المحتوى الرئيسى

أصول الفكر الإغريقي لجان بيار فرنان الأسطورة تحيل إلى الفلسفة

12/14 01:01

من ضمن سلسلة مشروع نقل المعارف وتحت إشراف الأكاديمي التونسيّ «الطاهر لبيب» صدرت ترجمة جديدة لكتاب الأنثروبولوجي والمؤرخ الفرنسيّ والأستاذ في الكوليج دو فرانس جان بيار فرنان (1914ـ2007)، «أصول الفكر الإغريقي» الصادر سنة 1962، ترجمة جمال شحّيد ومراجعة نور الدين السافي.

ترتكز أهمية موضوع الكتاب من كون حقبة صدوره قد تبعت أو تساوقت، بحدود، مع اكتشاف رُقم طينيّة جديدة تتصل بتاريخ مسينيا الإغريقيّة حوالي 1200 ق.م. تلك الرقم التي، بعد قراءتها وبحثها بحوثاً جادة ورصينة من غير عالم آثار وانثروبولوجي غربيّ (ف. م. كورنفورد مثالاً لا حصراً..)، قد وسّعت المداركَ وعدّلت في فهم التحوّلات الجذرية التي أفضت إلى نشوء مفهـــوم المدينـــة/الدولة اليــونانية polis لاحقاً إبان القرن السادس قبل الميلاد، ومدى ارتباط هذا التحوّل ببــنية الأســـطورة اليونانية القديمة ومن ثم الوصول إلى لـــغز انبثاق الفلســـفة اليونــانية زمنَ الحكماء أو كما هو معروف حقبة الفلاسفة الإيونيين.

إنّ المخيال الفلسفي الأوليّ لا يمكن فصل نشأته، بحال من الأحوال، عن تساؤلات مفهوم المدينة/ الدولة اليونانية سيما في الشق السوسيو - سياسي الذي يتصل بالترتيب الجديد للمجتمع المتكئ على هاجس تحقيق المساواة في حقبةٍ هي أيضاً حقبة التحولات من العصر البرونزي إلى العصر الحديدي في أدوات الإنتاج وتجميع الثروة. بهذا، تكون إشكاليات تكوين السياسة والاجتماع في المدينة/ الدولة اليونانية على أساس البحث في هرميات هندسية متوازنة ضمن أدوار وأنساق مدنية جديدة عاملاً مركزياً في الإحالة لاحقاً إلى العقل الفلسفي الأيوني في محاولته التعامل مع الطبيعة من منظور يحفظ هذا التوازن أو يسعى في الحد الأدنى إلى بناء تساؤلات عنه أو عن مصادرة في ماهية الانبثاق الأول.

تتأسّس فكرة الطرح المتوسّع ذاك على دراسة مجمل البنى الاقتصادية والسوسيولوجية وأنماط توزّع السلطة التي أدت إلى نشوء تلك المدينة/ الدولة بعد سقوط ميسينيا بقرون عدة. ونعني الانتباه إلى الفروق الجذرية بين أنماط السلطة والاجتماع في مسينيا قبل سقوطها إثر غزو الدوريين من جهة وبين أنماط السلطة والاجتماع في المدينة/ الدولة اليونانيّة على وجه التحديد. فالتحوّل الجذريّ من ذلك النمط السلطويّ المتمحور حول الملك (anax) صاحب السلطة المطلقة في مسينيا إلى نظام الأغورا (الساحة العامة) المتمحور حول حلّ إشكالية المساواة بين أفراد المجتمع، بعد أربعة قرون هي قرونٌ كانت بمثابة قطع تاريخي.. هو تحوّلٌ يحيل إلى فكرة تبدّلات جذرية في أنماط الإنتاج ووسائلها وفي فكرة الانقطاع المرحليّ للإغريق عموماً بعد الغزو عن تلك الصلات التثاقفية أو الاقتباسية التي كان الميسينيون يتناظرون بها، بحدود، مع حضارات المشرق المتاخمة.

في إشكالية نشوء الفلسفة الإيونية/ الطبيعانية (الفلاسفة الفيزيائيون)، لا يميل صاحب (l›univers, les dieux, les hommes:recits grecs des origines, 2009)، إلى فكرة الإبداع الفجائيّ لعقول يونانية فذة في تكون التساؤلات الفلسفية الأولى حول الخلق والطبيعة والإنسان بل ينحاز بوضوح إلى فكرة التأسيس. هذا التأسيس الذي لعبت بنية الأسطورة اليونانية القديمة عبره دوراً جلياً في تكون التساؤلات الفلسفية الأولى. ونعني فكرة أن الأسطورة (هومبروس، هزيود..) في بنيتها وتراكيبها ساهمت بشكل واضح في تكوّن المخيال الفلسفي التجريدي لدى هؤلاء الفلاسفة سيما في الأساطير المؤسسة التي تحيل في عمقها إلى القوة والقدرة المطلقة، وإلى مفهوم كيفيات التصرّف بالطبيعة وترتيب عناصر الكون. وعندما تحررت المروية (الأسطورية) من الممارسة الشعائرية التي شكلت في البداية تفسيرها الشفهي، استطاعت أن تأخذ طابعاً غير مغرض وأكثر استقلالية.

واستطاعت في بعض جوانبها أن تحضّر لعمل الفيلسوف وأن تستشفه. في بعض المقاطع التي كتبها هزيود، يظهر النظام الكونيّ منفصلاً عن الوظيفة الملكية ومتحرراً من كل صلة بالشعائر. عندئد طرحت مشكلة نشأته بشكل أكثر استقلالية. ولم يوصف بزوغ العالم بكلمات باهرة، بل كأنه عملية توليد حققتها قوى يشير اسمها بشكل مباشر إلى حقائق فيزيولوجية: السماء، الأرض، البحر، النور، الليل، إلخ» (ص 149).

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل