المحتوى الرئيسى

الدكتور الحملاوي صالح يكتب : سيكولوجية الفقر | الفيومية

12/18 21:11

الرئيسيه » رأي » الدكتور الحملاوي صالح يكتب : سيكولوجية الفقر

لا يمكن لأى دين أو فكر إنسانى أن يتغاضى عن مواجهة الفقر، فالمال هو زاد الحياة، والرب أدرك أن البشر يقدرّون المال حتى حدود التأليه لذلك رآه نداً له: “لا يمكنكم أن تعبدوا ربين، الله والمال. (متى6: 24؛ لوقا16: 9-11)، فأى مجتمع من المجتمعات لا يزداد فيه الأغنياء إلا غنى والفقراء إلا فقرا، مجتمع مهدر للطاقات اقتصاديا ومزعزع للاستقرار اجتماعيا، مجتمع مريض؛ فقد  أثبتت الدراسات منذ عقود أن هناك علاقة طردية بين الفقر والمرض النفسى، فكلما زادت نسبة الفقر زاد المرض النفسى بشتى صوره وأهمها: الاكتئاب والقلق والفصام والوسواس القهري و الإدمان. وتجدر الإشارة إلى أن الفقر لا يمكن اختزاله فقط في العَوَز المادى كما يحاول البعض أن يعرّفه، وإنما هو أكثر من ذلك بكثير، بحيث يتسع ليشمل الحرمان من الجوانب المعنوية في الحياة الإنسانية الكريمة مثل: التمتع بالحرية، واكتساب المعرفة، والكرامة الإنسانية، وتحقيق الذات الذى ينبع من المشاركة الفعالة في القرارات التي تؤثر في حياة الفرد ومصيره، وإسماعه لصوته عاليا، واحترام الجميع بالتساوى وضمان الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية الفردية والجماعية، على حد سواء واعتبار العدالة والحُسْن والجمال أموراً جوهرية.

أما إذا أردانا التحدث عن تأثير الفقر على الأطفال من الناحية السلوكية والنفسية والاجتماعية, فنستطيع القول بأن الأطفال في الأسر الفقيرة لا يعانون فقط من شح المال والغذاء ورداءة المسكن، ولكنهم يعانون أيضا من شح في التربية النفسية والسلوكية الصحيحة، ومن ضعف الرقابة الأسرية وتدني مستوى الوعي؛ مما يعرضهم للكثير من الخبرات والمواقف السلبية في سن صغيرة جدا تؤدي إلى مشاكل نفسية وسلوكية في المستقبل، حيث أنهم أرضية خصبة لأشكال معينة من الانحرافات ففي الأحياء الفقيرة ينتشر خروج الأطفال منذ سن صغيرة جداً إلى الشوارع والتسكع لساعات طويلة، والاختلاط مع فئات عمرية مختلفة دون أدنى رقابه والديّة أو إدراك لخطورة هذا الأمر؛ مما يوقع الطفل في مشاكل سلوكية متعددة مثل: التدخين والسرقة،كما أن الكثير من الأطفال يصبح ضحية لتحرشات جنسية وأحياناً اعتداءات جنسية غير معلنة،كما أن ضعف الرعاية الوالدية والمتابعة يؤثر بشكل سلبي على التحصيل الدراسي للأطفال فتكثر مشاكل الهروب من المدرسة: كالرسوب المتكرر والانقطاع عن الدراسة في مرحلة تعليمية مبكرة، ومن الجدير بالذكر أن متوسط العمر (أي متوسط الوفاة)  في الدول الأكثر فقراً لا يتجاوز 52 سنة، وفي بعضها 46 سنة، أما في الدول الأكثر غنى فإن متوسط العمر  يتراوح بين 86 سنة،على الأكثر و58 سنةعلى الأقل، أى أن الناس في الدول الأكثر غنى يعيشون مرة ونصف المرة أكثر من الذين يعيشون في الدول الأكثر فقراً.

ونظرا لاتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، إذ تكفي الإشارة إلى أن ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم تبلغ ما يعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة في العالم، كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل 41% من سكان العالم مجتمعين، وفضلا عن ذلك فإن 2.5 مليار إنسان يكوِّنون 39% من سكان العالم يعيش الواحد منهم بأقل من دولارين في اليوم، ولا يحققون سوى 5% من الدخل العالمي الشامل، في حين أن أغنى 10% من السكان، يعيشون كلهم تقريبا في بلدان الدخل المرتفع، يحققون 54 % من هذا الدخل، وهناك ما لا يقل عن 8 ملايين إنسان يموتون سنويا بسبب الفقر؛ أي بمعدل 20 ألف شخص يوميا، وذلك بسبب فقدان الاحتياجات الأساسية من الماء الصالح للشرب أو الحد الأدنى من الغذاء أو بسبب أمراض تسهل معالجتها مثل: الإسهال والجفاف والملاريا والكوليرا وغيرها من الأمراض الفتاكة.

فما السبب ياترى لهذا الفقر الكئيب؟ في الأمثال الفارسية نجد مثلاً ينطبق على حالة البشر على وجه الأرض اليوم ( خاصة في مصر)، يقول المثل: “اتفق مع الراعي، واسرق أغنام مالكها” فبدل أن يدخل السارق في صراع مع صاحب الغنم فإن الأفضل له أن يتفق مع الراعي، ويسرق الأغنام ويبقى هو في منأى عن الاتهام. هكذا يحدث في البلاد الأكثر فقراً ومواردها كثيرة تُسيل لعاب الدول، فالأغنياء يتفقون مع مستبد هنا، وديكتاتور هناك، ومع أقلية هنا وأقلية هناك، ثم يسرقون كل الموارد ويبقون في منأى عن أي اتهام! وكل دعوات الإصلاح الاجتماعي يستحيل تحقيقها على مستوى الفضيلة الشخصية، فمقولات مثل: الخبز ضروري ولكنه ليس الغاية. المال أداة والغاية هي المحبة. الفقير المكتفي هو مستغني بالقناعة، إن إنساناً يملك المحبة ويملك الإبداع هو الغناء الكامل. كل ذلك دجل! فالمجتمع الذي لا يشبع الحاجات الأساسية لأفراده مجتمع مريض.

وكما قال يوسف السباعي: هذا الشعب لا بدّ أن يكون أحد أثنين. إما شعب يكره نفسه لأنه – رغم ما يشيعون عنه من أنه مصدر السلطات- يأبي أن يصلح حاله ويعالج مصابه ويزيل عن نفسه ذلك القيد الثقيل من الفقر والجهل والمرض، وإما أنه شعب زاهد، قد تعود ذلك البؤس الذي يرتع فيه والحرمان الذي يأخذ بخناقه. فكلنا يعلم أن العدل أقل كلفة من الحرب، ومحاربة الفقر أجدى من محاربة الإرهاب، ولا يوجد مستقبل في بلد يتمدد فيه الفقر كما يتمدد ثعبان في الرمل. فالفقر أسوء أشكال العنف، والفقر يجعلك حزيناً ، وكما قال أفلاطون: يجب ألا يوجد بين المواطنين فقر مدقع أو ثروة مفرطة لأن كليهما ينتج عنه شر عظيم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل