المحتوى الرئيسى

الطلب على بوتين.. وعلى روسيا أيضًا

12/14 21:38

منذ أن شاع خبر «القروض» التى حصلت عليها «الجبهة الوطنية» الفرنسية، وقيمتها تفوق الـ11 مليون دولار، راحت الصحف الغربية تفرد مساحات أوسع للتمويل الروسى الذى تحظى به تنظيمات قومية متطرفة، فى أوروبا والولايات المتحدة، وتتشارك فى توفيره الحكومة والكنيسة ومعاهد بحثية وإعلامية فى موسكو.

بيد أن المسألة تنتهى بالتمويل ولا تبدأ به. فوفقا لتحقيق نشرته «نيويورك تايمز» فى 3 ديسمبر الحالى، يتبين أن الإعجاب ببوتين يتعداه إلى حب روسيا نفسها، كما يتجاوز زعامات شعبوية كترامب، أو يمينية تقليدية كفيون، إلى تنظيمات صغرى ومتوسطة على جانبى الأطلسى، من «بريطانيا أولا» و«الحزب القومى البريطانى» إلى «الحزب التقليدى العمالى» الأمريكى، ومن «الفجر الذهبى» اليونانى إلى «اليمين الجديد» الرومانى.

هكذا، مثلا، يرى ماثيو هايمبان، زعيم «الحزب التقليدى العمالى»، المتشدد فى القومية البيضاء والدفاع عن الحضارة المسيحية، فى بوتين «قائدا للعالم الحر»، فيما يجزم سام ويكسون، وهو قائد سابق لـ «كو كلوكس كلان»، بأن «روسيا الموقع الحدودى فى أقصى الشرق لشعبنا»، وأن الروس «العازل بيننا وبين الغزو الشرقى لوطننا والحامى الكبير للعالم المسيحى. إنهم الشعب الأبيض الأقوى على الأرض». ويضيف أودو فويت، زعيم «الحزب القومى الديمقراطى» فى ألمانيا، الذى يخون المستشارة ميركل لفتحها الباب أمام النازحين السوريين: «نحتاج إلى مستشار كبوتين، إلى شخص يعمل لألمانيا وأوروبا كما يعمل بوتين لروسيا».

والحال أن الرئيس الروسى لم يعبر عن آراء ومواقف كالتى تطلقها التنظيمات المتشددة هذه. وهو لم يتورع عن اعتقال بعض تابعيها الروس القائلين بالتفوق الأبيض. إلا أن الإعجاب الذى يلقاه فى صفوف تنظيمات كهذه يكمل الحب الذى يمحض لبلده روسيا بوصفها القبلة والنموذج.

وإذا كانت الأزمة الراهنة للديمقراطية الليبرالية والصعود الكونى للسياسات الشعبوية يفسران الإعجاب بسيد الكرملين، والذى بات يسهله على الجماعات اليمينية فى الغرب انهيار الشيوعية السوفييتية، فإن محبة روسيا أعقد قليلا.

فهى بلد كبير وقوى، خصوصا متى كتبت قيادته لزعامة عدوانية كزعامة بوتين. لكنه، إلى ذلك، يتمتع بدرجة بعيدة نسبيا من الصفاء العرقى الأبيض، الذى يزيده صفاء أن روسيا نفسها ليست بلدا يقصده المهاجرون، أو يفتح ذراعيه لهم، مما يهدد ذاك الصفاء ويعرضه لتأثيرات أعراق وأجناس «منحطة». بهذا يلوح البلد المذكور خزانا بشريا لبيض المجتمعات الغربية، الديمقراطية والتعددية، ممن تساورهم هواجس الانقراض فيعادون الديمقراطية والتعدد. لكن روسيا عندهم خزان أفكار تقليدية كذلك، إذ هى حصن القيم المسيحية الشرقية أيضا، لا سيما فى مواجهة الإسلام، حيث أبلت البلاء الحسن على رقعة تمتد من الشيشان إلى سوريا. هكذا التقت رجعيتا الأمة وزعيمها عند سياسة جنسية متطرفة فى عدائها للممارسات «غير المقبولة»، كالمثلية والتحول، مما تناوئه بشدة تلك التنظيمات الغربية الداعية إلى نقاء الجنس والعرق. ومن هنا يفد العداء المشترك للعولمة والأمركة والكوزموبوليتية والروابط العابرة للحدود القومية، كالاتحاد الأوروبى أو حلف الأطلسى الذى يخافه الروس خوف الطاعون. وفى محفل من الأفكار كهذا، تقيم دائما جرعة، قوية أو معتدلة، من اللاسامية، إذ اليهود، تبعا للتقليد الخرافى الرائج، هم الرموز الدائمون لتلويث الأوطان والأديان والقوميات.

وقصارى القول إن الطلب على روسيا، بنقائها النسبى الأبيض، ومسيحيتها الشرقية الأقل تقدما، وقيادتها العدوانية، يرقى إلى حاجة تسعى إليها البؤر المتخلفة فى البلدان الديمقراطية الغربية. وهذه عواطف كان قد برز بعضها فى حرب البوسنة فى التسعينات، حيث أطلت المسيحية الأرثوذكسية مصحوبة بالسلافية والتفاخر القومى لتدافع معا عن نقص غربيتها وانهجاسها بـ«الخصوصية» تلك.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل