المحتوى الرئيسى

مصراوي من داخل المقابر- أم شهيد مذبحة رفح تبكي: دفنوا ''حبارة'' جنب عبد الرحمن

12/18 17:07

حفرة صغيرة، تعلوها "كوم" من الرمال والأتربة، تتوسط مقابر "الشيخ سعيد" بمركز أبو كبير بالشرقية، بعثرت حولها زجاجات وأكياس بلاستيكية، يمر بجانبها الأهالي ذهابًا وإيابًا دون اكتراث، داخلها دفنت جثة "عادل حبارة" مرتديًا البدلة الحمراء بعد تنفيذ حكم الإعدام عليه في قتل 25 جنديًا بالجيش في "مذبحة رفح الثانية" في أغسطس 2013، تواجه الحفرة - مطموسة المعالم - قبر أحد شهداء العملية الإرهابية التي خطط لها "حبارة" قبل 3 سنوات.. مشهد أشعل الغضب في نفوس أهالي قرية "المانستيرلي"، وأحرق قلب أم الشهيد عبد الرحمن.

صباح الجمعة، بدا المشهد هادئًا داخل قرية "المانستيرلي" كما طبيعتها، بعد يوم صاخب على غير المألوف، ضج الأهالي بالغضب، على رأسهم السيدة "فاطمة" أم الشهيد عبدالرحمن، وقت دفن جثة "عادل حبارة"، بعدما انتشر الخبر في القرية كالنار في الهشيم.

قرابة 10 مدرعات وسيارات شرطة بداخلها جثة "حبارة" ومعهم سيارة نصف نقل تقل عدد محدود من ذويه، كانت دليل أهالي القرية لمعرفة الخبر "كان في ناس من أهله؛ أمه وجوز أمه و3 أخوات بنات وأخ ولد"، يقول "عبده السيد" المدرس بمعهد كفر الغول الابتدائي بالقرية، مشيرا إلى حدوث مناوشات ومشادات كلامية بين أم الشهيد وأهالي حبارة، بعدما جاءت مهرولة إلى المقابر ودخلت في نوبة من البكاء والعويل، رافضة دفن قاتل ابنها أمام قبره، لتشتبك مع والدة حبارة وشقيقاته، قبل أن يتدخل الأمن ويفصل بينهما.

على بعد أمتار من مقابر "الشيخ سعيد"، المخصصة لعدد من قرى مركز أبو كبير منها "الطوخي، المانستيرلي، الشيخ سعيد"، يقع منزل شهيد مذبحة رفح الثانية، بوابة حديدية، تعلوها لافتة بيضاء صغيرة كتب عليها "منزل الشهيد عبدالرحمن حسني إبراهيم أبوالفتوح.. فقيد واجب الوطن.. رقيب أول بالقوات المسلحة"، يقف أمام البوابة الصغيرة الطفل "عبدالرحمن" نجل شقيق الشهيد، الذي سمي على اسم عمه البطل، كما سمي نجل شقيقة الشهيد بنفس الاسم تخليداً لذكراه، تقودك البوابة إلى سلم صغير أعلاه باب خشبي، تدلف منه فتجد السيدة "فاطمة" أم الشهيد عبدالرحمن تقف خلف ستارة بيضاء أزيح جزء منها فكشفت ما ورائها، تتوضأ السيدة الخمسينية لصلاة الظهر، مرتدية جلباب و"قمطة" سوداء تغطي رأسها، ما إن تفرغ من الوضوء، تأتي وهي تجفف يديها، معبرة عن غضبها الشديد من دفن قاتل ابنها بجوار قبره "ما يتحطش في التربة اللي فيها الشهيد، تربة ابني طاهرة".

"معرفتش إلا وأنا رايحة أسقي قبر الشهيد" تحكي السيدة "فاطمة" عن علمها بدفن "حبارة" في مقابر القرية، وتشير إلى أن أحد أهالي القرية جاء إلى منزلها وطالبها بعدم الذهاب "قالولي ما تروحيش التربة النهاردة" وأنها ظلت تسأله عن السبب حتى أخبرها أنهم يدفنون "حبارة" بذات المقابر "ما كنتش عارفة أنا ماشية إزاي، كان جسمي كله مولع نار، أعدت أصرخ وأقول إيه اللي جاب عادل حبارة هنا، التربة دي شريفة، كانوا راموه في بحر البقر اللي فيه مجاري مصر وهما جايين" تشيح الأم بغضب.

كان مشهد وصول الأم للمقابر مأساويا، ارتمت أرضا ودخلت في نوبة بكاء، دخلت في مشادة كلامية مع أهل قاتل فلذة كبدها، فيما جاءها الرد صادما "فضلوا يقلولولنا ألفاظ، تستحي تسمعيها" مضيفة أن إحدى شقيقات حبارة قامت بالبصق عليها "إزاي مش مقدرين إني أم وقلبي اتحرق على ابني".

عدد من الأطفال، لا يتعدى عمر أكبرهم الـ10 سنوات، يمرون من المقابر بجانب الحفرة الصغيرة المدفون بها "حبارة"، خلال ذهابهم لصلاة الجمعة بمسجد القرية القريب من المدافن، بسؤالهم عن الشخص المدفون بالحفرة يجيبون بعفوية "عادل حبارة.. اتدفن إمبارح الساعة 2 ونص، مع صلاة العصر كده"، وبالاستفسار عن كيفية وفاته، يقولون دون تفكير، كما لو أنهم يحفظون الإجابة عن ظهر قلب "مات مشنوق، عشان قتل 25 واحد من جيشنا"، ويشيرون إلى أنهم عرفوا تلك المعلومات من التليفزيون والبرامج التي ظلت تتحدث عن "حبارة" طوال الأيام الماضية.

يقطع المشهد صوت جهور يطالب المتجمعين بلهجة غاضبة بالانصراف فوراً "محدش يقف هنا، كله يمشي وإلا هستدعي الشرطة من المركز"، يأتي صاحب الصوت مهرولاً من أول المقابر، يقترب قليلاً فتتضح معالمه، رجل خمسيني، مرتديًا جلباب رمادي، حاملاً في يده اليمنى عصى غليظة من الأشجار، التف حول رأسه شال أبيض، يقول الرجل ذو البشرة البيضاء والذي يدعى "عم محمود" ويعمل "خفير" بمركز شرطة أبو كبير، كلمات مقتضبة بنبرة حادة "ممنوع التصوير هنا، دي تعليمات من الداخلية"، يمكث الخفير داخل المقابر لحراسة قبر "حبارة" ولمنع الاقتراب منه، وبعدما هدد عدد من الأهالي الغاضبين بنبش الحفرة وإخراج جثته منها، بحسب المدرس "عبده السيد"، ويشير إلى أن الخفير سيظل متواجد بالمدافن 10 أيام من وقت دفن حبارة الخميس الماضي.

رغم حالة الحزن التي انتابت والدة الشهيد، لا تزال سيرة صغيرها تتجلي في كل عبارة  "جنازته كانت فرح" تصمت للحظات وهي تسترجع رحيله الذي أعقب خطبته بأقل من شهر "عمل فرحه وراح ع الجيش، ملحقش يا حبيبي"، وتقارن بين مراسم دفن نجلها الشهيد وبين دفن قاتله "رموه زي الكلب ومشيوا، حبارة اترمى في التربة ببدلة الإعدام الحمراء، مبروكة عليه، لا اتكفن ولا حاجة".

لم يكن حزن أم الشهيد مقتصرا عند حدود ابنها وفقط، بل تعتبر نفسها ممثلة لأمهات الشهداء أجمعين "ده حق كل واحد راح ع أيده"، معتبرة أن الأمن نفذ الأمر بسرية حتى لا تحدث ضجة "ضحكوا علينا وقالولنا ده واحد من مصر جاي يندفن هنا، احفروا نقرة عشان هنحطه فيها، مكناش عارفين إن هو عادل حبارة".

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل