المحتوى الرئيسى

المطر ليس ثلجاً

12/15 01:29

حين يأتي الثلج إلى قريتنا، أحسّ بالخيانة العظمى. كأنّ الطقس يقاصصني بأن يرسل الثلج في غيابي. كل الطرق تقطع فجأةً ويزداد العمل فوق رأسي، ولا قوة في العالم تردّني إلى قريتي في لحظتي المفضّلة التي تفرّ قبل أن ألتقطها. أحسّ بأنني محاصرة باعتدال بيروت، مطوّقة بمطرها الذي لا يتحوّل ثلجاً. البحر والثلج ضدّان تقول أمي. لا يمكن أن تحبّ الاثنين معاً، كما الحبّ والقضية. معظم الذي اختاروا القضية، سقط الحبّ من جيوبهم، والذين تمسّكوا بالحبّ، خسرتهم القضية.

بيروت والقرية، البحر والثلج، الحب والقضية. أنا ضحيّة هذه الأضداد، أيتها السماء.

المذياع يؤكّد مرةً جديدة أن لا طريق سالكة إلى قريتي، وأمي تقول إنّ الثلج بدأ، وإنها تحضّر شوربة بالخضار للغداء، وإنّ الأولاد عادوا من المدرسة باكراً، وأبي رجع إلى البيت بسرعة ولبس البيجاما الكحلية التي أهديته إياها، وجلس يتدفّأ. أردّ بكلمتين: «ستثلج إذاً». ثمّ أتدارك حزني أضيف: «أمي اعتنوا بأنفسكم، أراكم عندما يتحسّن الطقس».

الزكام، السعال، الحرارة المرتفعة، سيارتي الألمانية التي تنزلق على الثلج، نشرات الطقس، المذيع اللعين الذي يكرّر الجمل التحذيرية، صور الثلج على فايسبوك، صورتي وأنا صغيرة جالسة على الثلج في حديقة بيتنا القديم، منظر البيت القديم في ذاكرتي وهو مغطى تماماً بالثلج، جدّتي التي كانت تخاف البرد والثلج، أبي وكيف يحمل الحطب بيديه وصوت نفَسه المتعب يعلمنا بأنه وصل، عمّي الذي كان يزورنا ويقول «أتى أبو مثلج»، كنزات الصوف بيد أمي، البرتقال اللذيذ فيما كل الدنيا بيضاء. ما هذا يا ربي؟ أكلّ هذا الظلم لي؟

علامَ أتقاصص منذ سنوات؟ أنا في المنفى والعالم في مكانٍ آخر. لماذا هذه العداوة أيها البحر؟ ما هذه القطيعة أيها الثلج؟ نحن بشرٌ أيضاً. نحن نحبّ الحطب والثلج والمؤونة المخبّأة للأيام الصعبة. تباً للسوبر ماركت لأنه يحتوي كل شيء! تباً للمونة التي يستوردها من قرى الثلج! تباً للبحر ما دام قاسياً هكذا، معتدلاً حد الموت.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل