المحتوى الرئيسى

قضية الصحافي محمد تامالت.. من المسؤول؟

12/17 00:57

لاقت وفاة الصحافي الجزائري محمد تامالت الذي يحمل الجنسية البريطانية، في 11 كانون الأول الحالي، تركيزا إعلاميا دوليا مكثفا، وأسالت الكثير من الحبر في الصحف الجزائرية، كما أثارت غضبا شعبيا واسعا في البلاد خاصة أن وفاته جاءت خلال فترة اعتقاله.

اعتقل تامالت، مراسل صحيفة «الخبر» الجزائرية في لندن، في السابع والعشرين من حزيران بسبب نشره كلمة على صفحته الخاصة في «فيسبوك»، هاجم فيها المسؤولين السياسيين، الأمر الذي ترتب عليه إدانته في 4 تموز أمام محكمة سيدي محمد، بعقوبة السجن المشدد لعامين، ودفع غرامة 200 ألف دينار (1700 دولار)، وفقا للمادتين 144 و146 من قانون العقوبات، وذلك بتهمة «الإساءة لشخصية اعتبارية»، و «التعدي على شخص الرئيس».

وكان تامالت المقيم في لندن منذ عام 2002، قد أسس موقع «السياق العربي»، ودأب على توجيه نقد لاذع للسلطات الجزائرية، وكانت تعليقاته وقصائده الاستفزازية، تستهدف على وجه الخصوص شخصية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وجنرالات الجيش. وتعبيرا عن سخطه على الحكم الصادر ضده، بدأ تامالت إضرابا عن الطعام سبق إعلان السلطات وفاته خلال الشهر الحالي.

غير أن وفاته «المشبوهة» أثارت الشكوك في مسؤولية السلطات. وجرّاء هذا الجدل، خرج وزير العدل الجزائري الطيب لوح، سريعا ليغسل يد الدولة من أي تورط في قتل الصحافي، وليتحدث في بيان علني في 13 كانون الاول نافيا هذه الشكوك، ومشددا على أن «إدارة السجن نشرت بيانا واضحا جدا يتــناول كل المراحل منذ إدانة الصحافي»، وموضحا أن وزارته تنتــظر نتائـج التشريح.

وبدلا من تهدئة التوترات، أثار هذا البيان سيلا من تعليقات، لاسيما من قبل بعض حاملي الأجندات، التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبة بـ «تحقيق شفاف في ظروف اعتقال الصحافي وملابسات وفاته».

غير أنه، لا ينبغي لهذه المشاعر المفهومة التي أثارتها هذه المأساة، أن تسمح بتحويل الحادث إلى «عرض مشهدي» لحشد الرأي العام الجزائري والدولي من قبل المنظمات والإعلام الغربي، فعلى العكس، ينبغي أن تفرض اختبارا موضوعيا للسياق وضرورة اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنب تحويل الحادث إلى أداة لمصلحة شبكات أجنبية مهتمة.

وعلى الرغم من أن الموت «المشبوه» لتامالت هو أول حالة من نوعها التي تواجهها الجزائر منذ الاستقلال، هناك قضايا أخرى كشفت عن واقع عدالة ذات سرعتين في الجزائر. فهناك قضية الصحافي عبد الحي عبد السميع التي أثارت حالا من الالتباس العام تجاه العدالة الجزائرية، إذ اعتقل هذا الأخير في آب عام 2013 بتهمة التورط في تهريب مدير النشر والضابط السابق في الاستخبارات السرية الجزائرية، هشام عبود، إلى تونس، الذي كان على استعداد لنشر معلومات سرية عن الحالة الصحية للرئيس بوتفليقه. وعلى الرغم من الحالة الصحية المتدهورة لعبد السميع، لمرضه بالسكر، وإضرابه عن الطعام، ظلت العديد من مطالب إطلاق سراحه المؤقت، في الأدراج ومن دون أي خطوات للأمام، ولم يطلق سراحه إلا في ايلول عام 2015 بعد عامين من السجن.

الأخطر من ذلك يكمن في حالة الصحافي السابق في جريدة «الوطن» عبد الحي بلياردوح، الذي أنهى حياته منتحرا، بعد 3 شهور من تعرضه للاعتداء العنيف من قبل رئيس غرفة التجارة والصناعة في نمامشا (ولاية تبسه) سعد جاربوسي بعدما ادعى الصحافي في تقرير له بأن جاربوسي قد اعتقل من قبل بسبب علاقاته المالية السرية مع الإسلاميين. وعلى الرغم من ذلك، حصل جاربوسي ومشاركوه في الحادث على البراءة في النهاية.

الخلل في النظام القضائي الجزائري يبدو حقيقيا ولا يمكن إنكاره: فمن الممكن أن ينتهي حال صحافيين يجرون تحقيقات في دوائر فساد وثراء خلف القضبان، بينما هناك فساد رجال أعمال، وشخصيات تقيم شبكات من المحسوبية داخل السلطة، وإسلاميون يمجدون الإرهاب علانية - على غرار عبد الفتاح حمداش في دولة عاشت 10 أعوام في حرب أهلية - يمكنهم الإفلات من المحاكمة في لا مبالاة تامة من السلطات العامة.

بالتأكيد، حققت الجزائر تطورا كبيرا في مجال حرية الصحافة، فمراجعة الدستور التي أجريت في شباط عام 2015، أعطت بالفعل بعض المساحة، من خلال إلغاء عقوبة السجن في ما يتعلق بجرائم الصحافة. وعلى الرغم من أن القانون الذي ينص على «احترام الثوابت والقيم الدينية والأخلاقية والثقافية للشعب»، لا يزال أداة في يد السلطة لمعاقبة جنائيا أي كلام أو رسوم كاريكاتورية أو معلومات يتم اعتبارها افترائية، إلا أنه من السذاجة الاعتقاد أيضا أن منظمات مثل «هيومن رايتس ووتش» و «العفو الدولية» - التي تطالب اليوم «بتحقيق مستقل ومعمق وشفاف في ملابسات وفات تامالت»- تعمل باستقلالية كاملة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل