المحتوى الرئيسى

أحرقها الفرس.. خرَّبها المغول.. واستعادها الأسد مؤخراً.. أشهر من حكموا حلب على مرّ العصور

12/14 03:27

تعدُّ مدينة حلب أكبر مدينة في سوريا، كما أنها واحدة من أقدم المدن التي سكنها البشر في التاريخ، إذ أعلنت منظمة اليونسكو المدينة القديمة جزءاً من التراث العالمي في العام 1986.

وعلى مدار تاريخها، توالى على حكم حلب العديد من القوى الحاكمة متمثلةً في عشرات الامبراطوريات، والدول العالمية، والإقليمية.

فيما يلي، نتعرّف على أشهر الامبراطوريات التي حكمت مدينة حلب على مر العصور.

كانت حلب أو "بيرويا" ضمن امبراطورية الإسكندر الأكبر التي تركها بعد وفاته في العام 323 قبل الميلاد، قبل أن يحدث صراع على السلطة انتهى بضم سوريا إلى الامبراطورية السلوقية بقيادة لاوميدون؛ أحد جنرالات الإسكندر الأكبر، وكان هذا في العصر الهيلينستي (الفترة التاريخية بعد وفاة الإسكندر الأكبر)، وقد استمر حكم السلوقيين للمدينة حوالي 300 عام.

انتهى الحكم السلوقي عام 88 قبل الميلاد، بعدما أصبحت حلب أو بيرويا جزءاً من الدولة الأرمنية بقيادة الملك ديكرانوس الثاني، واستمر هذا الحكم 24 عاماً، وقد استطاع القائد الروماني بومبيوس الكبير الاستيلاء على المدينة عام 64 قبل الميلاد، لتصبح بذلك مقاطعة رومانية.

ازدهرت المدينة في العصر الروماني، فكانت ثالث أكبر مدينة في العالم الروماني، وتعتبر فترة حكم الامبراطورية الرومانية أطول فترات الحكم لمدينة حلب حيث استمرت لأكثر من 3 قرون، ثم بدأت الامبراطورية البيزنطية كامتداد للامبراطورية الرومانية عام 476 ميلادية.

يذكر أنه في العام 540، قام الفرس بإحراق حلب بقيادة الملك كسرى الأول فيلسوف الدولة الساسانية، وذلك بعد نقضه لمعاهدة السلام الأبدية مع الامبراطورية البيزنطية عام 532 ميلادية.

وقد استطاعت الامبراطورية البيزنطية استعادة المدينة مرة أخرى، قبل أن يتجدد اعتداء الفرس عليها مرة أخرى عام 608 ميلادية؛ لتستمر بذلك الدولة الساسانية حتى عام 622 ميلادية عندما أعادتها الدولة البيزنطية تحت إمرتها مرة ثالثة.

ظلت حلب كغيرها من دول الشام تحت الحكم الروماني ومن ثمّ البيزنطي قرابة 7 قرون، عانت فيها بلاد الشام كلها من الظلم الاجتماعي بسبب فرض الضرائب الباهظة على عامة الشعب لسد احتياجات الامبراطورية العسكرية، واستمر ذلك حتى حرب حلب عام 637 بين الروم والغساسنة من جهة، وبين الجيوش الإسلامية تحت قيادة خالد بن الوليد من جهة أخرى.

وبعدها أصبحت سوريا ولاية تابعة لمركز الحكم الإسلامي، بقيادة أبي عبيدة بن الجراح ثم تتابع الخلفاء على حكمها، حتى عصر الدولة الأموية، حيث كانت سوريا الولاية الوحيدة التي خضعت مباشرةً للحكام الأمويين، وأصبحت عاصمتهم، حيث تمتّعت بازدهار اقتصادي واستفادت من فائض الأموال التي كانت ترسل لبيت المال فيها، بالإضافة إلى ازدهار التجارة مع الشرق.

تبعت حلب بعد ذلك للدولة العبّاسية، وأصبحت سوريا خلال هذه الفترة مجرّد ولاية تابعة للدولة العباسية، حيث خسرت مكانتها كمركز للدولة، لكن وضعها الاستراتيجي أجبر الحكام العباسيين على الاهتمام بها، ولكن سرعان ما تدعورت الأوضاع في فترة حكم هارون الرشيد وخلال صراع ولديه الأمين والمأمون.

أتبعها خلافة المعتصم، فيما بدأ الاعتماد على الأتراك حتى سيطر أحمد بن طولون على سوريا عام 877، واستمر حكم الطولونيين حتى عام 905، ثم عادت سوريا إلى الخلافة العباسية فترة قصيرة، لكنها لم تلبث أن خضعت للأخشيديين سنة 941.

وقد دخل الحاكم العباسي سيف الدولة الحمداني حلب سنة 968، وبعد ذلك استطاعت الدولة البيزنطية إخضاع حلب تحت حكمها، فيما فرضوا عليها إتاوة سنوية تدفع لهم، ثم خضعت سوريا بعد ذلك لنفوذ الفاطميين، ثم الأتراك فالسلاجقة الذين دافعوا عن المدينة ضد الصليبيين.

المغول.. استيلاء متكرر للتخريب وسرقة الخيرات

ظلّت حلب تحت حُكم الدولة الأيوبية منذ العام 1183، حيث كان يحكمها ابن صلاح الدين الأيوبي الملك الظاهر غياث الدين غازي حتى تُوفي في العام 1193، واسّتمر حكم حلب في أسرة الظاهر غياث الدين غازي حتى سقوطها بيد المغول في العام 1260 بقيادة هولاكو.

ظلّت حلب تحت حكم المغول في هذه الفترة القصيرة، حتى قيام الملك الظاهر بيبرس بإرسال قواته في العام 1261 لاستعادة المدينة ونجح في ذلك.

وفي العام 1271، عاد المغول مرة أخرى لغزو حلب بعد إلحاح من الملك إدوارد الأول، ملك إنكلترا ليستولي المغول على حلب، حيث قاموا بتخريبها بتدمير الجوامع والأسواق، ولكن الظاهر بيبرس أعد جيشاً قوياً وتمكّن من طرد المغول عن حلب مرة أخرى.

وللمرة الثالثة، قام المغول بالاستيلاء على حلب، وذلك في العام 1280، ولكن القائد المملوكي سيف الدين قلاوون جهّز قواته للرد وطرد المغول من حلب إلى ما بعد نهر الفرات.

وأخيراً في العام 1400، قام القائد المغولي تيمور لنك بغزو المدينة، ثم رحل عنها بعدما تركها خاوية على عروشها؛ لذا تعتبر تلك الفترة أقصر فترات تواجد الامبراطوريات داخل مدينة حلب.

نجح العثمانيون في تشييد امبراطورية كبرى، وكانت حلب واحدة من المدن التابعة لها بعد السيطرة عليها إبان دخول الجيوش العثمانية إلى سوريا، عقب تغلُّب السلطان العثماني سليم الأول على المماليك في معركة "مرج دابق" في العام 1516 معلناً بذلك انتهاء حقبة المماليك وبدء عهد العثمانيين.

وقد تعرَّض اقتصاد حلب إلى ضربة موجعة عقب إنشاء قناة السويس في العام 1869، والذي أثر عليها سلباً وأفقدها مكانتها حتى تدهورت رويداً رويداً، فيما انتعشت مدينة دمشق، وعاشت حلب عقب ذلك فترة من التخبط السياسي والنزاعات الداخلية التي عصفت بها مع نهاية الحرب العالمية الأولى.

قضت معاهدة سيفر( إحدى المعاهدات الموقعة عقب الحرب العالمية الأولى) بتبعية حلب إلى سوريا، وقد عارض القائد العثماني وأول رئيس لتركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك ذلك، وتمسك بضم حلب إلى الأناضول وحارب لاستقلال تركيا.

لكن في النهاية جاءت النتائج كارثية على حلب، فمع عقد معاهدة لوزان (معاهدة سلام قادت لاعتراف دولي بالدولة التركية)، تم انتزاع معظم مقاطعة حلب باستثناء حلب نفسها والاسكندرونة (تقع ضمن محافظة هاتاي التركية حالياً) وقطعت الروابط التجارية بينها وبين الأناضول، إلى أن جاءت معاهدة سايكس بيكو وقطعت حلب من كل الأوصال العثمانية.

كانت سوريا ولاية تابعةً لفرنسا منذ العام 1919 وحتى العام 1946، وقد شن السوريون تمرداً ضد الانتداب الفرنسي نتيجة للشعور القوي بالوطنية خاصةً في سوريا خلال الفترة بين ديسمبر/تشرين الأول 1919 ويوليو/تموز 1920 ولكنه باء بالفشل.

وقد قامت فرنسا بإعادة تقسيم سوريا إلى دويلات أصغر، وكانت حلب ودمشق أكبر تلك الدويلات، بالإضافة إلى ذلك، أنشأت فرنسا الأقاليم العلوية، وأخيراً تم تقسيم الأراضي السورية حتى بقيت على هيئتها هذه إلى وقتنا الحالي، ومن ثم انفصلت لبنان لتصبح ولايةً مستقلةً عن سوريا.

جرى التوقيع على معاهدة جديدة تضمن لسوريا الاستقلال؛ وجاء هذا الاستقلال عن فرنسا تدريجياً على مدى 25 عاماً، في المقابل احتفظ الفرنسيون بحق الوصول العسكري إلى سوريا، وقد اضطر السوريون للانتظار حتى العام 1946 لتحقيق الاستقلال الكامل بعد أن اضطرت بريطانيا العظمى الفرنسيين بالجلاء عنها.

سوريا ما بعد الاستقلال.. حلب مقابل دمشق

شهدت فترة ما بعد الاستقلال زيادةً حادةً في حالة التنافس على الريادة بين حلب والعاصمة دمشق، وكان السبب الحقيقي وراء ذلك هو إعراب حلب عن رغبتها في اتحاد فوري بين سوريا والعراق الهاشمية، ما تعارض مع رغبة دمشق في اتحاد سوريا مع مصر والمملكة العربية السعودية.

ولم يكتفِ هذا الاختلاف بحدوث حالة من الاحتقان بين كل من حلب ودمشق وحسب، بل أدّى إلى فصل الكتلة السورية المتحدة وولادة حزبين بمذاهب فكرية مختلفة أحدهما بدمشق وسُمي “الحزب الوطني” في العام 1946، والآخر بحلب وسُمي “حزب الشعب” في العام 1948، كما أبدت حلب رغبتها بنقل العاصمة من دمشق إلى مدينة أخرى وتركت النقاش مفتوحاً حول هذا.

شهدت سوريا أول انقلاب في الشرق الأوسط والعالم العربي في مارس/آذار 1949 بقيادة الضابط حسني الزعيم الذي اتصف بديكتاتوريته، وفتح هذا الباب الكثير من الانقلابات بعد ذلك، ففي أغسطس/آب 1949 قام سامي الحناوي بانقلابٍ مع الحزب الشعبي لتحقيق الاتحاد مع العراق، وهذا ما حرَّض على انقلابٍ آخر بقيادة أديب الشيشكلي لمنع هذا الاتحاد الذي كان على وشك أن يُعلن، لكن سرعان ما ارتخت قبضة الشيشكلي وانهارت هيمنته على البلاد في العام 1954.

إلى أن تم إعلان وتنفيذ الوحدة الوطنية بين مصر وسوريا في العام 1958 في عهد جمال عبد الناصر، لكن سرعان ما انهارت هي الأخرى بعدما قام بعض الشباب السوري بانقلاب للانفصال عن مصر.

وقد تولى الرئيس السوري السابق حافظ الأسد الحكم في العام 1970، بعدما فشلت محاولات عديدة لاستعادة الوحدة بين مصر وسوريا، وعمل على زيادة قوة الاقتصاد السوري في دمشق ما أصبح شاقاً على حلب منافستها، وبالتالي لم تعد حلب العاصمة الاقتصادية أو الثقافية لسوريا، إلى أن سُميت من قبل منظمة العلوم والثقافة الإسلامية باسم عاصمة الثقافة الإسلامية في العام 2006.

بدأت الثورة السورية في فبراير/شباط من العام 2011 ضمن موجة ثورات “الربيع العربي”، مطالبةً بمجموعة من الإصلاحات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية. وكغيرها من الثورات تمت مواجهتها بالقمع من قِبل عناصر الأمن النظامي ممّا آل إلى مقتل مجموعة من الثوار، فتغيَّرت مطالبهم إلى إسقاط نظام بشار الأسد.

ورغم تأخر حلب نسبياً في الالتحاق بركب الثورة، فإنها تحولت لاحقاً إلى ركيزةٍ كبيرةٍ في الثورة السورية، سيما بعدما نجح المعارضون السوريون في السيطرة على ريفها وأجزاءٍ واسعةٍ من المدينة نفسها في يوليو/تموز 2012.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل