المحتوى الرئيسى

ما الذي أخاف الأتراك في العام 2016؟

12/17 15:16

مرت تركيا بسنة عصيبة. فالهجمات الإرهابية في المدن الكبيرة، وحرب الخنادق ضد الأكراد، وتمدد الحرب في سوريا ومحاولة الانقلاب الفاشلة التي أدت إلى إعلان حالة الطوارئ الحالية، تركت البلاد في حالة فوضى. ورغم الوعود  المستمرة من الحكومة التركية، للقضاء على الإرهاب في البلاد، تستمر الاضطرابات بشكل متزايد.

تركيا ليست منشغلة في مكافحة الهجمات الإرهابية فقط، بل أيضا في التدهور السريع للديمقراطية. ففي أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة، خلقت الاعتقالات وفقدان الوظائف مستوى آخر من الخوف والاضراب في البلاد. لم يكن أنصار غولن فقط من تم استبدالهم، بل كل شخص اعتبرت الحكومة أنه يشكل خطرا على حزب العدالة والتنمية.

وما زاد من تراجع الأوضاع وزيادة الانقسام في المجتمع، هي السياسة المنهجية التي اتبعتها الحكومة التركية تجاه حزب الشعوب الديمقراطي الكردي. ومن الجدير أن نأخذ في الاعتبار أن هؤلاء الموجودين خلف القضبان هم نفس الأشخاص الذين سبق وتعامل معهم حزب العدالة والتنمية في السابق، من أجل إيجاد حلول للمشكلة الكردية وكان ذلك ليس من زمن بعيد. أما بالنسبة للدفع بالحزب المنتخب وتهميش دورهم في الحياة السياسية فإن هذا تسبب في أضرار كبيرة وواضحة على الديمقراطية.

الإرهاب والاعتقالات هي أبرز المشاكل التي تواجه تركيا

ويزداد "جدار العار" في الارتفاع عندما ينظر المرء إلى موقف وسائل الإعلام التركية، فلم يتبق سوى عدد قليل جدا من الأصوات الحرة التي تكافح حتى لا تغرق بين فخ الدعاية والرقابة الذاتية، وهذا في حالة عدم سجن صحفييها بالفعل.

هذه الصورة القاتمة تصبح أكثر تعقيدا عندما تضيف إليها 4 ملايين لاجئ، فلا يستطيع المرء أن يلقي باللوم على أي لاجئ لا يرى أملا أو مستقبلا في تركيا. فأغلبيتهم لا يرون مستقبلا ويبصرون أملا ضئيلا. وتتوقع تركيا استقبال سيل جديد من السوريين وذلك بعد التطورات الأخيرة في حلب، لذا أصبحت حياة هؤلاء اللاجئين وإدماجهم في المجتمع أمرا غاية في الأهمية، على الرغم من أنها ليست سوى استجابة إنسانية لاستيعاب الفارين من الحرب كما لا يمكن إنكار أن هذه مشكلة اجتماعية على وشك الانفجار، وفي نفس الوقت يظل اتفاق اللاجئين عالقا مع الاتحاد الأوروبي مما يخل بالميزان.

مع كل تلك المشكلات التي طفت على السطح، اتضح أن اختيار توقيت تغيير الدستور، كان اختيارا سيئا، كما أثبت الهجمات الإرهابية الأخيرة في اسطنبول أن هناك أمورا أكثر إلحاحا يجب التعامل معها فورا، ويجب أن تستثمر الحكومة كل طاقتها لإيجاد حل لمجابهة الإرهاب، لأن هذا لم يكن الهجوم الأول، بل كان واحدا من ضمن هجمات أخرى هزت تركيا في 2016.

وعلى  العكس من وجود البعض الذين يجادلون في أن ما حدث هو محاولة لإبطاء تركيا عن طريق التقدم، يجب النظر إلى ما حدث على أنه دليل على أن الإرهاب في تصاعد ويمكن أن يؤثر على الحياة اليومية في أي وقت، وأي مكان، لذلك تحتاج هذه القضية توحيد الجهود والموارد.

وفي كلمة ألقاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام ممثلي الأحياء، والتي أصبحت واحدة من تحركاته البارزة، أعلن التعبئة الوطنية ضد الإرهاب، كما دعا إلى  الوحدة بين المواطنين ووعد بالرد عبر تكثيف الحرب على الإرهاب.

في نفس الوقت، أمر أردوغان ممثلي الأحياء الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة، لأنهم هم أكثر دراية بما يحدث في كل بيت أفضل منه. وعلى الرغم  من أن طلبه يتعارض مع الدعوة للوحدة، ليس لأن تلك الدعوة تشجع على انتهاك الخصوصية، بل لأنها تصب في عامل الخوف من أن يتم إبلاغ الحكومة عنك. وهناك اختلاف بين محاربة الإرهاب ومنع الهجمات، وبين إطلاق يد السلطة وتخويف الشعب.

ويبدو أن حزب العدالة والتنمية أدرك أخيرا أن طقوس تقديم الاحترام لضحايا الهجمات التركية، لم يعد وحده كافيا، ومع ذلك ومع تنحية الوعود جانبا، والانتهاء من المؤتمرات الصحفية، يتضح أنه ليس هناك خطة ملموسة ذات إجراءات واضحة لجلب السلام والوحدة للبلاد.

أفضت أزمة تدفق اللاجئين على أوروبا إلى تقارب المصالح بين أنقرة وبروكسل، حيث عول الأوروبيون على أنقره في وقف هذا التدفق عبر أراضيها، فيما وجدت تركيا فرصتها في الاستفادة من هذه الفرصة التي قلما جاد بها الزمن.

يقضي الاتفاق باستقبال تركيا اللاجئين الذين يتم إعادتهم من اليونان مقابل استقبال أعضاء الاتحاد الأوروبي للاجئين سورين بطريقة قانونية، لكن هذا الاتفاق تضمن شروطا ما تزال خلافية منها إعفاء الموطنين الأتراك من تأشيرة الدخول إلى الاتحاد الأوروبي، وقيام تركيا بتعديل التشريعات المتعلقة بمكافحة الإرهاب. وهنا كانت العقد في المنشار أمام هذا الاتفاق.

المستشارة أنغيلا ميركل، التي تتحمل بلادها العبء الأكبر لتدفق اللاجئين، تزعمت جهود تقريب وجهات النظر بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.

لكن العلاقات بين برلين وأنقرة توترت بعد تبني البرلمان الألماني قرارا يصنف مجازر الأرمن عام قبل مئة بأنها "إبادة جماعية".

وما تزال العلاقات بين تركيا وألمانيا فاترة إثر قرار البرلمان الألماني فضلا عن إحباط أنقرة مما اعتبرته تضامنا فاترا معها في أعقاب الانقلاب العسكري الفاشل في 15 يوليو/ تموز، والذي بدأ على خلفيته فصلا جديدا من التوتر بين أنقرة والاتحاد الأوروبي.

فإثر حملة الاعتقالات وما أسمي بحملة "التطهير" التي نفذتها وتنفذها أنقرة على خلفية محاولة الانقلاب تلك وتكميم الأفواه، تصاعدت الانتقادات الأوروبية لأنقرة، ما أفضى مجددا إلى توترات في العلاقات وعرض الاتفاق بشأن اللاجئين للجمود وربما للفشل قريبا.

وكرد على محاولة الانقلاب رفضت أنقره تعديل قانون مكافحة الإرهاب المثير للجدل، كما أنها تسعى لاستصدار تشريع لإعادة العمل بعقوبة الإعدام التي كانت أنقره قد ألغتها بطلب من الاتحاد الأوروبي ضمن شروط مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد. وهذا ربما يشكل رصاصة الرحمة على هذه المفاوضات. (الصورة لأردوغان مع رئيس البرلمان الأوروبي مارتين شولتز)

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل