المحتوى الرئيسى

شهادة 4 أطباء عن الواقع المُر في المستشفيات الحكومية

12/17 16:59

- من النسخة الورقية للجريدة الأسبوعية

كيف يتعامل الدكاترة مع نقص المستلزمات الطبية فى المستشفيات؟

المرضى يصرخون ولا أحد يستمع إلى صراخهم أو حتى يشعر بهم، كثيرٌ منهم دفعوا حياتهم مقابل نقص الإمكانيات بمبانٍ ظللنا نطلق عليها لفظ «مستشفيات». الأجهزة الطبية معطلة، وغرف العمليات مغلقة لعدم توافر المستلزمات، والأدوية لا يتوافر منها إلا القليل، لا يوجد شاش ولا قطن ولا محاليل، ولا يوجد قرار، كما لا توجد حكومة على أرض الواقع يمكنها حسم الأمور، المريض وحده يدفع الثمن، المريض هو الذى يسدد الفاتورة، الفاتورة هذه المرّة هى حياته.

وفى ظل المأساة اليومية ما بين عدم وجود سرير أو عدم وجود تقنيات أو أدوات لإجراء تدخل طبى مهم لحالة ما.. فى هذه الحالة ماذا يجب على الطبيب أن يفعل ليوفر العلاج للمريض؟!. وهو المطالب بكتابة فحوصات ووصف علاج وتحاليل وأدوية غير موجودة فى المستشفى؟!

السطور القادمة ترصد يوميات طبيب مدبِّر يتعامل مع أزمة نقص المستلزمات وسط تعليمات شفاهية «اتصرفوا بالإمكانيات المتاحة واللى يموت يموت»

احذر.. يد الطبيب فيها سم قاتل!

د.أحمد فتحى - مستشفى المطرية: إدارة المستشفى توزع «جونتيات» لا تكفى للكشف على 5 مرضى فقط

مافيش مريض إلا ونكتب له علاجه من برة المستشفى، أنا طبيب جلدية لا يوجد عندنا فى عيادات الجلدية غير نوعين كريم مضاد حيوى وكريتوزن، أما بالنسبة للأدوية الباهظة الثمن عمرها ما كانت موجودة فى مستشفى المطرية وخصوصا أدوية الفطريات، الكارثة الأكبر والأخطر أن الأطباء يضطرون للكشف على المرضى دون ارتداء «جوانتيات» لأن إدارة المستشفى توزع كميات محدودة لا تكفى لـ5 مرضى، وبالنسبة لعيادة الجلدية أغلب المرضى مصابون بأمراض معدية وبالتالى عدم توفر «جوانتيات» يتنافى مع قواعد مكافحة العدوى نهائيا، وتمثل خطورة لنقل العدوى للطبيب من ناحية وتمثل خطورة أكبر فى نقل العدوى لمريض آخر من ناحية أخرى.

أحيانًا الأطباء يرفضون الكشف على المريض إلا بعد توفير «الجوانتى» لأن يد الطبيب ستكون مصدر عدوى لمريض آخر بسهولة، خصوصا أن الأمراض الجلدية سطحية ويتطلب منا لمسها لوصف العلاج، وكتير منا فكر فى التوقف عن العمل وغلق العيادات الخارجية لحين توفر «الجوانتيات» ولكن بيصعب علينا المرضى الغلابة اللى جايين يستنجدوا بينا لعدم قدرتهم على الكشف بالعيادات الخاصة، ولما اشتكينا لإدارة المستشفى كان الرد: هى دى الكميات الموجودة اتصرفوا! الوضع مأساوى خاصة لا يوجد إحصائيات دقيقة ترصد أسباب انتشار العدوى بالمستشفيات، وصعب عليا كطبيب أتحمل إنى أكون سببا لنقل العدوى لمرضى غلابة علشان كده تركت المستشفى، وللأسف بعد تقافم الأزمة الشهور الماضية أصبح الوضع كارثيا، وكل يوم أسمع شكوى زملائى بمستشفى المطرية من مخاوفهم لانتشار العدوى ولكن لا حياة لمن تنادى.

نقص أدوية السرطان تودى بحياة أسرة كاملة

د.إيمان سلامة – مستشفى الجامعة بسوهاج: للأسف مش كل العقاقير والمستلزمات ينفع نجيبها بالتبرعات

نقص العلاج واقع بنشوفه كل يوم فى المستشفيات الحكومية، كل يوم بيعدى علينا شباب الأطباء يجمعوا تبرعات لحالات محجوزة ومحتاجة علاج مش موجود فى المستشفى ومش معاهم فلوس يجيبوه من برة دى حقيقة يومية بنشوفها وكل دكتور بيقدر يساعد بيساعد وبيكلم اللى يعرفهم من أهله وأصحابه، الحقيقة أن النواقص زادت بصورة كبيرة الفترة الأخيرة أدوية كتير اختفت من المستشفيات والبدائل أقل كفاءة ولا تعطى نفس النتيجة فى العلاج.

وللأسف مش كل الأدوية ينفع نجيبها بالتبرعات لأن أدوية علاج الأورام مثلًا مكلفة جدا ومش ممكن نقدر نجمعها بالتبرع لأن المبلغ كبير والحالة الواحدة بتحتاج جرعات كتيرة.

من أكثر الحالات التى تأثرت بها من قائمة ضحايا الأزمة كانت فى أسرة كاملة بتشتغل فى زراعة الأرض أب وأم وثلاثة أطفال بيناموا مع المبيدات فى نفس المكان، كلهم أصيبوا بسرطان فى الخلايا الليمفاوية كل يوم كنا بنجمع علشان نكمل علاجهم وكانت النتيجة إن كل العائلة ماتت واحد ورا التانى علشان مقدرناش نكمل علاجهم لعدم توفر الإمكانيات خصوصا الأجهزة، والضحية الثانية لا تختلف عن حال الأسرة كانت لطفل صغير خمس سنين كان بيلعب كورة وأصيب بكسر مضاعف فى الساق وبسبب عدم توفر مضادات حيوية مهمة لحالته كانت النتيجة تدهورالحالة وبتر رجله.

نقص الأجهزة مشكلة أكبر، المفروض أن الأجهزة مكلفة جدًا وصعب الأطباء يشتروها بالتبرعات ناهيك بنقص المستهلكات من سرنجات ومحاليل وشاش وقطن، تحسى بأنك بتشتغلى وحد رابط إيديكى ومكتفك.. منتهى العجز.. لا قادرة تسيبى العيان تعبان ولا قادرة تساعديه.

أقسام الأشعة حبر على ورق

د.خالد سليم – أحد المستشفيات الكبرى بالقاهرة: أعتذر للمرضى عن تعطل الأجهزة.. والحقيقة أن الصبغات والأفلام ناقصة

أتحدث عن تجربتى وتخصصى فى الأشعة التشخيصية.. هناك أزمة حالية فى أفلام الأشعة وأزمة متجددة قديمة حديثة فى الصبغات الخاصة بالأشعة، ويسرى هذا الأمرعلى المستشفيات العامة وأيضا مراكز الأورام حيث الأشعة هى عين الطب على الأورام ومتابعتها قبل وبعد الجراحات والعلاج الكيميائى.

الرد معروف: «انهيار سعر الجنيه أحدث نوعًا من الصدمة عن الهيئات المستوردة وأدى لمشكلات وخلافات فى التعاقدات المتبادلة لتوريد هذه المواد».. وأنا كطبيب أشعة كل ما أفعله هو الاعتذار للمرضى عن تعطيل الجهاز بعد أن أصبحت أقسام الأشعة حبرًا على الورق، فقد اقتصرت على الأشعة العادية فقط، ليصبح المرضى فريسة سهلة لأصحاب مراكز الأشعة الخاصة أو يضاف أسماؤهم إلى قوائم الانتظار لحين حل الأزمة، وكثير من المرضى حالتهم متأخرة ولا يستطيعون الانتظار بالشهور، ولا حيلة للطبيب أمام نقص الإمكانيات، وهنا الطبيب بدوره يتقمص دور ساعى البريد حين يقوم بأمر إرسال المريض إلى أقرب مستشفى ربما يجد فيه إمكانيات أفضل .

د.سحر عزيز - مستشفى سوهاج العام: نضطر لشراء بعض المستلزمات من الخارج على نفقة المريض

الطبيب اللى هيفكر يحول مريض معهوش فلوس أو يطالب بمجانية الأشعة بيسيب المستشفى

ما يحدث بمستشفى سوهاج العام وهم كبير يسمى أكذوبة العلاج المجانى. الأدوية لا تتوافر طوال السنة فى العيادات الخارجية، الطبيب لا يجد فى صيدلية المستشفى سوى «باراسيتامول» اللى هو خافض حرارة ومسكن ضعيف، أما أدوية «النيروفيت» اللازمة للأعصاب تختفى بالشهور، وكثيرًا لا نجد دواء نصرفه للمرضى، ونضطر لكتابة الأدوية لشرائها من خارج المستشفى على نفقة المريض، خصوصا أن إدارة المستشفى لا تقبل شكوى من الأطباء بنقص الأدوية ولا تقبل التمرد عليها والمريض لا حول له ولا قوة.

وبالنسبة للأقسام الداخلية بالمستشفى أتحدث عن تخصصى فى قسم الروماتيزم والتأهيل، داخل القسم الأدوية المعالجة للأمراض المزمنة تختفى بالشهور دون سبب واضح، فيضطر المريض المصاب بأعراض حادة لشراء العلاج من الخارج بضعف الثمن وفى ظل ارتفاع الأسعار يقع المريض فريسة التلاعب فى الأسعار فشريط العلاج الذى يباع بالخارج بـ50 جنيها نجده يتراوح ما بين الـ70 و100جنيه، والمريض لا يستطيع تحمل تكاليف شراء الدواء وبالتالى تحدث له انتكاسة قد تؤدى إلى الوفاة خاصة فى حالات مرض «الروماتيد المفصلى» الذى يعتبر من أمراض المناعة المزمنة، وفى حالة عدم توفر الدواء للمريض يصاب بانتكاسة تبدأ بتيبس تام فى المفاصل وما يصاحبه من ألم يصعب على المريض تحمله، وبالتالى يصاب المريض بالعجز ومحتمل موته فى أى لحظة، لأن من أسباب الموت فى هذه الحالة هو تآكل مفصل السلسلة العظمية مع الجمجمة ومع شدة الالتهاب بسبب عدم توافر الدواء يسبب سقوط المنطقة الجذعية وبها مركز التنفس وتسبب الموت، وخلال الستة أشهر الماضية ونحن نعانى من نقص حاد فى «ميثوتركسات» و«الهيدروكين» اللازم لإنقاذ المرضى، والطبيب ما بين نارين أمامه مريض محتمل إصابته بمضاعفات قاتلة ولا يستطيع تحمل شراء العلاج من الخارج وما بين إدارة المستشفى التى تحذر بعدم تحويل أى مريض يشكو الإدارة، فيضطر الأطباء إلى جمع تبرعات لشراء الدواء للمرضى -ما إحنا دكاترة ومش قادرين نشوفهم تعبانين وبيموتوا- خصوصا أن تكلفة العلاج باهظة فالمريض شهريا له 6 أشرطة من العلاج وتكلفة الشريط الواحد لا تقل عن 50 جنيها، والأمر الكارثى تمثل فى إصابة جميع حالات الروماتيد المفصلى دون مبالغة بانتكاسات بسبب عدم وجود الدواء بالمستشفى.

منذ شهر فكرنا فى تحويل مريض غير قادر على شراء العلاج من الخارج إلى مدير المستشفى، فكان رد المدير: هات الدكتور اللى باعتك هنا وأصدر تعليمات شفهية طبعًا: «الطبيب اللى هيفكر يحول مريض معهوش فلوس أو يطالب بمجانية الأشعة يسيب المستشفى». وطبعا الأطباء بعد موقف الإدارة خافت تشتكى من نقص الأدوية رغم أن إدارة المستشفى تستطيع مساعدة المرضى غير القادرين من صندوق تحسين المستشفى خصوصا أن توفير العلاج حق من حقوقهم، ومع استمرار أزمة نقص الأدوية والمرضى يصرخون أمامنا من الآلام المضاعفة بسبب عدم توفر الدواء حاول طبيبان الدفاع عن حقهم فى العلاج المجانى، خصوصا أن أغلب الحالات أصيبت بانتكاسات قد تؤدى إلى الوفاة وكانت النتيجة تحويل الطبيبين إلى مناطق نائية، وبالتالى لا مريض هيعرف يطالب بحقه ولا مدير هيسمع والمرضى اتعودوا إنهم رخاص.

تعليمات للأطباء: اشتغلوا بالإمكانيات الموجودة ..واللى يموت يموت!

د.هالة عصمت – منظمة الصحة العالمية: القطن والشاش غير متوفر فى بعض المنشآت الطبية الكبيرة فى مصر

أعتقد أن التسلسل طبيعى فى السطور القادمة للمشاهد اليومية المستمرة والمتكررة مع أزمة نقص المستلزمات تؤكد أن الأزمة موغلة فى القدم، كما تؤكد أن الأزمة تدار بالأفراد لا بالنظام.

سوف نقتصر على 7 مشاهد فى يومياتى فى أزمة نقص المستلزمات.

فى سنة الامتياز فى منتصف الثمانينيات فى مستشفى حكومى عام -منشية البكرى- مطلوب منى أجيب حقن بلاستيك من الغلاية «يعنى سبق استخدامها وبتتغسل بمحلول ملح وبعدها بتتحط فى الغلاية علشان تتغلى ويعاد استخدامها». فى اللقطة دى حاجتين، الأولى إنى اتكهربت لأن الغلاية كانت بايظة وبتكهرب، ثانيا لأنها بايظة الميه كانت باردة يعنى الحقن لا اتغلت ولا اتعقمت! بعدها بدأنا نطلب من المرضى يشتروا الحقن وبعدين القطن والشاش بسبب نقص المستلزمات فى هذا الوقت.

نفس المستشفى الحكومى كنا بنرتب لاستقبال زيارة هامة لبعض المسئولين، اكتشفت مخزنا لطيفا فيه ملايات وكوفرتات جديدة و جميلة ومنتهى الشياكة، المدير كان بيزعق وبيتوعد العمال إنهم لازم يغيروا فرش السراير كلها بالملايات الجديدة «حسكم عينكم أشوف ملاية أو كوفرتة قديمة على أى سرير لحد ما الزيارة تخلص». طبعا بعد الزيارة الفرش الجديد رجع لقواعده سالما، ورجعنا للملايات المهلهلة وأذكر أن فى يوم أحد أقارب المرضى زعق من بشاعة الملاية اللى قريبه متغطى بيها فى الاستقبال فكان الرد الفورى من أحد الأطباء مش عاجبك هات له فرش جديد، دى إمكانياتنا. طبعا دى إمكانياتنا للمرضى لكن مش إمكانياتنا لما تكون فيه زيارة مهمة.

فى بداية عملى كطبيبة تخدير فى مستشفى مركزى بالقليوبية فى النصف الأخير من الثمانينيات. كنت سهرانة فى المستشفى فى نوباتجية ليل وعرفت من زميلتى طبيبة النساء والتوليد أن مدير المستشفى استدعاها لمكتبه الصبح وهزأها بشدة لأنها قامت بتحويل سيدة وصلت المستشفى فى حالة انفجار رحم ونزيف شديد وكانت حاتموت لو ما اتنقلش لها دم فورا والمستشفى المركزى لا يوجد بها بنك دم، الطبيبة قررت نقلها فورا بسيارة إسعاف إلى أقرب مستشفى به بنك دم وتم إنقاذ الحالة بأعجوبة. مدير المستشفى ضمن وصلة البهدلة لزميلتى أنذرها بأنه حايطلب نقلها لو حولت أى حالة برة المستشفى، زميلتى قالت له الست كانت حاتموت لو استنيت هنا رد عليها ببساطة «تموت، أنا المسئول إنتى مالكيش دعوة، اشتغلى بالإمكانيات الموجودة وبس واللى يموت يموت وأنا المسئول»، ملحوظة صغيرة الكلام ده ماطلعش بقرار مكتوب، كان كلام شفوى يعنى ما ينفعش حد يبلغ عن المدير ده وبالتالى الزميلة دى كل اللى عملته إنها اتنقلت لمستشفى تانى بعيد عن السلخانة دى. ملحوظة تانية صغنونة أنا سبت المستشفى برضه فى نفس الوقت وفى أقل من ست شهور من استلامى العمل فيه لأسباب مشابهة جدا وقرارات مشابهة برضه تخص التخدير والعمليات وصلتنى إنى أحس إنى داخلة غرفة العمليات علشان أرتكب جريمة قتل. كل القرارات كانت شفوية مش مكتوبة.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل