المحتوى الرئيسى

محفوظ عبدالرحمن: غباء الإخوان وتوحشهم ظهر بعد 30 يونيو

12/16 10:03

ذهبت لإجراء هذا الحوار مع المبدع «محفوظ عبدالرحمن» وفى رأسى دوامات عديدة من المحاور حول أسئلة الحوار، سياسية وثقافية وفنية وشخصية وتاريخية، لأن "محفوظ" شخصية ثرية بروافدها وتجاربها، فهو مراقب للحياة والأحداث والبشر، وفى الوقت ذاته متفاعل معها ومشارك بكتاباته وحواراته وفعالياته المتعددة، وتم اللقاء فوجدته إنساناً هادئاً رقيقاً فى صفاته، متمرداً ثائراً مقاوماً لكل سلبيات المجتمع، يشغله هذا الوطن بكل ما تعنيه الكلمة من أرض وبشر، ثقافة، اجتماع، فن، سياسة، لديه رؤية متجددة متحررة، لم ينقطع عن تاريخ أمته وتراثها، يقتحم الحاضر محاولاً تصحيح أزماته ومشكلاته ومعاناته.. لينطلق إلى المستقبل دون منغصات أو أزمات، ظهرت ونمت فى مناخ ثقافى وإبداعى، استسلم وخضع لأنظمة استبدادية استمرأت التشدد والتعنت مع الشعب.. وإلى نص الحوار..

> لماذا لم نر عملاً فنياً يتناسب مع ثورتى 25 يناير و30 يونية؟

- لأن العمل الفنى يحتاج فترة فى الزمن حتى يظهر، ونحن الآن نتحسس ما يحدث لدرجة أن البعض ما زال يقول إن ثورة 25 يناير مؤامرة، فالرؤية لتلك الثورتين لم تتكون بشكل تام بعد، ولابد أن نعلم أنه لا يوجد ثورة فى العالم أو حرب، وحدث كبير، تم عمل إبداعى عنه بسرعة.

> هل يمكن التأريخ للأحداث الكبرى من خلال الدراما؟

- يمكن، ولكنه يحتاج لأشياء كثيرة جداً، والتاريخ له وسائل كثيرة منها الدراما لو كانت دقيقة وغير منحازة يمكن التأريخ من خلالها.

> كيف يمكن للفن أن يسهم فى الخروج من أزمات المجتمع وتقديم حلول واقعية؟

- الفن له تأثير كبير جداً فى المجتمعات ويكاد يكون أكبر شىء يؤثر فى البشر، لكن المسلسلات التى تعرض حالياً تؤكد أننا لا نسعى إلى أن تكون أمة متقدمة متحضرة، لأنها لا تقدم إلا قلة الحياء والمخدرات والبلطجة، ولا يوجد شىء فيها يمكن للناس أن تتطلع إليه حتى تكون الأفضل، أو تدفع الأمة إلى مزيد فى النهوض، والفن الحالى لا يعبر عن الرغبة فى البناء والرقى بل الهدم والتشويه لأن خطورة الفن أنه كما يبنى يهدم أيضاً، والفن قادر على تقديم حلول لإخراج المجتمع من أزماته لكن بشرط أن يخلق روح الرغبة فى العمل وبث العزيمة والتحدى والإصرار والبطولة والقيم والمثل العليا والحق والعدل.

> بعد الثورات الكبرى دائماً ما تظهر مشاريع تنويرية نهضوية فما هو مشروع 30 يونية؟

- لا داعى للاستعجال، لأن الثورة الفرنسية وهى أم الثورات فى العالم عانت فترة من الفوضى والقلاقل والقتل، إلى أن بدأت الحركة التنويرية الكبرى من الرقى الثقافى، والمفترض أن 30 يونية ما زالت فى البدايات، خاصة أننا نواجه مشاكل خارجية وداخلية، لكن مشروع يونية سيأتى لأنه لا توجد ثورة بدون آثار والمشروع سيكون فيه تقدم ولن نستمر فى موقف الضعيف بحكم الظروف والمتغيرات الخارجية والقوى الغاشمة الموجودة فى الداخل.

> ما مشكلات الإبداع فى مصر؟

- جميع المتغيرات السياسية التى تطرأ على الساحة السياسية تنعكس آثارها على الحياة الثقافية والإبداع فى مصر، وربما يكسو المناخ الثقافى والإبداعى نوع من الاستسلام والخنوع لأنظمة تستمرئ ما تفعله بشعوبها، وربما تصيب المبدأ بنوع من العنت والتشدد فى محاولة لعرقلة إبداعه، ثم إن المناخ الكئيب والمظلم يؤثر على الإبداع لأن المصرى بطبعه محب للمرح والمتعة، والمناخ منذ 30 سنة أصبح يعانى خللا فاختفت النكتة بين المصريين بسبب ظروف المعيشة.

> كيف استقبلت مقولة عضو مجلس النواب أن فن «نجيب محفوظ» يخدش الحياء؟

- تأكد لى أنه ليس كل أعضاء مجلس النواب مثقفين، والحقيقة لا يوجد ثقافة فى البلد، وميزانية وزارة الثقافة لا تكفى لأن تمنح كل مواطن غلاف كتاب كل سنة وليس كتاباً، مع أن مصر كان لديها ثقافة الوعى التى تبدأ من المواطن العادى الأمى وصولاً إلى «طه حسين» و«العقاد» و«نجيب محفوظ» وفى المقابل جاءت الردود قاسية، وهذا حقهم لأنه أهان رمزاً من أهم رموز الوطن، ولكن المشكلة أعمق فى الإهانة، فإذا كان هذا هو الفهم لدى من يشرع للوطن، فما حال التشريعات التى تحدد مستقبلنا، فهذا النائب يتساوى مع الولد الذى لم يقرأ لنجيب محفوظ وطعنه بالسكين فى رقبته، واندهش لماذا لم يتخذ أعضاء مجلس النواب موقفاً ضد هذا النائب، أو يطردوه من مجلس النواب؟!

> تقول إن المجتمع ليس به ثقافة إذاً متى بدأت محنة الثقافة؟

- محنة الثقافة بدأت مع فكرة المتاجرة فى حقبة السبعينيات، وانتشار ثقافة الاستهلاك والفهلوة، وتنحى جانباً الإقبال على القراءة والثقافة والمسرح، فأصبحت الثقافة منسية.

> إلى أى مدى يستخدم سلاح التكفير فى المعارك الفكرية؟

- سلاح التكفير يستخدم إلى أقصى مدى فى المعارك الفكرية ويكفى ما حدث مع الدكتور نصر أبوزيد رحمه الله الذى أعتبره من أكبر المفكرين فى مصر وأكثرهم صدقاً وتديناً، وحدث له ما حدث فى التفريق بينه وبين زوجته، وأن يفرض عليه أن يعيش فى الغربة، وقد قابلته كثيراً فى هولندا، وأعتبر إحدى اللقاءات لحظة فى حياتى لا يمكن أن أنساها بل أحياناً كثيراً ما تؤرقنى، فقد كنا مدعوين فى إحدى المدن الهولندية ومعنا «نصر أبوزيد» وبعد انتهاء الحفل وجدته يركب معنا القطار ولكنه كان سينزل فى منتصف الرحلة حيث كان ذاهباً لإلقاء محاضرة أخري فى إحدى الجامعات، ونحن كنا سنكمل رحلتنا بالقطار وكنت أجلس بجوار شباك القطار وأرى دكتور نصر أبوزيد بعد أن نزل من القطار يسير فى إضاءة خافتة ويسير فى الظلام بشكل مثير للشفقة منكسراً مهزوماً شبه محطم، وظللت أنظر إليه وهو يسير فى هذه الغربة الموحشة بعد أن تعامل معه وطنه بقسوة وإنكار شديدين فحزنت جداً من أجله، ولا أتصور مدى هذه القسوة التى تعامل بها معه خفافيش الظلام لمجرد أنه فكر لأن المطلوب منا جميعاً ألا نفكر، ومرض د. نصر فترة طويلة ثم مات محسوراً شريداً فى الغربة، بعيداً عن وطنه وأهله وناسه وأصدقائه وتلاميذه.

> البعض يتحجج أن المجتمع المصرى متدين فلماذا لا تكون الضوابط الدينية قيداً على الإبداع والحريات العامة؟

- هذا صحيح.. لكن الدين الذى نعرفه دين معتدل وسطى به رقة وحنان دون عنف أو شدة أو غلظة فى القول أو الفعل، لأن التشدد كان بعيداً عن الشعب المصرى الذى عاش عشرات المئات من السنين دون عنف أو تشدد فى الدين، حتى الشيعة عاشوا فى مصر 200 سنة فى السلطة ولا شك أن هناك أناساً يمكن أن تنافق السلطة ويعلنوا أنهم شيعة وبعد أن خرجت الشيعة من مصر لم نجد شيعة بيننا، وظللنا مئات السنين لا نعرف يعنى إيه شيعة، ولكننا مؤخراً شهدنا مقتل مصرى لأنه شيعى، ومع أن مصر دولة كبيرة وشديدة التنوع، وهذا التنوع فى صالح الوطن، لأن المجتمع المصرى كان متسامحاً ومتنوراً وواعياً وفى أفضل حالاته، عندما كان يعيش فيه أجانب من جنسيات عديدة لأن المختلف معنا نتعلم منه ونعلمه، وهذا ما جعل فى مصر دولة لها قيمة متحضرة فى السابق لأن المجتمع المتنوع أرقى بكثير من المجتمع المعلق ولابد أن نعرف أنه لا يوجد أحد يغير دينه لمجرد أنه عاش وتعامل مع المختلف عنه، وهذا هو الدين الذى يجب أن نتعامل به ومعه.

> معارك التنوير قديمة ومتجددة كيف يمكن التعامل معها؟

- نتعامل مع هذه المعارك بسعة الصدر والقبول والأريحية دون تشنج وتعصب وإقصاء أو تكفير أو سباب لأنه لا يمكن أن تجد مجتمعاً تطور وتقدم دون هذه المناقشات أو الصراعات الفكرية، عن طريق طرح الأفكار مهما كانت وعلى الفريق الآخر أن ينقدها ويرد عليها فى إطار الحوار والحجة وحينها سيستفيد منها المستمع والمتابع لهذه الصراعات الفكرية، والعلم واسع جداً والفكر متنوع، ويجب أن يعرف الجميع أن مسألة العصا والتأديب والوصاية مرفوضة وغير مقبولة، ولكننا بعيدون عن هذه الأمور ورأينا البعض يقتل والبعض يتغرب وغيرهم يسجنون بسبب أفكارهم، مع أن الذى يقول رأيه لا يهاجم الدين لأنه لا يوجد أحد يرتضى أن يهاجم دينه حتى لو كان يعبد الحجر.

> إذاً ما ثوابت المجتمع التى يجب ألا تمس؟

- أولاً المجتمع المصرى متوافق وله رأى فى التاريخ وموقف ثابت لا يتغير من الوحدة الوطنية، ولهذا يجب أن نلغى ما يسمى بازدراء الأديان، وهل يمكن أن يتصور أحد وجود شخص يزدرى الأديان، أقسم بالله أنا طوال عمرى لم أقابل أو أرى أو سمعت عن أى إنسان يزدرى الأديان بل هو يقول رأيه فى كتب التراث، فهل نحاسب من قال رأيه أم من كتب هذا التراث الذى به أحاديث غير مقنعة؟

> مثل ماذا غير المقنع؟

- نحن جميعاً قرأنا فى هذه الكتب التى يدافعون عنها أن الخليفة معاوية بن أبى سفيان جاءوا إليه برجل قيل إنه يدس أحاديث خاطئة، فأمر الخليفة بقطع رقبته فقال الرجل للخليفة: دعنى وسأدلك على 4 آلاف حديث خاطئة قمت بدسها، فقال الخليفة: بل اقتلوه على الفور وهذا ما قرأناه فقولوا لنا هل هذا حقيقى أم لا؟! ثم إن النقل عن فلان وعن فلان من الذى يضمن صحة هذا النقل، لأن «العنعنة» أصبحت تحترم أكاديمياً وتصدق حتى لو كانت غير صحيحة، فالتراث يحتاج إلى إعادة نظر وتنقية للأحاديث غير الصحيحة والضعيفة، فهل من يقول إنه لا يصدق الحديث الضعيف يسجن؟ فهذا ما يحدث الآن.

> مركب مصر الحضارى متعدد العناصر، فكيف تتم إعادة ترتيب عناصر المركب الحضارى لمصر؟

- نعم.. فمركب مصر الحضارى متعدد العناصر، منها الدينى والعربى والفرعونى وهذه هى تركيبة الهوية المصرية والعبقرية المصرية التى ضفرت هذه التنويعات وصاغتها فى الإنسان المصرى، مثلاً نجد الفلاح المصرى فكره متوازن طبيعى دون شذوذ فكرى وإذا عرضت عليه مشكلة يصمت لحظة وكأنه وجه ميت ويرد بحل المشكلة فى سطر واحد ولكنه ملىء بالحكمة وتجد فيها روح القانون والتعقل والعدل، لأنه يملك نوعاً من أنواع المعرفة الشديدة جداً مع أنه أمى لكنه يقول المنطق لأنه وريث هذه الحضارات كلها فقد وصلته بشكل أو بآخر.

> هل يوجد تنوير زائف؟

- نعم.. وهذا ما نراه فى البعض عندما يرفع شعارات زائفة وباطلة ودون نفع.

> هل مصر عانت من التنوير الزائف؟

- مصر عانت من الخلط بين التنوير وبين الزيف ورأينا الكثيرين الذين كنا نعتبرهم عظماء ومفكرين ولكنهم ظهروا غير ذلك، ولكنهم يحاولون إقناع الناس بالقفز فى البحر، وهم لا ينوون أن يبللوا أقدامهم، فالأمور والحسابات والرؤية مشوشة وملخبطة لدينا أكثر من اللازم.

> ما محرمات التنوير فى مصر؟

- الدين والجنس، هما العنصران اللذان تدور حولهما الخلافات الفكرية الدائمة، وكل ما يتعلق بالمرأة، ولأن البعض يريد للمرأة أن تكون مغطاة من رأسها حتى قدميها ويمنعها من العمل ولا يريدها أن تتعلم وتتحدث، وآخرون يرون المرأة مثل الرجل تماماً، وكما أن الرجل ينحرف يمكن أيضاً للمرأة أن تنحرف، ولكن فى وطننا يجوز للرجل أن ينحرف ويغفر له ذلك، ولكن تهتز السماء من خطأ المرأة، مع أنه لا يوجد من يريد الانحراف للرجل أو للمرأة، فمن حق المرأة أن تتعلم وتعمل، لأنه عندما تعطى المرأة حقها سنعطى المجتمع كله حقوقه.

> الأيديولوجية السياسية لمصر ليبرالية وقومية ودينية، كيف يمكن التعامل مع هذه التركيبة بالتنوع وليس بالاختلاف؟

- هذا يتم بالتحضر وقبول الآخر، لكننا كعرب لدينا تركيبة عجيبة جداً فإذا كان الإنسان يعتنق مثلاً الفكر القومى فيرى أن القومية هى الحقة وينكر الأيديولوجيات الأخرى، وإذا كان متديناً فيرى أنه المتدين الحق لدرجة أنه يقصى الجميع قد لا يلقى السلام على أحد، فالجميع ينكرون الأيديولوجيات الأخرى، ولى أصدقاء كثيرون وعند التصنيف والله أنا لا أعرف ما هى أيديولوجيتى السياسية لأننى أتوافق مع جميع الأيديولوجيات فى مصر.

> ولكنك ناصرى الهوى أستاذ «محفوظ»؟

- أنا كما تريدنى، وأذكر كنت فى مكان مهم ومحترم للمشاركة فيه كل يوم، وكان يوجد شخصية كبيرة جداً وقال لى عنه أحمد زويل إن هذا الرجل من العلماء الأفاضل، بل إن «زويل» فضله على نفسه، وهذا الرجل كان يجلس معى ويسألنى فتنبهت له لأننى أعرف الأسلوب الأمنى منذ أيام الجامعة، فتحملته أسبوعين أو ثلاثة ثم قلت له: أنت عاوز تعرف أنا إيه والله أنا لا أعرف أنا ليبرالى أو شيوعى أو ناصرى أو قومى عروبى أنا كل هذه الأيديولوجيات فهو كان رجل أمن وكان يريد أن يعرف لماذا أنا آتى إلى الجامعة.

> إذاً هى كانت جامعة زويل؟

- نعم.. كنت أذهب إلى جامعة زويل ولكننى غضبت ولم أذهب إلى هذا المشروع، وأنا مؤمن بـ«سعد زغلول» و«عبدالناصر» ولا أعجب بـ«إسماعيل صدقى» دون تعصب لأن التعصب الثقافى لعين ومن حق كل إنسان أن يعلن رأيه طالما لا يفرضه بالقوة.

> وهذا ما أغضب المصريين فى حكم الإخوان لأنهم اعتقدوا أنهم يملكون الحقيقة ويفرضونها؟

- هذا صحيح.. لأن فكرة الحكم لدى الإخوان قوية ويعتبرون أن دورهم فى الحياة هو أن يحكموا مع أنهم بدون مبررات أو سياسات أو آليات على الإطلاق، وهم يدعون أنهم وصلوا إلى السلطة بالانتخابات، مع أن الشعب الذى أتى بهم هو الذى خرج عليهم وأطاح بهم، فبدأوا يقتلونه كما فعلوا أيام الملكية واغتالوا «النقراشى» باشا والقاضى الخازندار ثم حاولوا اغتيال حليفهم «عبدالناصر» مع إنه تقارب معهم لأنه لم يكن يرى قوة تتقارب معه إلا الإخوان، وعندما طلب منهم تعيين 3 وزراء منهم وافقوا ثم فصلوا الثلاثة لأنهم كانوا يريدون السيطرة على كل شىء، وعندما خسروا التفوا حول اللواء محمد نجيب الذى وجد حليفاً له من الإخوان.

> وأين كان الشعب فى هذه الصراعات؟

- الشعب كان بعيداً عن أى صراع للإخوان مع أى سلطة كانت سواء مع عبدالناصر أو السادات أو مبارك إلى أن ظهر غباء الإخوان وتوحشهم بالاعتداء على الشعب بعد 30 يونية، فأصبح لكل مواطن لديه ثأر مع جماعة الإخوان لأن له قريباً أو صديقاً أو جاراً أو زميلاً قتلته الإخوان.

> كيف ترصد الشخصية المصرية؟

- تاريخياً منذ عصر الفراعنة كان المصرى يعيش حياته ويفكر فى الموت الذى يراه هو ذاته الحياة، ولهذا كان يعد نصف جهده للحياة والنصف الآخر للعالم الآخر، وارتبط المصرى بالأرض لأنه أول شعب عمل فى الزراعة فى العالم، وفى العصور الوسطى كانت مصر تطعم العالم، ولكن فى السبعينيات حدث نزوح للسفر إلى دول الخليج كاندفاع القطيع إلى السفر، وهذه الفترة غيرت أموراً كثيرة فى الشعب المصرى فى القيم والعادات والتقاليد وأثرت على الهوية الوطنية والدينية، لدرجة أنه تم اكتشاف مجموعة من الشباب الذين كانوا مسافرين وعادوا يقيمون حفلة جنس جماعى فى إحدى قرى صعيد مصر، هذا تغيير فى المجتمع، لأن فكرة الجماعية فى الجنس فكرة غير بشرية، والتغيير أصبح فكرياً وأخلاقياً ويوجد مقياس جديد وهو المال.

> ما تأثير الحكم الشمولى على الشخصية المصرية؟

- الحكم الشمولى كان من أول حكم «فاروق» واستمر حتى الآن، ولكن فى الفترات السابقة كانت الشخصية المصرية تتأقلم مع هذه الفترات، لكن التغيير بالمال كان أقوى من التغييرات السياسية.

> كيف يمكن بث الوعى الجمعى وتفعيله لدى الجماهير؟

- الوعى الجمعى شىء جيد ونحن فى مرحلة أصبح فيها الوعى أكثر من السابق لأن المواطن العادى يشاهد الفضائيات المتناقضة والإنترنت وهذا سيزيد الوعى الذى يمس مصالح الوطن.

> كيف ترى علاقة المثقف بالسلطة؟

- منذ فجر التاريخ ويوجد تناقض مستمر بين المثقف المصرى وبين السلطة فى مصر، وقد عرفنا الفلاح الفصيح، وأنا تنبهت منذ بداية حياتى وتابعت سيكولوجية غير موجودة فى العالم بين المواطن المصرى وبين السلطة، لأن المصرى دائماً ضد السلطة دون أن يعلن هذا حتى لنفسه، ولا يمكن أن يتآلف مع السلطة أبداً، ولكنه يمكن أن يعمل معها لأن الذى يأتى إلى السلطة يكلف المواطن الكثير ويحمله أعباءه، والمصرى قام بثورات كثيرة ولكنه دائماً ما يؤجلها ولا يتسرع بها، وهذه طبيعته، لأنه يتحايل وإذا لم يصلح هذا فيتجاهل ثم يقوم بالخداع، وبعد ذلك يقوم بالثورة ولا أحد يعرف متى وكيف؟ ولذلك لا يوجد صدق بين المواطن وبين السلطة، وعمر المواطن ما يقول للسلطة هو كسب كام، ولا يوجد مواطن يصرح بالضبط عن قيمة دخله، حتى مع الشرفاء، لأنهم غير مستعدين لدفع الضرائب، والكل يتحايل على هذا وذلك ميراث التركيبة الأولى لأن السلطة تريد من المواطن كل شىء وهو يعرف ذلك ولذلك يتحايل عليها فى كل شىء.

> لماذا رفضت كتابة فيلم عن «مبارك» وهل طلب منك ذلك؟

- نعم.. طلب منى كتابة فيلم عن حياة مبارك فرفضت لأنى كنت على اقتناع تام بألا شىء فى حياة الرئيس يستحق أن يكتب عنه، وكان ذلك بعد أن كتبت فيلم «ناصر 56».

> كيف طلب منك وكيف رفضت؟

- قيل لى جهز نفسك حتى تقابل الرئيس وشوف عاوز تقابله كم مرة لتجلس معه، واطلب منه اللى انت عاوزه، وأنا لم أكن أريد كتابة شىء عن مبارك، ولهذا اعتمدت على نظرية جحا والحمار عندما اتفق جحا مع الحاكم أن يعلم الحمار القراءة والكتابة خلال عشر سنين ومقابل هذا يتفرع لتعليم الحمار ويحصل على عدة آلاف من الدينارات كل فترة، وعندما قال له الناس أنت مجنون، بعد العشر سنين لن يتعلم الحمار وسوف يعدمك الحاكم، فقال بعد عشر سنين يا يموت الحمار يا أموت أنا، يا يموت السلطان المهم أن أى حد فينا سيموت، وأنا استخدمت هذه الحكاية فى التسويف، إلى أن كانت محاولة اغتياله فى أديس أبابا، وانتهى الحديث عن فكرة الفيلم لأن مبارك انشغل فى أمور أخرى ونسى موضوع الفيلم.

> من الذى طلب منك كتابة الفيلم «صفوت الشريف» أم زكريا عزمى؟

- لن أقول لأنى عندما أشعر بأن هناك إنساناً ضعيفاً لابد أن يكون موقفى قوياً وهذه قواعد بشرية، لكننا ننساها، وهؤلاء الناس الآن أصبحوا ضعفاء ومساكين، وأذكر أن هناك شخصاً عندما كان يذكر اسمه كانت الناس ترتعد من جبروته، ولكن بعد انتهاء عصره وتم سجنه قابلته مع آخرين فى مكان ما فشعرت بإنسانيته رغم ما قام به من فظائع، ولكن شعرت بأنه إنسان ضعيف جداً، وكان لى مسلسل تليفزيونى لم يتم الموافقة عليه وعرف ذلك كل من كان يجلس معى، وبعد 3 أيام وجدت هذا الرجل يتصل بى ويسألنى عن المسلسل فقلت مين يا افندم يتكلم أنا غير مصدق أنه يحدثنى لأنه كان نصف إله، فبعض الأفراد يتحولون إلى جبابرة وهم فى مناصبهم، وبعد المنصب يعودون ضعفاء.

> هل ترى ضرورة لارتباط المشروع النهضوى بالسلطة مثل مشروع «رفاعة الطهطاوى»؟

- نعم.. ولابد أن يكون للدولة دور فى مشاريع النهضة والتنمية، والدول فى كل بقاع العالم هى التى تحمى الثقافة وتنهض بها.

محفوظ عبدالرحمن : غباء الاخوان وتوحشهم ظهر بعد 30 يونيو

ذهبت لإجراء هذا الحوار مع المبدع «محفوظ عبدالرحمن» وفى رأسى دوامات عديدة من المحاور حول أسئلة الحوار، سياسية وثقافية وفنية وشخصية وتاريخية، لأن "محفوظ" شخصية ثرية بروافدها وتجاربها، فهو مراقب للحياة والأحداث والبشر، وفى الوقت ذاته متفاعل معها ومشارك بكتاباته وحواراته وفعالياته المتعددة، وتم اللقاء فوجدته إنساناً هادئاً رقيقاً فى صفاته، متمرداً ثائراً مقاوماً لكل سلبيات المجتمع، يشغله هذا الوطن بكل ما تعنيه الكلمة من أرض وبشر، ثقافة، اجتماع، فن، سياسة، لديه رؤية متجددة متحررة، لم ينقطع عن تاريخ أمته وتراثها، يقتحم الحاضر محاولاً تصحيح أزماته ومشكلاته ومعاناته.. لينطلق إلى المستقبل دون منغصات أو أزمات، ظهرت ونمت فى مناخ ثقافى وإبداعى، استسلم وخضع لأنظمة استبدادية استمرأت التشدد والتعنت مع الشعب.. وإلى نص الحوار..

> لماذا لم نر عملاً فنياً يتناسب مع ثورتى 25 يناير و30 يونية؟

- لأن العمل الفنى يحتاج فترة فى الزمن حتى يظهر، ونحن الآن نتحسس ما يحدث لدرجة أن البعض ما زال يقول إن ثورة 25 يناير مؤامرة، فالرؤية لتلك الثورتين لم تتكون بشكل تام بعد، ولابد أن نعلم أنه لا يوجد ثورة فى العالم أو حرب، وحدث كبير، تم عمل إبداعى عنه بسرعة.

> هل يمكن التأريخ للأحداث الكبرى من خلال الدراما؟

- يمكن، ولكنه يحتاج لأشياء كثيرة جداً، والتاريخ له وسائل كثيرة منها الدراما لو كانت دقيقة وغير منحازة يمكن التأريخ من خلالها.

> كيف يمكن للفن أن يسهم فى الخروج من أزمات المجتمع وتقديم حلول واقعية؟

- الفن له تأثير كبير جداً فى المجتمعات ويكاد يكون أكبر شىء يؤثر فى البشر، لكن المسلسلات التى تعرض حالياً تؤكد أننا لا نسعى إلى أن تكون أمة متقدمة متحضرة، لأنها لا تقدم إلا قلة الحياء والمخدرات والبلطجة، ولا يوجد شىء فيها يمكن للناس أن تتطلع إليه حتى تكون الأفضل، أو تدفع الأمة إلى مزيد فى النهوض، والفن الحالى لا يعبر عن الرغبة فى البناء والرقى بل الهدم والتشويه لأن خطورة الفن أنه كما يبنى يهدم أيضاً، والفن قادر على تقديم حلول لإخراج المجتمع من أزماته لكن بشرط أن يخلق روح الرغبة فى العمل وبث العزيمة والتحدى والإصرار والبطولة والقيم والمثل العليا والحق والعدل.

> بعد الثورات الكبرى دائماً ما تظهر مشاريع تنويرية نهضوية فما هو مشروع 30 يونية؟

- لا داعى للاستعجال، لأن الثورة الفرنسية وهى أم الثورات فى العالم عانت فترة من الفوضى والقلاقل والقتل، إلى أن بدأت الحركة التنويرية الكبرى من الرقى الثقافى، والمفترض أن 30 يونية ما زالت فى البدايات، خاصة أننا نواجه مشاكل خارجية وداخلية، لكن مشروع يونية سيأتى لأنه لا توجد ثورة بدون آثار والمشروع سيكون فيه تقدم ولن نستمر فى موقف الضعيف بحكم الظروف والمتغيرات الخارجية والقوى الغاشمة الموجودة فى الداخل.

> ما مشكلات الإبداع فى مصر؟

- جميع المتغيرات السياسية التى تطرأ على الساحة السياسية تنعكس آثارها على الحياة الثقافية والإبداع فى مصر، وربما يكسو المناخ الثقافى والإبداعى نوع من الاستسلام والخنوع لأنظمة تستمرئ ما تفعله بشعوبها، وربما تصيب المبدأ بنوع من العنت والتشدد فى محاولة لعرقلة إبداعه، ثم إن المناخ الكئيب والمظلم يؤثر على الإبداع لأن المصرى بطبعه محب للمرح والمتعة، والمناخ منذ 30 سنة أصبح يعانى خللا فاختفت النكتة بين المصريين بسبب ظروف المعيشة.

> كيف استقبلت مقولة عضو مجلس النواب أن فن «نجيب محفوظ» يخدش الحياء؟

- تأكد لى أنه ليس كل أعضاء مجلس النواب مثقفين، والحقيقة لا يوجد ثقافة فى البلد، وميزانية وزارة الثقافة لا تكفى لأن تمنح كل مواطن غلاف كتاب كل سنة وليس كتاباً، مع أن مصر كان لديها ثقافة الوعى التى تبدأ من المواطن العادى الأمى وصولاً إلى «طه حسين» و«العقاد» و«نجيب محفوظ» وفى المقابل جاءت الردود قاسية، وهذا حقهم لأنه أهان رمزاً من أهم رموز الوطن، ولكن المشكلة أعمق فى الإهانة، فإذا كان هذا هو الفهم لدى من يشرع للوطن، فما حال التشريعات التى تحدد مستقبلنا، فهذا النائب يتساوى مع الولد الذى لم يقرأ لنجيب محفوظ وطعنه بالسكين فى رقبته، واندهش لماذا لم يتخذ أعضاء مجلس النواب موقفاً ضد هذا النائب، أو يطردوه من مجلس النواب؟!

> تقول إن المجتمع ليس به ثقافة إذاً متى بدأت محنة الثقافة؟

- محنة الثقافة بدأت مع فكرة المتاجرة فى حقبة السبعينيات، وانتشار ثقافة الاستهلاك والفهلوة، وتنحى جانباً الإقبال على القراءة والثقافة والمسرح، فأصبحت الثقافة منسية.

> إلى أى مدى يستخدم سلاح التكفير فى المعارك الفكرية؟

- سلاح التكفير يستخدم إلى أقصى مدى فى المعارك الفكرية ويكفى ما حدث مع الدكتور نصر أبوزيد رحمه الله الذى أعتبره من أكبر المفكرين فى مصر وأكثرهم صدقاً وتديناً، وحدث له ما حدث فى التفريق بينه وبين زوجته، وأن يفرض عليه أن يعيش فى الغربة، وقد قابلته كثيراً فى هولندا، وأعتبر إحدى اللقاءات لحظة فى حياتى لا يمكن أن أنساها بل أحياناً كثيراً ما تؤرقنى، فقد كنا مدعوين فى إحدى المدن الهولندية ومعنا «نصر أبوزيد» وبعد انتهاء الحفل وجدته يركب معنا القطار ولكنه كان سينزل فى منتصف الرحلة حيث كان ذاهباً لإلقاء محاضرة أخري فى إحدى الجامعات، ونحن كنا سنكمل رحلتنا بالقطار وكنت أجلس بجوار شباك القطار وأرى دكتور نصر أبوزيد بعد أن نزل من القطار يسير فى إضاءة خافتة ويسير فى الظلام بشكل مثير للشفقة منكسراً مهزوماً شبه محطم، وظللت أنظر إليه وهو يسير فى هذه الغربة الموحشة بعد أن تعامل معه وطنه بقسوة وإنكار شديدين فحزنت جداً من أجله، ولا أتصور مدى هذه القسوة التى تعامل بها معه خفافيش الظلام لمجرد أنه فكر لأن المطلوب منا جميعاً ألا نفكر، ومرض د. نصر فترة طويلة ثم مات محسوراً شريداً فى الغربة، بعيداً عن وطنه وأهله وناسه وأصدقائه وتلاميذه.

> البعض يتحجج أن المجتمع المصرى متدين فلماذا لا تكون الضوابط الدينية قيداً على الإبداع والحريات العامة؟

- هذا صحيح.. لكن الدين الذى نعرفه دين معتدل وسطى به رقة وحنان دون عنف أو شدة أو غلظة فى القول أو الفعل، لأن التشدد كان بعيداً عن الشعب المصرى الذى عاش عشرات المئات من السنين دون عنف أو تشدد فى الدين، حتى الشيعة عاشوا فى مصر 200 سنة فى السلطة ولا شك أن هناك أناساً يمكن أن تنافق السلطة ويعلنوا أنهم شيعة وبعد أن خرجت الشيعة من مصر لم نجد شيعة بيننا، وظللنا مئات السنين لا نعرف يعنى إيه شيعة، ولكننا مؤخراً شهدنا مقتل مصرى لأنه شيعى، ومع أن مصر دولة كبيرة وشديدة التنوع، وهذا التنوع فى صالح الوطن، لأن المجتمع المصرى كان متسامحاً ومتنوراً وواعياً وفى أفضل حالاته، عندما كان يعيش فيه أجانب من جنسيات عديدة لأن المختلف معنا نتعلم منه ونعلمه، وهذا ما جعل فى مصر دولة لها قيمة متحضرة فى السابق لأن المجتمع المتنوع أرقى بكثير من المجتمع المعلق ولابد أن نعرف أنه لا يوجد أحد يغير دينه لمجرد أنه عاش وتعامل مع المختلف عنه، وهذا هو الدين الذى يجب أن نتعامل به ومعه.

> معارك التنوير قديمة ومتجددة كيف يمكن التعامل معها؟

- نتعامل مع هذه المعارك بسعة الصدر والقبول والأريحية دون تشنج وتعصب وإقصاء أو تكفير أو سباب لأنه لا يمكن أن تجد مجتمعاً تطور وتقدم دون هذه المناقشات أو الصراعات الفكرية، عن طريق طرح الأفكار مهما كانت وعلى الفريق الآخر أن ينقدها ويرد عليها فى إطار الحوار والحجة وحينها سيستفيد منها المستمع والمتابع لهذه الصراعات الفكرية، والعلم واسع جداً والفكر متنوع، ويجب أن يعرف الجميع أن مسألة العصا والتأديب والوصاية مرفوضة وغير مقبولة، ولكننا بعيدون عن هذه الأمور ورأينا البعض يقتل والبعض يتغرب وغيرهم يسجنون بسبب أفكارهم، مع أن الذى يقول رأيه لا يهاجم الدين لأنه لا يوجد أحد يرتضى أن يهاجم دينه حتى لو كان يعبد الحجر.

> إذاً ما ثوابت المجتمع التى يجب ألا تمس؟

- أولاً المجتمع المصرى متوافق وله رأى فى التاريخ وموقف ثابت لا يتغير من الوحدة الوطنية، ولهذا يجب أن نلغى ما يسمى بازدراء الأديان، وهل يمكن أن يتصور أحد وجود شخص يزدرى الأديان، أقسم بالله أنا طوال عمرى لم أقابل أو أرى أو سمعت عن أى إنسان يزدرى الأديان بل هو يقول رأيه فى كتب التراث، فهل نحاسب من قال رأيه أم من كتب هذا التراث الذى به أحاديث غير مقنعة؟

> مثل ماذا غير المقنع؟

- نحن جميعاً قرأنا فى هذه الكتب التى يدافعون عنها أن الخليفة معاوية بن أبى سفيان جاءوا إليه برجل قيل إنه يدس أحاديث خاطئة، فأمر الخليفة بقطع رقبته فقال الرجل للخليفة: دعنى وسأدلك على 4 آلاف حديث خاطئة قمت بدسها، فقال الخليفة: بل اقتلوه على الفور وهذا ما قرأناه فقولوا لنا هل هذا حقيقى أم لا؟! ثم إن النقل عن فلان وعن فلان من الذى يضمن صحة هذا النقل، لأن «العنعنة» أصبحت تحترم أكاديمياً وتصدق حتى لو كانت غير صحيحة، فالتراث يحتاج إلى إعادة نظر وتنقية للأحاديث غير الصحيحة والضعيفة، فهل من يقول إنه لا يصدق الحديث الضعيف يسجن؟ فهذا ما يحدث الآن.

> مركب مصر الحضارى متعدد العناصر، فكيف تتم إعادة ترتيب عناصر المركب الحضارى لمصر؟

- نعم.. فمركب مصر الحضارى متعدد العناصر، منها الدينى والعربى والفرعونى وهذه هى تركيبة الهوية المصرية والعبقرية المصرية التى ضفرت هذه التنويعات وصاغتها فى الإنسان المصرى، مثلاً نجد الفلاح المصرى فكره متوازن طبيعى دون شذوذ فكرى وإذا عرضت عليه مشكلة يصمت لحظة وكأنه وجه ميت ويرد بحل المشكلة فى سطر واحد ولكنه ملىء بالحكمة وتجد فيها روح القانون والتعقل والعدل، لأنه يملك نوعاً من أنواع المعرفة الشديدة جداً مع أنه أمى لكنه يقول المنطق لأنه وريث هذه الحضارات كلها فقد وصلته بشكل أو بآخر.

> هل يوجد تنوير زائف؟

- نعم.. وهذا ما نراه فى البعض عندما يرفع شعارات زائفة وباطلة ودون نفع.

> هل مصر عانت من التنوير الزائف؟

- مصر عانت من الخلط بين التنوير وبين الزيف ورأينا الكثيرين الذين كنا نعتبرهم عظماء ومفكرين ولكنهم ظهروا غير ذلك، ولكنهم يحاولون إقناع الناس بالقفز فى البحر، وهم لا ينوون أن يبللوا أقدامهم، فالأمور والحسابات والرؤية مشوشة وملخبطة لدينا أكثر من اللازم.

> ما محرمات التنوير فى مصر؟

- الدين والجنس، هما العنصران اللذان تدور حولهما الخلافات الفكرية الدائمة، وكل ما يتعلق بالمرأة، ولأن البعض يريد للمرأة أن تكون مغطاة من رأسها حتى قدميها ويمنعها من العمل ولا يريدها أن تتعلم وتتحدث، وآخرون يرون المرأة مثل الرجل تماماً، وكما أن الرجل ينحرف يمكن أيضاً للمرأة أن تنحرف، ولكن فى وطننا يجوز للرجل أن ينحرف ويغفر له ذلك، ولكن تهتز السماء من خطأ المرأة، مع أنه لا يوجد من يريد الانحراف للرجل أو للمرأة، فمن حق المرأة أن تتعلم وتعمل، لأنه عندما تعطى المرأة حقها سنعطى المجتمع كله حقوقه.

> الأيديولوجية السياسية لمصر ليبرالية وقومية ودينية، كيف يمكن التعامل مع هذه التركيبة بالتنوع وليس بالاختلاف؟

- هذا يتم بالتحضر وقبول الآخر، لكننا كعرب لدينا تركيبة عجيبة جداً فإذا كان الإنسان يعتنق مثلاً الفكر القومى فيرى أن القومية هى الحقة وينكر الأيديولوجيات الأخرى، وإذا كان متديناً فيرى أنه المتدين الحق لدرجة أنه يقصى الجميع قد لا يلقى السلام على أحد، فالجميع ينكرون الأيديولوجيات الأخرى، ولى أصدقاء كثيرون وعند التصنيف والله أنا لا أعرف ما هى أيديولوجيتى السياسية لأننى أتوافق مع جميع الأيديولوجيات فى مصر.

> ولكنك ناصرى الهوى أستاذ «محفوظ»؟

- أنا كما تريدنى، وأذكر كنت فى مكان مهم ومحترم للمشاركة فيه كل يوم، وكان يوجد شخصية كبيرة جداً وقال لى عنه أحمد زويل إن هذا الرجل من العلماء الأفاضل، بل إن «زويل» فضله على نفسه، وهذا الرجل كان يجلس معى ويسألنى فتنبهت له لأننى أعرف الأسلوب الأمنى منذ أيام الجامعة، فتحملته أسبوعين أو ثلاثة ثم قلت له: أنت عاوز تعرف أنا إيه والله أنا لا أعرف أنا ليبرالى أو شيوعى أو ناصرى أو قومى عروبى أنا كل هذه الأيديولوجيات فهو كان رجل أمن وكان يريد أن يعرف لماذا أنا آتى إلى الجامعة.

> إذاً هى كانت جامعة زويل؟

- نعم.. كنت أذهب إلى جامعة زويل ولكننى غضبت ولم أذهب إلى هذا المشروع، وأنا مؤمن بـ«سعد زغلول» و«عبدالناصر» ولا أعجب بـ«إسماعيل صدقى» دون تعصب لأن التعصب الثقافى لعين ومن حق كل إنسان أن يعلن رأيه طالما لا يفرضه بالقوة.

> وهذا ما أغضب المصريين فى حكم الإخوان لأنهم اعتقدوا أنهم يملكون الحقيقة ويفرضونها؟

- هذا صحيح.. لأن فكرة الحكم لدى الإخوان قوية ويعتبرون أن دورهم فى الحياة هو أن يحكموا مع أنهم بدون مبررات أو سياسات أو آليات على الإطلاق، وهم يدعون أنهم وصلوا إلى السلطة بالانتخابات، مع أن الشعب الذى أتى بهم هو الذى خرج عليهم وأطاح بهم، فبدأوا يقتلونه كما فعلوا أيام الملكية واغتالوا «النقراشى» باشا والقاضى الخازندار ثم حاولوا اغتيال حليفهم «عبدالناصر» مع إنه تقارب معهم لأنه لم يكن يرى قوة تتقارب معه إلا الإخوان، وعندما طلب منهم تعيين 3 وزراء منهم وافقوا ثم فصلوا الثلاثة لأنهم كانوا يريدون السيطرة على كل شىء، وعندما خسروا التفوا حول اللواء محمد نجيب الذى وجد حليفاً له من الإخوان.

> وأين كان الشعب فى هذه الصراعات؟

- الشعب كان بعيداً عن أى صراع للإخوان مع أى سلطة كانت سواء مع عبدالناصر أو السادات أو مبارك إلى أن ظهر غباء الإخوان وتوحشهم بالاعتداء على الشعب بعد 30 يونية، فأصبح لكل مواطن لديه ثأر مع جماعة الإخوان لأن له قريباً أو صديقاً أو جاراً أو زميلاً قتلته الإخوان.

> كيف ترصد الشخصية المصرية؟

- تاريخياً منذ عصر الفراعنة كان المصرى يعيش حياته ويفكر فى الموت الذى يراه هو ذاته الحياة، ولهذا كان يعد نصف جهده للحياة والنصف الآخر للعالم الآخر، وارتبط المصرى بالأرض لأنه أول شعب عمل فى الزراعة فى العالم، وفى العصور الوسطى كانت مصر تطعم العالم، ولكن فى السبعينيات حدث نزوح للسفر إلى دول الخليج كاندفاع القطيع إلى السفر، وهذه الفترة غيرت أموراً كثيرة فى الشعب المصرى فى القيم والعادات والتقاليد وأثرت على الهوية الوطنية والدينية، لدرجة أنه تم اكتشاف مجموعة من الشباب الذين كانوا مسافرين وعادوا يقيمون حفلة جنس جماعى فى إحدى قرى صعيد مصر، هذا تغيير فى المجتمع، لأن فكرة الجماعية فى الجنس فكرة غير بشرية، والتغيير أصبح فكرياً وأخلاقياً ويوجد مقياس جديد وهو المال.

> ما تأثير الحكم الشمولى على الشخصية المصرية؟

- الحكم الشمولى كان من أول حكم «فاروق» واستمر حتى الآن، ولكن فى الفترات السابقة كانت الشخصية المصرية تتأقلم مع هذه الفترات، لكن التغيير بالمال كان أقوى من التغييرات السياسية.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل