المحتوى الرئيسى

مدونات الجزيرة.. أمل أم ألم؟

12/16 20:04

ليس الهدف من هذا المقال -كما يُقال بالخليجي- رفع العقال أو الإنقاص من قدر الرجال، إنما الهدف هو تسليط الضوء على قضية مهمة من وجهة نظر كاتب يطمح إلى نيل فرصته من خلال منافسة عادلة بعيدة عن المحاباة والفوضى الإدارية، فعلى الرغم من تحديات البيروقراطية، ما زال التفاؤل يشعّ من وجداني أملاً في الارتقاء بالفكرة العربية، من دون تكرار مُمِل أو حشو مُخِل يقودنا إلى ألم.. يجفُّ بسببه حبر القلم.

قصتي مع منصات التدوين العربية، هي كقصة عربي يقف على باب السفارات الأجنبية، أملاً في نيل تأشيرة انتقالية إلى حياة آدمية، فبعد جهد وطول انتظار، واحدة تمنح ومائة ترفض؛ لتبقى بعدها مُكبَّلاً بعيداً عن الأنظار، ويبقى الإصرار طوق النجاة الوحيد الذي تبدأ معه فصول الرواية، ومن هنا بدأت الحكاية:

أحببت الكتابة منذ صغري، وعشقت رائحة الحبر والورق، وكلما أمسكت كتاباً أقرؤه أو مقالاً أكتبه، أصابني وخز جميل في صدري من شدة رهبة لقاء الكلمات المصفوفة، وربما بسبب رغبتي الجامحة في استيعاب عصارة تجارب الكتَّاب وأفكارهم.

في سن السابعة تولَّد لديَّ شعور بأني موهوب في هذا المجال، لكن ولاة أمري وقتها لم يكن اكتشاف المواهب من ضمن أولوياتهم، أو ربما كانوا يرون أن الفكر والأدب ترف يمارسه البشر على هامش الحياة، وأمور أخرى ربما.. كانت تشغلهم أكثر آنذاك.

كبرت وتحرَّرت وانتقلت ولاية أمري لي، وبعد تفكير عميق ومحاولات جادة، قررت أن أبدأ الكتابة بانتظام من خلال موقع أسَّسته في عام 2008 حمل اسم "شبكة تبيان" على أمل أن يصبح يوماً صحيفة عربية ذات قيمة، وبسبب شحّ علاقاتي في هذا المجال، لم أتمكن من استقطاب الأقلام المرجوة؛ لتتحول بعدها إلى مدونة ذاتية تحمل اسمي (HusseinYounes.com) ولا أحد غيري.

استمرت جهودي في نطاق ضيق لا يعلم عن كتاباتي سوى القليل، إلى أن حدث أمر نقلني بسرعة الضوء إلى شريحة واسعة من القرَّاء، كان ذلك يوم بدأت الكتابة في منصات تدوين عالمية في صيف 2015، مع العلم أني لم يكن لديَّ أي علاقات شخصية مع مؤسسيها أو أحد العاملين فيها، ولم يتم تفضيلي على غيري من المدوِّنين، فكلنا كان -وما زال- سواء في أولوية النشر، والمنصة مفتوحة لكل مجتهد، ولهذا جُعل التدوين!

في أغسطس/آب من هذا العام انطلقت "مدونات الجزيرة" التي هي الأخرى سعدت بها كثيراً كما سعدت الكثير من الأقلام الطامحة، وكان الأمل هو توسيع نطاقنا لأكبر عدد ممكن من الجمهور، خصوصاً أنَّ الجزيرة مؤسسة إعلامية لها ثقلها في العالم العربي، ولكن مع الأسف الشديد.. توقعاتي كانت في غير محلها، لماذا؟

منذ انطلاقتها، قمت بكل الإجراءات المطلوبة لإنشاء مدونتي لديهم، وبدأت بتحميل مقالاتي من خلال موقعهم كما ينبغي، على أمل أن أراها منشورة يوماً ما، ولكن هذا لم يحدث!

إن لم تخُني ذاكرتي، قمت بإرسال قرابة 7 إلى 10 مقالات، لم يتم نشر سوى ثلاثة منها فقط! في الوقت الذي أرسلت فيه 57 مقالاً إلى منصات أخرى، تم نشرها كلها إلاَّ واحدة بسبب تعارضها مع سياستهم التحريرية، وعلى الرغم من ذلك، لم يتم إهمالي على الإطلاق؛ بل تمت مراسلتي وجرى نقاش حول اختلاف وجهات النظر، واحترمت ذلك جداً.

مقالاتي الثلاث التي تم نشرها في مدونات الجزيرة، في حقيقة الأمر قد تم دفشها لترى النور، ولولا ذلك الدفش لما نُشر منها شيء! فبعد البحث عن واسطة ومراسلات كثيرة.. تمكنت بشق النفس من نشرها، وهذا شيء مُحبط جداً ومؤلم جداً.

في مدونات الجزيرة يتم اللجوء إلى الأسماء الكبيرة لتكتب في المدونة، مثل "محمد مختار الشنقيطي" و"أحمد حسن الزعبي" و"ياسر أبو هلالة" وغيرهم، وأنا لا أفهم لماذا تتم دعوتهم للكتابة في منصة جماهيرية تم تخصيصها للشعب، في الوقت الذي أفردت فيه الجزيرة قسماً خاصاً لكبار الكتَّاب تحت اسم (مقالات رأي)؟

بالمقابل، لا أفهم لماذا يتم نشر مقاطع من دواوين شعرية لروائي مثل "د. أيمن العتوم" على هيئة مقال، في الوقت الذي أعرب فيه الدكتور نفسه في أحد لقاءاته عن أنه لا يُجيد كتابة المقال؟ ما هي الفكرة من السعي وراء الأسماء اللامعة في زاوية من المفترض أنها غالباً لغير اللامعين؟

وفقاً لتصريح مديريها، فإنَّ مدونات الجزيرة تم إنشاؤها لتكون فرصة جديدة لجمهورها العريض كي يُعبِّروا عن آرائهم بأقلامهم، وتعلو معها كلماتهم فوق قمع الأنظمة، ولكنها مع الأسف الشديد رضخت أقلام الشعوب لقمع القائمين على المدونة؛ لتصبح ضحية المحاباة (أعتذر.. لم أجد كلمات أخرى أدق من القمع والمحاباة!)، كيف؟

عندما تتابع الأقلام التي يتم نشر مقالاتها في مدونات الجزيرة، ستلاحظ أنه يتم دفع بعضها دفعاً للظهور، وهذا شيء ملحوظ جداً ولا يخفى على المتابعين للموقع، حتى إنك تجد أنَّ لهم الأولوية ليس فقط في نشر المقالات، بل حتى في تسويقها على حسابات مدونات الجزيرة في الفيسبوك وتويتر.

منذ أسبوع نشرت مقالاً بالتزامن على الجزيرة ومنصات أخرى بعنوان "أميركا بين الثعلب والذئب" حول الانتخابات الأميركية وفوز ترامب، فما الذي حدث؟ قامت تلك المنصات بالإعلان عنه في حساباتها على الفيسبوك وتويتر، في الوقت الذي أهملت فيه الجزيرة المقال ولم يتم تسويقه أو الإعلان عنه على حساباتها.

عندما لا يتم تسويق المقال والإعلان عنه، فهو يصبح كالذَّرة الصغيرة التي تختفي في ثقوب الفضاء السوداء لا يقرؤها أحد.. وهذا ما كان! في الوقت الذي بلغ فيه عدد الإعجاب بالمقال على المنصات الأخرى أكثر من 1200 إعجاب، ولا أدري لماذا قامت الجزيرة بنشر المقال إن لم يكن لديهم أي نية في تسويقه والإعلان عنه؟ وكتبت لهم مباشرة وطلبت منهم الإعلان عنه، ولكن في ثقوب الفضاء السوداء لا يسمعك أحد!

غالباً عندما تُعلن مدونات الجزيرة في حسابها على الفيسبوك عن مقالات جديدة، تجد في خانة التعليقات استياء الكثير من المدونين بسبب إهمال تدويناتهم التي أرسلوها إلى الموقع.

محاباة النخبة التي يتم دفعها للظهور لم تقتصر فقط على المدونات الكتابية؛ بل طالت التدوينات المرئية، ففي مدونات الجزيرة الأمر ليس متاحاً لكل مَن حمل كاميرا وأراد نشر رأيه مرئياً، لماذا؟

حاولت أكثر من مرة تحميل تسجيلات قمت بإنفاق ساعات طويلة على إخراجها وفقاً لشروط الجزيرة الصارمة، فحسب شروطهم لا ينبغي أن يتعدى التسجيل الدقيقة الواحدة، ويجب أن يكون صغير الحجم مما يؤدي إلى انخفاض جودته بشكل كبير، وبعد محاولات متكررة على أكثر من يوم.. نجحت في التحميل! ولكن لم يتم نشر أيٍّ منها، ربما لأني فشلت في دفشها هي الأخرى، في الوقت الذي تم فيه نشر تدوينات مرئية لنفس النخبة وبجودة عالية ولمدة تفوق الدقيقة الواحدة بكثير!

قد يعتقد البعض أنه بمجرد أن يحمل قلماً سيجد الأبواب مشرعة له، والتجربة أثبتت أنَّ هذا المجال فيه من المشقة ما الله به عليم، ويحتاج إلى علاقات كثيرة وجهود كبيرة حتى ينجح ولا يختفي في ظلام الإحباط.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل