المحتوى الرئيسى

مهرجان مراكش يتوّج أفلاماً صينية تذكر بالواقعية الإيطالية

12/14 01:01

ماذا خلف الواجهة البراقة للصين كقوة عظمى؟

توّج «مهرجان مراكش» في دورته السادسة عشرة فيلمين صينيين قويين يشرحان ذلك بشفرة السكين. وهكذا حصل فيلم «المتبرّع» للمخرج زونك كيوو على الجائزة الكبرى واستحق المخرج وانغ كسييبو عن فيلم «سكين في مياه صافية» جائزة أحسن إخراج. بينما آلت جائزة أحسن أداء نسائي للممثلة فارشته حسيني عن فيلم «رحيل» للأفغاني نفيد محمودي وجائزة أفضل أداء للممثلين المراهقين إينارسن وبلاير هينيريكسن عن فيلم «قلب من حجر» للمخرج كودموندور أرنار كودموندسون من إيسلندا. أما جائزة لجنة التحكيم فنالها الفيلم النمساوي الإيطالي «مستر انفيرسو» للمخرجين تيزا كوفي وراينر فريمل.

كانت لجنة التحكيم منصفة بينما كان هناك تخوّف من تتويج فيلم شاركت فرنسا في إنتاجه. خاصة أن فرنسا شاركت في إنتاج خمسة من ضمن أربعة عشر فيلماً عرضت في المسابقة. الجديد هذا العام أنه بسبب عدم وجود فيلم مغربي في المسابقة لنقده.

من حسن الحظ أنه في النصف الثاني من فعاليات المهرجان استنزف الخطاب الهامشي نفسه وصارت المنابر الإعلامية تطلب خطاباً نقدياً راقياً عن الأفلام، أي تحليلاً لما يظهر على الشاشة وليس لما يجري في أروقة الفنادق.

يكشف فيلم «المُتبرع» حقيقة مدينة صينية عملاقة، حيث لم تثمر الاشتراكية عدالة اجتماعية، لذا تمتص الأوليغارشية دم البروليتاريا. يرصد المخرج المهووس باللقطة المشهد ما يجري بوضع كاميرته في رافعة لترصد المشهد من فوق، تظهر مساكن الفقراء كثقوب النمل وتظهر مساكن الأغنياء تناطح السحاب... يمرّ على أكواخ الفقراء ثمانمئة قطار في اليوم وتصير حياتهم جحيماً، لكنهم صابرون لطوفان التحولات... الدراجات تتراجع والسيارات تتزايد. المكان مشحون بالدلالة حتى أن الجزء البراق في الشابة التي تكسب جيداً هو سروالها الذي يعكس الضوء... يبدو أن الممثل الرئيسي ولد ليؤدي الدور بسلاسة وصمت ونظرات تصرخ في وجه المتفرّج وتوجعه...

يتناول الفيلم قصة التبرع بكلية أو بيعها، تتقدم خطوط الفيلم في اتجاه واحد بخلاف ما في فيلم «المراسل» لمخرجه أدريان سيتارو من رومانيا وفرنسا. وفيه بطل الفيلم يراقب ابنه يسبح، بطل الفيلم يخاصم صديقته، بطل الفيلم يحقق في دعارة في رومانيا. ثلاثة خطوط منفصلة. في «المتبرّع» ضفرت حياة وعمل ومغامرة بطل الفيلم في خط واحد يغذّي بعضها بعضاً.

الأصعب والأهم أنه النصف الثاني لفيلم «المتبرّع» يدفع المخرج السرد الموجع نحو مرتفعات أعلى... لذلك لا ينزل الإيقاع بتناول حدث مستهلك، بل إن النصف الثاني من الفيلم أقوى من نصفه الأول؛ وهذا نادر. لقد باع الرجل كليته وفشلت العملية ويريد الملياردير شراء كلية ابن البائع وهو مراهق يحلم بالدراسة في أميركا... يوفر الفقراء قطع غيار رخيصة لتجديد صحة الأغنياء. يريد ممثل الأوليغارشية أن ينقذ شمسه بدفن شمس البروليتاري. إنها الأنانية بلا نهاية. لم تعد الأفلام الحالية تكتب النهاية لأن الجنريك يظهر بينما البطل ما زال على حاله.

من جهته يكشف فيلم «سكين في مياه صافية» الحقيقة في الصين العميقة بعيداً عن البحر والصناعة، يكشف ما يجري في منطقة ريفية فقيرة نائية، حيث يناضل البشر ضد الطبيعة لكسب رزقهم... هناك يظهر بوضوح أن شبح الجوع ليس بعيداً...

تموت الفَلاحة الفقيرة من دون أن تنتعل الحذاء الذي اشترته، حينها يعيش زوجها الفراق والفقدان... يفهم حياته من موتها، لقد عاشت طيلة حياتها تكدح ولم تطلب قط شيئاً وقد آن أوان تكريمها... قرر ابنها ذبح الثور العجوز الذي ما عاد قادراً على جر المحراث... ينزعج الأب لفكرة الذبح لأن الثور كائن سماوي، هنا يظهر أثر البوذية في الحياة الاجتماعية لمسلمي الصين... في الفيلم مشاهد أنتروبولوجية زائدة تهدد بنقله من التخييلي إلى الوثائقي.

يلتقط الفيلم البؤس والألم في كادرات صامتة وموجعة... ومن جديد تظهر مهارة المخرج الصيني في إدارة الممثل الذي يعبر عن أزمته بصمته ونظراته أكثر مما يعبر بكلامه.

في فيلم «قلب من حجر» يتفرّغ المراهق لمشاكل مختلفة عن تلك التي تواجه المراهق الصيني الذي يريد بيع كليته كأبيه، لكي يدفع تكاليف دراسته في الدولة الاشتراكية. المراهق الاسلندي متفرّغ لاكتشاف أهوائه في لحظة حساسة هي لحظة انتقال للشباب. مرحلة خطرة يمكن أن تتسبب بجروح لا تشفى... هنا عادة ما يصطاد سيئو الحظ ضفادع البحر... يتأمل المراهق بشوق وقلق الزغب الذي ينمو في أماكن عدة من جسده، يعيش صلة عاطفية حميمية، علاقة كثيفة تخشى الفراق والفقدان. يفتقدها الإنسان يعد سن العشرين، أو على الأقل تبرد. فيلم حميمي قاربه المخرج بطريقة مركبة.

جرى التصوير في فضاء مغلق مما سمح للمخرج بمحاصرة شخصياته واقتحام عالمها. تلتقط الكاميرا اللحظات الحميمية وإرهاق الشوق... كاميرا يقف خلفها مخرج يعرف لغة الجسد ويدير الممثلين بمهارة بشكل منسجم طيلة مراحل الفيلم الذي يمتدّ ساعتين وتسع دقائق.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل