المحتوى الرئيسى

محمد الباز يكتب: ماذا فعل ياسر برهامي ومحمد حسان فى غرفة إعدام عادل حبارة؟ - E3lam.Org

12/16 13:54

أشفقت على هؤلاء الذين صدروا لنا تخوفاتهم من إعدام الارهابى عادل حبارة.

منهم من ذهب إلى أن إرهابيين آخرين يقفون خلفه، لن يتركوا دمه، بل سينتقمون له، اعتقد هؤلاء أن اللحظة التى يعلن فيها عن تنفيذ حكم الإعدام فيه ستشتعل الدنيا ويحترق كل شئ من حولنا، فهو بالنسبة لهم مجاهد كبير، لن يتهاونوا فى رقبته التى طارت، وبالفعل حذر البعض من كتائب ارهابية جديدة تحمل اسمه، وتقوم ببعض العمليات العاجلة ردا على تنفيذ حكم القانون فيه.

ومنهم من رأى أن عادل حبارة سيتحول إلى رمز وأيقونة يلتف حولها شباب جدد، يبحثون عنه وعن قصته وعن أفكاره، ربما تأسيسا على أن الإعدام سيمنحه حياة جديدة، عندما يسير مريدوه خلف أفكاره، ويلتمسون منه الإلهام فى مواجهتهم مع الدولة، وهى المواجهة التى سيكون لها ضحايا.

نرشح لك : محمد الباز يكتب: تبرعوا لبناء الكنيسة البطرسية

بنى هؤلاء تصوراتهم على أفكار نظرية بحتة، قد تصلح مع آخرين، لكنها لن تنطبق أبدا على حبارة، الذى هو فى النهاية شاب تم تضليله، فلا هو صاحب موقف ولا هو صاحب رأى، بل يمكنك من زاوية معينة أن تشفق عليه هو الآخر، فهذا المسخ المشوه لم يصل الى حبل المشنقة الا لأنه ضحية تفكك أسرى وظلم إجتماعى وتضليل سلفى واستغلال من قبل جماعات ارهابية عفنة.

لا أبرر لحبارة أو لغيره بالطبع القتل لأنهم ضحايا، فلو أن كل من تعرض لظلم اجتماعى أو سياسى خرج على الناس يقتلهم لتحولنا جميعا الى قتلة، لكنها محاولة لفهم وتتبع الطريق الذى يقود شاب نصف جاهل تقريبا حاصل على شهادة الدبلوم، وفشل فى أن يحقق نفسه فى أى عمل يلتحق به، حتى عندما عمل صبى جزار لم يستمر طويلا.

لقد أنهى حبل المشنقة ٤٠ عاما من حياة حبارة، تاركا خلفه سيرة عفنة وسجلا مخلا ودليلا على أن هناك من يقررون هدم الحياة على من فيها لأنهم يفشلون فى تحقيق أى إنجاز خاص، ولأنهم لا يريدون أن يعترفوا بفشلهم، يحولون حقدهم وغلهم فى اتجاه كاذب، وهو قتل الناس باسم الله، اعتقادا منهم أنهم بذلك يحصلون على شهادة بنجاحهم فى شئ، رغم أن الله الذى لا يحب المعتدين – عقلاً ومنطقا ونصا وعقيدة –  لن يقر لهم بأى  نجاح، ولن يمنحهم شهادة رضا.

لا خوف من إعدام حبارة أو ألف مثله، لكن الخوف الحقيقى من الأفكار التى تحركهم، من العقول التى تسحق عقول الشباب فتحولهم الى دمى لا حول لها ولا قوة، يسيرونهم فى طريق المهالك بعد أن يخدعونهم بأنهم يمضون فى طريق الله الذى آخره الجنة والنعيم والحور العين.

لا أتحدث هنا عن الحرب المنظمة التى تشنها تنظيمات ارهابية مدعومة من قوى خارجية على مصر، ولكنى أتوقف عند وقودها، فهذه الحرب الشرسة يدخلها كل يوم شباب بعد تجهيزهم ليقفوا فى طابور طويل فى انتظار القصور التى سيتم توزيعها فى الجنة على المجاهدين كما يعتقدون فى أنفسهم.

لا أنحاز إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة تقف وحدها دافعا لجنوح الشباب الى طريق التطرف والارهاب.

ولا أنحاز إلى أن الظروف الاجتماعية المعقدة والمتشابكة يمكن أن تقود وحدها شاب ليفجر نفسه فى أبرياء، فهناك كثيرون لا يعانون لا ماديا ولا اجتماعيا ينتظمون فى صفوف المنتحرين باسم الله.

ما يحدث على الأرض أن هناك من يستغل ظروف الشباب واحتياجاتهم النفسية، وبدلا من تحويلها الى طاقة إيجابية تضيف للبشرية، تتحول الى طاقة سلبية تحرق وتقتل وتدمر.

بعد إعدام حبارة بساعات وقفت شقيقته مريم وهى مهزومة تماما، تصرخ فيمن حولها، يستبد بها الألم، مجربة ربما نار الحريق الذى شعر بها من قتل شقيقها أبناءهم، لم أتعاطف معها كثيرا، فقد نزع منا الإرهابيون كثيراً من انسانيتنا، وجعلونا نواجههم بقسوة كما يتعاملون مع كل ما تطوله أيديهم بقسوة قلب وغلظة روح وغياب ضمير.

من بين ما قالته توقفت عند عبارة تصلح مفتاحا لفهم عملية تصنيع الإرهابيين العشوائيين وتصديرهم الى التنظيمات التى تعمل بإحترافية شديدة، سألت مريم: لماذا لا تعدموا ياسر برهامي وأمثالهم، فهم المسئولون عما وصل اليه شقيقى؟

تعتقد مريم أنها بإدانة ياسر برهامي وآخرين تكتب شهادة براءة لشقيقها القاتل باعترافه.

كل ما فعلته أنها جرت الى ساحة الاتهام آخرين يستحقون الإدانة فعلا، لكنها لم تبرئ شقيقها، أشارت بعفوية الى الخطر الحقيقى الذى يواجهنا، وعلى فكرة نحن نعرفه جيدا، لكن لم نواجهه بالدرجة الكافية.

الثابت فى سيرة عادل حبارة أنه كان يتردد على دروس الشيخ محمد حسان، المسافة بين الشرقية التى ينتمى اليها حبارة والدقهلية التى شهدت بزوغ نجم وانتشار محمد حسان ليست بعيدة، جلس اليه، استمع منه، تعرف فى الجلسات على شباب سلفيين آخرين، ويبدو أن دروس حسان التى حرص عليها حبارة فتحت له الطريق أمام شيوخ سلفيين آخرين على رأسهم ياسر برهامي.

على يد شيوخ السلفية تحول حبارة من شاب فاشل بلا قيمة الى إنسان له دور، فما أسهل أن يقنعوك أنك مكلف بتغيير العالم، وأنك ستكون يد الله التى تغير المنكر فى مجتمعك.

كان هذا ما فعله حبارة تحديدا، اتجه الى أهل بيته يحرم عليهم ما أحل الله، ثم خرج من جدران البيت ليحذر الناس من الذنوب، وبدلا من أن يفعل ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، استعان بأصدقاءه الجدد ليرهبوا الناس ويخوفونهم باسم الله، وبعد أن نجح فى مهمته الصغيرة، خاض حربا أخرى ضد من يرى أنهم أعداء الله، أو على الأقل من قال عنهم شيوخه أنهم كذلك، فكانت جريمته الكبرى فى حق جنود أبرياء اعترف هو بقتلهم.

لكن ما الذى يقوله ياسر برهامي ومحمد حسان وأبو إسحاق الحوينى ومحمد حسين يعقوب وغيرهم، يجعل الشاب يصل الى قناعة أن يفجر نفسه أو يقتل آخرين ليحصل على رضا الله؟

لا يستطيع شيوخ السلفية أن يقدموا شيئا إيجابيا ملموسا فى الحياة، فيأخذون أتباعهم الى الآخرة، يتحدثون عما لا يملكون، يعدونهم بجنات تجرى من تحتها الأنهار، حور عين يجتهدون فى تصويرهم والحديث عنهم للدرجة التى تعتقد معها أن الجنة ليست الا حفل جنس جماعى، يشيرون الى القصور التى تنتظر الصالحين، وكأن كل منهم رئيس اتحاد ملاك هذه القصور.

وقد تقول: إذا كان من يتحدث مجنونا فلابد أن يكون المستمع عاقلا.

وهو كلام منطقى جدا، لكن من المستحيل أن يكون المستمع عاقلاً وهو عاجز وفقير ومحروم ومكبوت وضائع تماما. هذا المستمع يجد نفسه فى لحظة أسيرا لكل من يقول له أن كل ما تريده سيتحقق فى الآخرة، ولأنه لم يجد شيئا فعليا فى الدنيا، فهو يستسلم، ويتحول إلى تابع لمن يضمن له النعيم المقيم.

لقد كان ياسر برهامي ورفاقه من شيوخ السلفيين حاضرين فى الغرفة التى أعدم فيها عادل حبارة، هم الذين قادوه الى هذا المصير، وهم الذين سيقودون غيره حتما الى حبل المشنقة.

ستحتج على وتقول أن شيوخ السلفية لا يحرضون على القتل، ولا يقولون للشباب أن يخرجوا على الناس بالسلاح، بل يرفضون ما يفعله الإرهابيون؟ وهو كلام ليس صحيحا على اجماله، ولذلك لن أتفاعل مع ما تقوله ، بل لن تكون مفاجأة عندما أقول لك إنهم يفعلون ما هو أكثر.

شيوخ السلفية ببساطة هم من يؤهلون الشباب ويضعونهم على أول طريق القتل، ثم يتسلمهم بعد ذلك شيوخ آخرون ليضعوا السلاح فى أيديهم.

هل تريدون دليلا على ذلك؟

راجعوا فقط ما جاء فى تحقيقات ارهابى الكنيسة البطرسية محمود شفيق محمد مصطفى.

فى ليلة انتحاره صلى كثيراً وقرأ القرآن، واستمع الى الشيخ يوسف القرضاوى وهو يتحدث عما يسميه هو عمليات استشهادية.

لقد تم تجهيز محمود شفيق أولا، أعدوه اعدادا نفسيا، استعانوا بشيوخ السلفية  ليضعوا أمامه الوهم الكبير الذى يتمنى كما يتمنى غيره أن يكون حقيقيا، حدثوه عن النعيم الذى ينتظره فى الجنة، عن الحور العين الآتى سيكن فى استقباله وتحت طلبه.

شئ من هذا قالته المتهمة علا حسين، فبعد أن أعدت له إفطاره وأطعمته بنفسها ذكرته بحديث الجنة والحور العين، ولأن الموت هو السبيل الوحيد للوصول الى هذا النعيم،  ظهر يوسف القرضاوى الذى يمثل هو الآخر قبيلة من القتلة ليلفه بحزام ناسف، ويقول لهم: هيا إلى الجنة؟

ستعترض وتقول : الأزمة ليست فيمن يجهز الشباب ولا فيمن يضع السلاح فى أيديهم، ولكن الأزمة فى الدين نفسه، فى النصوص التى يستخدمونها لإقناع الشباب بما يريدون؟ فالحور العين ليست اختراعا، بل ورد الحديث عنها فى القرآن، وأضافت كتب التراث عليها ولها حكايات وقصص أسطورية تذهب بالعقل، بل إن كثيراً من أوصاف الجنة التى ننكر على السلفيين الحديث بها وعنها جاءت فى القرآن، ثم أن آيات القتل والجهاد والدماء جاءت هى الأخرى فى القرآن ولا يمكن أن ينكرها أو يتنكر لها أحد.

ستعترض مرة أخرى وتقول أن العيب فى فهم شيوخ السلفية وغيرهم لهذا النصوص، وهو فهم خاطئ ما فى ذلك شك.

سأقول لك: وأين أصحاب الفهم الصحيح، لماذا لم يتمكنوا من اجتذاب الشباب وإقناعهم بأن الله لا يرضيه أبدا قتل أبرياء بهذه الطريقة، فالله لا يحب شرب الدماء.

اسمحوا لى أن أقف بكم فى منطقة حرجة ومحرجة بعض الشئ.

لقد طالب الرئيس عبد الفتاح السيسى بتجديد الخطاب الدينى فى أكثر من عشر مناسبات خلال عامى حكمه، وفعليا لم نتقدم خطوة فى هذا الملف، والأسباب كثيرة، قد يكون منها أن القائمين على أمر المؤسسة الدينية الرسمية فى مصر غير مقتنعين وغير راغبين فى الدخول الى ملف التجديد من الأساس، لكن المؤكد أن الدين نفسه سيقف عائقا أمام محاولات تجديده، ولن ينجح أحد فى تجديد الخطاب الدينى الا إذا كانت لديه الشجاعة الكافية ليتحدث بصراحة عن دور الدين نفسه فى إفشال أى محاولة للإنقاذ والتحديث والخروج من مستنقع الدماء.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل