المحتوى الرئيسى

بالصور| ما بين أزهر اليوم والأمس يبقى العمود سند كل طالب علم

12/18 13:34

دقت الساعة واعتلى المؤذن مجلسه وتعالى صوت جهوري بالتكبير، إنه عام 1267 هجريًا، اصطف المصلين هنا وهناك، اكتظت الأماكن ومازالوا يتوافدون حتى كادت أن تغلق كافة الشوارع بالمصلين، خرج السلطان الظاهر بيبرس يتصدر الحضور لبدء أول صلاة جمعة من المسجد الأزهر، قبلة العلماء، ما يقارب الألفين عام قد مرت وأخذت معها أول نداء، لذلك المسجد ذو الأعمدة الرخامية الشامخة المتوارية بين أسقفها العالية.

يلتفون في دوائر مجتمعين في صمت يتابعون شيخهم يشرح ويفسر يغدك عليهم من علمه، يستزيدون في شجن، يكررون جماعة وراءه في بعض الحفظ لإتقان النطق الصحيح، فمنهم التايلاندي والباكستاني والصومالي والماليزي، جنسيات مجتمعة تحت سقف واحد تنهل من فيض العلم مشهد يقل تواجده في وقتنا الحاضر لكن ما زال يحتضنه الجامع الأزهر.

مرت القرون ومازال ذلك البيت من بيوت الله فريد في خصاله ومكانته، فهنا يدخل المسلمين الجدد معلنين وحدانية الخالق، هنا تجد طالبين العلم من كل مكان، بالأمس البعيد لم تكن هناك جامعة الأزهر، فقط المسجد، كل عمود منه يشهد على دروس علم متواصلة في كافة فروع الحياة والدين يجلس الشيخ ويحوطه الطلاب.

 انتقل الطلاب للجامعة وباتت قبلة لتنوع العلوم المختلفة وبقى ذلك المشهد ليومنا هذا طريق أمام كل طالب أزهري، ويروي "وائل" أحد منظمي المسجد، لـ"التحرير": مازل العمود مركز تجمع مفتوح أمام كافة مريديه، تأتي المجموعة ومعهم شيخ كبير أو من يزيدهم في العلم يجلسون في نفس الوضعية الجلوسية التي شهدها المسجد منذ بناءه، بجانب حلقات العلم التي مازالت تقام إلى الآن حيث التفسير والحديث والقرءان، يعلن عنها المسجد بشكل دوري وتقدم لكافة الطلاب من دول العالم".

أسفل كل عمود تجد قصة أحدهم من الصومالي الجالس أمام كتابه يهمهم في حفظ أيات القرأن الكريم، يعلو برأسه ويخفض، بحركة تلقائية لم تختلف عن الكتاتيب القديمة، يقرأ أيه وأثنين ثم يواصل حفظ حتى ينهى صفحته ما بين العصر والمغرب وقته المثالي لمراجعة منهجة من القرأن الكريم، في محاولة لفهم اللغة العربية في قراءتها لينجح في الحديث بها كما يحفظها.

وعلى الامتداد بقلب المسجد تجد أحد الشيوخ بجلبابه الطويل وعمامته وذقنه الطويل، يختم صلاة العصر ويستند على عاموده فيأتي إليه الطلاب من الجنسيات المختلفة الماليزي والتايلاندي والإندونسي، يمسكون كتاب الحديث الخاص بهم في موعدهم مع الشرح المبسط لما يعانوه في الجامعة من حديث باللغة العامية المصرية التي تشكل لهم عائق في الفهم على عكس شيخهم الذي يتناول الشرح باللغة العربية الفصحى الصريحة.

في نهاية الممرات الرخامية، تجد شيخ أخر خلف مكتب خشبي وجلس أمامه الطلاب في وضعية مماثلة تمامًا للكتاتيب القديمة، يقرأ عليهم من أيات القرأن ويذكرهم أن موعد الامتحان ما بقى أمامه غير أسبوعين بمزيج من الممازحة والتأكيد على ضرورة المراجعة، ويحاول أن يقف مرة واثنين عند كل أية حتى يتمكن طلاب البعوث من نطقها بسلاسة.

ثم تجد المغتربات من تايلاند وإندونسيا وماليزيا بخمارهم المميز وملامحهم الآسيوية في جانب السيدات الشرقي، يجلسون وتتوسطهم زميلتهم "أميرة"، الطالبة المصرية بكلية الدراسات الإسلامية التي تطوعت للشرح لهم.

وتروي أميرة: "مع اقتراب الامتحانات، أحاول مساعدتهم في توضيح بعد المواد فلدينا 5 مواد أساسية في الفصل الدراسي الواحد، ويكون معهم معاناة حين يكون الكم الدراسي كبير هنا يصعب فهمهم بشكل خاص أن بعض الاساتذة في الجامعة لا يشرحون بالعربية الفصحى بل العامية المصرية وهو ما يتعذر على الطلاب فهمه بسهولة، فيكون الجامع الأزهر اختيارنا الأول للاجتماع وشرح لهم ما يريدون كونه مفتوح طوال اليوم دون قيود، نحاول تحصيل ما فقد خلال الفصل الدراسي في هدوء دون إهدار للوقت".

تجلس "أميرة" وعلى مقربة منها "حريصة" و"طيبة" و"رحيمة"، ثلاثة طالبات متفاوتات في العمر متفقات في الكلية ذاتها، جميعهن من تايلاند اتين بعد أن تركوا بيتهن وأسرهن وجئن لدراسة أصول الدين في الأزهر.

وتعلق "رحيمة" ذات الـ21 عامًا في خمارها الأسود الصغير في سؤالها عن سبب اختيار: "أتيت هنا لدراسة أكثر في الدين والتعلم منه" في إشارة لكتابها "أتيت لأدرس هذا لأعرف عنه أكثر وأتعلم بشكل صحيح".

جاءت "رحيمة" إلى القاهرة بعد تفوقها وحصولها على منحة دراسية بالأزهر، وهو ما ساعدها على المكوث في مدينة البعوث الإسلامية، بتكلفة منخفضة عن حريصة وطيبة فهم يعيشون بين الحي الثامن والسابع ليكونوا على مقربة من الجامعة لكن بتكلفة إضافية لم تمنعهم من البحث وراء شغفهم بالتعلم.

وقالت حريصة وهي أكبرهم سنًا واقتربت من اتمام عامها الثالث في مصر بعد أن غادرت بلادها: "سافرت مرة واحدة خلال فترة دراستي لزيارة أهلي أما في باقي الأيام أواصل مراجعتي للأيات القرأنية ومراجعة التفاسير لأتمكن من الحديث الصحيح للغة العربية الفصحي".

وتروي ثالثتهم "طيبة": "في بلادنا يوجد عدد قليل من المدراس لتعليم اللغة العربية، بجانب أننا من الجنوب فتسيطر البوذية أكثر من الإسلامية أما في العاصمة بانكون يوجد أيضَا مسيحين، ويعاني الطلاب المسلمين في البلاد من قلة الكليات الدارسة للعلوم الدينية رغم أننا من عائلة مسلمة، فيوجد ثلاث كليات فقط هي التربية وأصول الدين وشريعة".

تطمح الثلاث فتيات لمواصلة رحلتهن مع العلم فبعض أن يحصلوا على شهادة رسمية من الأزهر يودون أن يكون رسول علم في بلادهم، ستصبح ثلاثتهن معلمات لتعليم كل حرف تلقوه هنا إلى دروس لصغار الطلاب هناك من يعانون من قلة المدارسة الأسلامية والتي تتحدث بالعربية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل