المحتوى الرئيسى

«هذه ليست حقيبة».. ضد الصورة النمطية لعرب المهجر

12/16 02:07

ربما تكمن مهمة الكاتب العربي ـ المقيم في المهجر ـ في أن يعمل، وبشكل مستمر، على ردم تلك الهوّة التي تتـــعاظم باستمرار بين الشعوب الأوروبية والمهاجرين العرب. الهـــوّة التي يستغل اليمين المتطرف كل مناســـبة لتعميقها أكثـــر.

هذا هو التصوّر العام الذي حمله طه عدنان وأصدقاؤه وهم يفكّرون في ترك أثر أدبي يقارب قضايا ذات بعد إيديولوجي واجتماعي وسياسي، من خلال الكتاب الجماعي الجديد «هذه ليست حقيبة» الذي ضمّ نصوصاً أدبية لعدد من الكتاب العرب المقيمين في بلجيكا. الكتاب صدر مؤخراً ضمن منشورات «ملتقى الطرق» بالدار البيضاء، بدعم من وزارة الثقافة المغربية ومجلس الجالية المغربية بالخارج.

يقول طه في تصريح خاص بالسفير: «على إثر التفجيرات الإرهابية التي استهدفَتْ بروكسل على أيدي شباب أتقاسم معهم نفس الأصول. شبابٌ ضيّعوا معنى الحياة في البلاد التي رأوا فيها النور، فغشيهم الظلام ليبحثوا في الموت الغادر عن معنى لوجودهم المتشنّج فوق هذه الأرض. وبعدما تمّ اقتراف ما لا يغتفر وكسر ما لا يُشعَب داخلنا جميعا، اكتسح السياسيون المشهد بتدابيرهم الأمنية الصارمة والخبراءُ بتحاليلهم الواثقة، فيما انكفأ الأدباء على أسئلتهم الصغيرة القلقة. فالأدباء معنيّون بطرح الأسئلة، عكس السياسيين ورجال الدين الذين تزدحم في جعبتهم الأجوبة الجاهزة».

لهذه الأسباب يمكن اعتبار هذا الكتاب، حسب طه عدنان، بمثابة «إعلان عن صوت الأديب العربي بما ينتجه من موضوعات فنية ومقترحات جمالية، قد تساهم لاحقاً عبر آلية الترجمة في تشكيل الوعي البلجيكي بالذات والآخر على نحو أفضل. خاصة أنّ الهجرة تتيح للمبدع تلك المسافة الضرورية التي تمكّنه من ممارسة دوره النقدي المطلوب: نقدٌ مزدوجٌ بالضرورة يقوده إلى كسر التابوهات هنا وهناك».

ما يسعى إليه طه عدنان وأصدقاؤه في «هذه ليست حقيبة» لا ينتهي عند توضيح حالة أو تسجيل موقف، بل ثمة دعوة صريحة أحيانا وأحيانا ضمنية إلى إعادة النظر في عدد من المفاهيم، من بينها الهجرة، أدب المهجر، وصورة العربي المهاجر لدى الآخر. فلم يعد ثمة شيء مطلق أو نمطي يخص هذه المفاهيم، وعلى كل من يبحث في هذه التيمات والقضايا أن يواكب تحولاتها السريعة، لا أن يبقى رهن تصورات نمطية تجاوزها الزمن. فحين نتحدث عن المهاجر العربي يجب أن نتوقف طويلا لنعرف عن أيّ مهاجر نتحدث، حتى لا نضع الجميع في فئة واحدة.

في مقدمة الكتاب يقف طه عدنان عند تحوّلات صورة المهاجر لدى الأوروبي، الصورة السيئة في الغالب، والتي لم تخرج عند الكادر العام الذي تَشكل في ذهنية الآخر منذ قرون، إذ يعود طه إلى تعريف مونتيسكيو الذي كان يرى خلال القرن الثامن عشر أن «العرب شعب مكوّن من قطاع الطرق».

إن العلاقة بين الأوروبي والعربي مبنية في الغالب على الحذر الذي تعلو وتنخفض حدّته حسب السياق والظروف، وما يسعى إليه الكتاب هو ضبط هذه العلاقة من أجل تعديلها. ولا يتم ذلك عن طريق المرافعة والخطاب التقريري المباشر، بل من خلال نصوص أدبية سردية تنقل للقارئ تجارب عدد من الكتاب العرب المقيمين في بلجيكا.

وتكشف هذه المحكيات حجم التفاعل مع الأمكنة والوجوه. في نص السوداني الهادي عجب الدور نقف على بورتريهات لمهاجرين أفارقة وعرب، وعلى التمثلات التي يحملها الآخرون عنهم. فيما يحكي السوري عبدالله مكسور تفاصيل عيشه في مخيَّم إيواء اللاجئين في بيرزيت قرب مدينة لييج. بينما تكتب بيسان أبو خالد نصا سرديا عن حالة ابراهيم اللاجئ الفلسطيني في بلجيكا، وتتابع نسمة العكلوك في نصها السردي المشاهد المتلاحقة أمامها هناك من دون التخلص من حالة النوستالجيا إلى تفاصيل من الحياة في غزة. يبني عماد فؤاد نصه السردي «تفضل أيها الغريب» على حوار مع عجوز بلجيكي يستدعي الكثير من الذكريات المرتبطة بتاريخ البلد. «هذا الفهم المسطح للدين هو أصل البلاء» يقول المغربي نبيل أكنوش على لسان إحدى الشخصيات في نصه الذي ينقل يوميات المرض في مستشفى للسرطان ببلجيكا، حيث شخصيات عربية جاءت تطلب الموت الرحيم. فيما سافر بطل حكاية علال بورقية من بروكسل إلى مدينة بروج ليتخفّف من الاكتئاب. في حين جاء الوزير العراقي في نص علي بدر إلى العاصمة ليعيش منفى اختياريا في حيّ لويز الراقي، أو «حيّ السياسيين المنكوبين». هوشنك أوسي، ماجد مطرود، حازم كمال الدين، زهير الجبوري، هشام آدم، أسعد الهلالي، خالد كاكي، مهند يعقوب، بالإضافة إلى طه عدنان، سبعة عشر كاتبا عربيا «يحفرون تواريخهم الشخصية والمتخيّلة على رقعة الجغرافيا بإزميل الذاكرة ومِنْحَت الخيال». النصوص مرفقة بصور فوتوغرافية حاورت المدائن واشتبكت معها بحريّة فنيّة ولمسة إنسانية حانية من إنجاز الفنان الفوتوغرافي العراقي كريم إبراهيم. فيما جاءت صورة الغلاف بعدسة الفنان ستار نعمة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل