهلاتهم، والمهن التي يعملون بها، لا تمت بصلة للجنة المتخصصين فيها. فهل هذا طبيعي أم يسبب فوضى تشريعية؟ وهل يمكن التغرير بالنواب واستغلال عدم معرفتهم لتمرير قوانين الحكومة؟

إشكالية عدم تخصص النواب يطرح أسئلة هامة، هل من الضروري أن يكون النائب متخصصاً في اللجنة التي ينشط فيها؟ وما سلبيات عدم التخصص؟ وما هي إيجابياته؟ وهل تفرض الديقراطية أن يكون المشرع خبيراً؟

يقول صلاح فوزي، رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق بجامعة المنصورة، وأحد خبراء لجنة العشرة لتعديل الدستور المصري، وعضو لجنة الإصلاح التشريعي بالحكومة المصرية لرصيف22، إنه ديمقراطياً ليس من شروط الترشح لمجلس النواب التخصص، وأن يكونوا محامين أو قضاة، لأنهم ممثلون عن الشعب والمجلس ليس مجلس تكنوقراط، ضارباً مثلاً بالمحكمة الدستورية، التي يقابلها في فرنسا المجلس الدستوري الفرنسي، وليس من شروطه أن يكون أعضاؤه قانونيين بل رؤساء جمهوريات سابقين وأعضاء معينين من الحكومة، ورئيس الجمهورية يعين ثلاثة أياً كانوا.

وأوضح فوزي أن 98% من القوانين التي تُقر وتناقش في البرلمان، تأتي من الحكومة، فتكون مدروسة ومراجعة من مجلس الدولة، ويناقشها البرلمان. والسبب في ذلك أن الحكومة لها أدواتها، وترى مناطق يجب التشريع فيها جراء التطبيق على أرض الواقع بعد دراسته، وتسعى لتطبيق برنامجها بعد موافقة البرلمان.

يقول جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، لرصيف 22، إن وجود أعضاء ليسوا متخصصين في لجان البرلمان، له بعدان، الأول إيجابي وهو ظاهرة صحية، في إطار التنوع داخل اللجنة ليتسنى دارسة الموضوع محل النقاش أو التشريع من عدة زوايا مختلفة. والبعد الثاني سلبي، فالنواب غير المتخصصين، سينعكس أداؤهم سلباً على سير القوانين ومناقشتهم لها في ظل تعقيداتها الفنية، نظراً لقلة الخبرة وعدم الممارسة التشريعية. وأضاف: "كلما مارس النواب العمل البرلماني أصبحوا أكثر خبرة، ضارباً مثلاً بمن يتعلم السباحة، الذي يتحسن أداؤه مع الممارسة".

كيف يؤثر عدم تخصص النائب على التشريع؟ ماذا يحدث حين يجد نائباً نفسه أمام قانون معقد تقنياً، ويتناول مسألة لا يعرفها، ومكتوب بطريقة لا يفهمها؟ كيف يوافق عليه أو يرفضه؟ وفي ظل هذا الواقع من الذي يشرع؟

يقول النائب البدري أحمد، طبيب بيطري، وعضو لجنة الطاقة: "نحن نستعين بالمستشارين في مجلس النواب و خبراء الأمانة العامة، وهم قرابة 11 خبيراً حاصلين على ماجستير ودكتوراه في تخصصاتهم، وتقسم تخصصات داخلية، منهم المسؤول عن البيئة وآخرون عن الغاز والبنزين، وآلية التنسيق تتم بناءً على طلبنا. نتوجه إليهم ونطلب مناقشة القانون وأرقامه ودلالاته، ويبدأون بتعريفنا عبر اجتماعات عن كل ما نسأل عنه، لأنهم أعلم منا بخبايا القوانين، وهم من يقومون بالرد على الحكومة أو مجلس الدولة، في حال وجود ملاحظات متعلقة بالقانون. ولديهم مكتبة قوانين، حين نطلب تفسير مادة معينة، يقوم خبراء المكتبة بإيفادنا بكل الأبحاث المتعلقة بالمادة والقانون".

شارك غردبوجود نواب لم يحصلوا على الثانوية حتى، ويعملون في لجان لا تدخل ضمن نطاق تخصصهم أصلاً.. هل البرلمان المصري أهل للتشريع؟

شارك غردمزارع في لجنة الشؤون العربية وطبيب توليد في لجنة الشباب والرياضة.. البرلمان المصري ما بيدّيش العيش لخبّازة

وشدد البدري أحمد على أن مجلس النواب يضم 3500 خبير ومستشار وموظف وعامل، يقومون بالتخديم على عمل نواب المجلس، وخبراء الأمانات الفنية، هم من يقومون بمراجعة التشريع، ومراجعة القانون فنياً وصياغة القانون لغوياً، وتحديد ما يترتب عليه، مستشهداً بذهابه إليهم، فوجدهم يناقشون قانون الغاز الجديد بعد أن جاء من مجلس الدولة، ويدرسون خبايا القانون، قبيل مناقشة النواب له.

إشكالية أخرى تظهر جلياً، هل نحن أمام موظف خبير يعرف ما يفعله، أم نائب تتلاعب به التفاصيل التقنية؟ هل هذا يعني أن من يمثل الشعب ليس هو من يشرع؟ هل هذا يقضي على فكرة الديمقراطية؟

يقول عمرو هاشم ربيع، رئيس مركز البحوث البرلمانية في مؤسسة الأهرام، لرصيف22: "أدوات التشريع في أيدي خبراء المجلس، وليس النواب، وهذا لا يقضي على فكرة الديمقراطية، بل مكمل له، فالنواب ذوو مؤهلات مختلفة وخلفيات مختلفة، وهذا موجود في كل برلمانات العالم، والإشكالية الأكبر في انتماء النائب للحكومة، هل هو موالٍ لها أم معارض. مؤكداً أن المؤيد سيتبنى وجهة نظر الحكومة أياً كانت.

وشدد ربيع على أنه يجري التغرير بالنواب واستغلال عدم معرفتهم ووعيهم بفنيات القانون، ويتم "الضحك علىهم" من قبل خبراء ومستشاري المجلس، المؤيدين للحكومة، لتمرير قوانين الحكومة، تحت ستار أنه دستوري وقانوني ويحقق رغبة الرئيس. واستشهد بتمرير قانون التظاهر الذي يكبل حرية انعقاد المجتمعات والتظاهرات في مصر، رغم اعتراض المجتمع المدني والمجلس القومي لحقوق الإنسان على بنود كثيرة فيه. وقال: "هل النواب الذين يوافقون على الموازنة العامة يعرفون خلفياتها أو أبعادها، والتي تضم أرقاماً ضخمة عن الإيرادات والمصروفات والضرائب. لن تجد 3% من المجلس يدركها، فيتوجهون لمستشارين المجلس، وهم من يقومون بتوجيههم".

وأشار إلى أن الأنظمة السياسية المتعاقبة في مصر سارت على المنوال نفسه في برلماناتها السابقة. وقبيل ثورة 25 يناير، كان الحزب الحاكم هو الحزب الوطني الديمقراطي، وكان في أيدي السلطة، وتقوم بتمرير أي قوانين ترغب فيها. أما البرلمان الحالي فلا يوجد حزب مسيطر عليه، ولكن تم تدشين ائتلاف دعم مصر، الذي يضم أحزاباً متفرقة وصغيرة، وهو ذراع الحكومة في البرلمان ويمرر القوانين التي ترغب فيها، عبر النواب الموالين لها.

يطرح ياسر كاسب، رئيس المركز الإقليمي للأبحاث والاستشارات البرلمانية، ونائب رئيس حزب المحافظين، 4 حلول لأزمة عدم تخصص نواب البرلمان، وتشريع القوانين بشكل غير دقيق. أولها يجب تعديل  اللوائح الداخلية بالبرلمان، والتي تجعل العضو حراً في اختيار اللجنة التي ينتمي إليها، وفقاً للتخصص، لتكون الأولوية للتخصص.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل