المحتوى الرئيسى

قراءة فى بيان داعش

12/14 22:07

يحاول تنظيم داعش دائماً، استحضار ألفاظ وأحداث من الماضى، تتمتع بشعبية لدى جمهور بعينه يخاطبه فى مصر من السلفيين والإخوان والجماعة الإسلامية، فى محاولة لاستمالتهم لصفوفه وتحميسهم على مزيد من العنف وتقديم تبريرات دينية لأعماله الإرهابية، فى صورة ملهمة للجمهور المخاطب. مع مصر حدث هذا الأمر مرتين، الأولى حينما ذبح فرع التنظيم فى ليبيا، فبراير 2015، 21 مصرياً من الأقباط وقال إن العملية جاءت انتقاماً لكاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين. التنظيم يعلم جيداً أن هذه القضية لها جمهورها من السلفيين فى مصر، الذين يتصورون أنهم لم ينتصروا فى هذه «المعركة» ويريدون الانتقام. المرة الثانية، كانت أمس الأول، فى بيان إعلان مسئوليته عن استهداف الكنيسة البطرسية، فى وصفه للشهداء من الأقباط بـ«الصليبيين» وللكنيسة بـ«معبد النصارى». هذا الوصف جاء مكملاً لليوم الذى اختير لتنفيذ العملية. التنظيم اختار ذكرى المولد النبوى، يوماً للعملية، ووصف الأقباط بالصليبيين، ليقدم لجمهوره فى مصر تبريراً دينياً يزيد من حماستهم لارتكاب مزيد من العنف أو عمليات مشابهة، على اعتبار أن هذه العملية الإرهابية «غزوة نبوية» ضد «الصليبيين» فى ذكرى المولد النبوى.

والتنظيمات التكفيرية، وداعش فى القلب منها، تعتمد على إعادة أحداث كان لها أثر فى الذاكرة، لتحميس عناصره وجذب الانتباه الإعلامى، لما كان للقضية من تأثير فى الماضى. تسمى هذه الظاهرة بـ«سوسيولوجيا الأمل»، وتعنى إعادة أحداث اجتماعية للذاكرة، تسهم فى تحميس المتعاطفين مع التنظيم، وتعيد للحكومات والشعوب ذكريات سيئة، لجذب عناصر جديدة للتنظيم والظهور بمظهر المدافع عن الدين. وفكرة «الخلافة» نفسها قائمة على «سوسيولوجيا الأمل»، إذ إن طرحها مرة أخرى، بعد سنوات طويلة، وما كان عليه حال المسلمين آنذاك، يعيد للذاكرة صورة دولة العدل والمثالية. وتنشط وسائل التجنيد، التى تسلكها التنظيمات الإرهابية، كلما ازدهرت عدة ظواهر اجتماعية، توافرها يسهل من نشأة بيئة تكفيرية قوية وراسخة، من بين هذه الظواهر «سوسيولوجيا الأمل». هذه الظاهرة الاجتماعية، التى تحدث عنها عالم الاجتماع الفرنسى هنرى دسروشيه، فى كتاب له بنفس الاسم عام 1979، تعيد إحياء رموز ومفاهيم تاريخية لها جاذبية قوية لدى قطاعات عريضة من المسلمين، تربطها بمجد قديم من ناحية، وبمؤامرة غربية وربما عربية، إن استدعى الأمر، على الإسلام من ناحية أخرى، ويصبح العنف، بإعادة مثل هذه الأحداث، واعتماداً على هذه الظاهرة، جهاداً ومجداً. وهذه الظاهرة تسبب ما سماها سيد قطب، الأب الشرعى للجماعات المتطرفة، فى الفصل الثانى من كتابه «معالم فى الطريق»، بـ«العزلة الشعورية»، التى يشعر معها «الفرد المسلم» بالاستعلاء، لما هو عليه من مثالية دينية، تفرض عليه «الانعزال» عن باقى المجتمع، الذى يراه «مرتداً» و«مخالفاً للشرع». وتزيد العزلة الشعورية، من تحميس التكفيريين، لارتكاب مزيد من القتل والذبح بضمير مستريح وعقيدة راسخة، وتزيد من الحاضنة الشعبية للتنظيم. وما يساعد فى نمو «سوسيولوجيا الأمل» و«العزلة الشعورية»، «مركزية الدين فى حياة الشعوب». ويقول أليكسى دو توكفيل، المؤرخ الفرنسى، فى هذا الصدد: «لدى الناس دوماً معتقدات يؤمنون بها، أيّاً كانت هذه المعتقدات، ويدافعون عنها بكل حماسة». وبيان التنظيم صدر من سوريا، عبر القنوات الرسمية للتنظيم على تطبيق «التليجرام»، ونقلته وكالة «أعماق» لسان التنظيم وأداته الإعلامية الأولى، فى الترويج لأفكاره وأخباره، إلى جانب حسابات عناصره التى وصلت لـ90 ألف حساب على موقع «تويتر». البيان فى لغته وأسلوبه مشابه لبياناته السابقة، التى صدرت بعد استهداف التنظيم لمبنى أمن الدولة فى شبرا والقنصلية الإيطالية فى وسط القاهرة.

التنظيم وصف فى بيانه، الانتحارى منفذ العملية بـ«الأخ الاستشهادى»، واستخدام لفظة الاستشهادى فى وصف الانتحارى، يعنى بصورة كبيرة أن منفذ العلمية واحد ممن يسمونهم بـ«قوافل الاستشهاديين». هؤلاء لا بد أن يتعرضوا لدورات تدريبية، فى الرقة فى سوريا وبعدها يعودوا لبلدانهم مرة أخرى. والغرض من هذه الدورات، تحميسهم للإقدام على الانتحار بحماس. وغالبية هؤلاء الانتحاريين، من الشباب صغار السن، ومعظمهم من دول السعودية وتونس والجزائر.

واستخدام التنظيم لكنية أخرى (أبوعبدالله المصرى) غير التى ذكرها الأمن (أبودجانة المصرى)، لا يعنى أن الرواية الأمنية خاطئة. غالبية هؤلاء الانتحاريين يكون لهم أكثر من كنية. وربما يحاول التنظيم إثارة حالة من البلبلة بذكر اسم مخالف لما ذكره الأمن، خصوصاً بعد ترويج الإخوان لشائعة أن محمود شفيق، منفذ العملية، موجود فى السودان.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل