المحتوى الرئيسى

وما حلب إلا كغيرها

12/13 19:10

"سقطت حلب"، هكذا تتابعت الأخبار على مدى الليل الطويل، سقطت تلك المناطق التي أعلنت المعارضة سابقاً سيطرتها عليها، سقطت حلب المحررة عند ثوارها في يد الأسد وأعوانه وجنوده، إلا أنها لم تسقط كأرض فقط؛ بل دارت جنود الأسد تنتقم من كل كائن حي على أرضها، ولم يشفع عندهم صغر سن أطفالها، وكأنهم يعلنون للعالم أجمع أننا لن نذر للبشر ذرية هاهنا.

داروا يقتلون الرجال والنساء والأطفال، بإعدامات مباشرة في الشوارع والبيوت، أو بقصف شديد على سماء حلب الضائعة.

ليست تلك المرة الأولى التي نسمع أو نقرأ فيها عن سقوط مدينة ما؛ بل ربما ما فتئ التاريخ يذكرنا بالسقوط المستمر لمدننا وقرانا.

سقطت حلب كما سقطت بغداد والموصل من قبل ليس مرة، بل مرات على مدى التاريخ.

سقطت حلب كما سقطت عسقلان وأنطاكية والرها وعكا والقدس.

سقطت حلب كما سقطت غرناطة وقرطبة والقيروان، وكما سقطت القاهرة والإسكندرية من قبل.

سقطت حلب ونحن نتابع سقوطها، وكلمات شهدائها الأخيرة، نتابعها دقيقة بدقيقة، ولحظة بلحظة، تستمع لكلمات أهلها بأذنيك، وتشاهد تسجيلاتهم بعينيك، ربما هذا هو الاختلاف الأكبر عن كل سقوط سابق قبلها.

لم يعد خبر السقوط يصلك بعد أسابيع وأشهر عليه، بل أصبحنا نعيشه عاجزين عن حتى مجرد الدعاء أحياناً، تعيشه بقهره وألمه وظلمه، وتعود لتمارس حياتك بعدها من جديد.

ربما أراد الله لنا أن نعيش فترة الضعف والقهر والعجز الحالية، لا نعلم لماذا وربما لن نعلم، ربما يكون أكثر المشاعر سوءاً هو الشعور بالعجز، أنت عاجز عن القيام بأي فعل، أو رد فعل، تتابع القتل والتعذيب والظلم بشكل يومي، دون أن تملك من الأمر شيئاً، تدعو الله أن يزيل الغمة، وأنت تعلم أن الدعاء وحده لن يزيلها، وأنه مع الدعاء لا بد من عمل، ولكن ما العمل؟! لم تعد تدري.

نحن جيل صعد بأمانيه يوماً إلى السماء، ولم يمضِ عام حتى تحطمت أمانيه كلها على صخور الواقع المؤلم، ولم يعد بإمكانه أن يجمع شتاتها من جديد.

جيل اعتقد يوماً أنه قام بما يمكنه أن يقوم به، قام بثورة على الظلم المحيط به من كل جانب؛ لينتهي الأمر به ما بين قتيل ومعتقل وهارب بين البلاد.

جيل ربما أصبح يحمل من مشاعر اليأس قدراً أكبر مما حملته أجيال سابقة له، يأس لم يعد معه يعلم أين الطريق من جديد.

أؤمن أن الله لم يجعل أحدنا في مكان ما على هذه الأرض عبثاً، وأن كل منا لديه ثغر ما عليه أن يكتشفه ويقف عليه، أؤمن أن مرد الأمر في النهاية هو رضا الله عنا، فإن كانت النهاية على هذا فبها ونعمت، ولا يطمع المرء في أكثر من ذلك.

نعم علينا أن نسعى، ونجتهد أن نعمر هذه الأرض التي جعلنا الله خلفاء عليها، أن نسعى لإقامة عدله فيها، وأن نسير على هذا الطريق كما سار عليه من قبلنا.

نسعى ولا ننتظر أن نرى نتيجة سعينا هذا، بل نسير إلى ما أمرنا الله به، ندعوه أن يكون عملنا ما فيه مرضاته، وإن مِتنا أو قُتلنا على هذا فبها ونعمت.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل