المحتوى الرئيسى

أسامة المصري يكتب: كيف تم خداع الثورة بفكرة تسليحها؟! | ساسة بوست

12/13 12:52

منذ 1 دقيقة، 13 ديسمبر,2016

الثورة السورية العظيمة المباركة النبيلة والشجاعة، ثورةٌ بثوراتِ الربيع العربي برمته، هي الفاصلة الكاشفة والفاضحة في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ما من أحدٍ يستطيعُ إنكارَ أن شعبية الثورة السورية قد سرقت وسلبت، وتحولت لساحةِ حربٍ ونزاع بين الدول على النطاق القومي والدولي والإقليمي.

انتُزعَت الثورة السورية من أيدي أصحابها الحقيقيين، وباتت تحت رحمة التنظيمات المتطرفة والجهادية والطائفية والميليشيات المسلحة، وطوعًا لأجنداتها وأيديولوجياتها، التي لا تمتّ بصلة لا من قريب ولا من بعيد لما ثار الشعب السوري من أجله.

منذ دخول المتشددين في أواخر عام 2011م إلى المناطق الثائرة تحت مسمى «نصرة الشعب السوري» وإطلاق سراح آخرين من سجن صيدنايا وغيره من السجون، لطالما تم التحذير من خطورة حدوث هذا الأمر، ومن تشويه الثورة السورية باسم «الثورة» دون غيره، ولطالما رُفعت الأصوات عاليًا، أمام السوريين وفي الأوساط الغربية الأوروبية والأمريكية، منبهين من حدوث هذا التحول الخطير من «ثورة شعبية» إلى «حرب أيديولوجية ذات ملامح طائفية».

كتب خبراء وقالوا، وشرح مختصون وحاضروا وحاوروا كثيرًا منذ بدايات الثورة السورية، كي ينبهوا كل من التقوهم من الأطراف المعنية بالثورة السورية من نتائج تحولٍ كهذا، إلا أن كل محاولاتهم باءت بالفشل.

ذهبت أصواتهم ونداءاتهم أدراج الرياح طوال الشهور الماضية برمتها، لم يكن أحد جاهزًا للإصغاء وللتفكير بجدية في وجهة النظر التنبيهية المذكورة، الكل كان منهمكًا في كيفية دعم ممثلي الثورة وأجسادها المعارضة التي تشكلت في الخارج، وفي تأمين العتاد السياسي واللوجستي والمالي لها، كي تنجح في حربها ضد النظام المجرم.

أما المعارضة الخارجية، والتي كنا نعوّل على دورها القيادي والفاعل في رعاية الثورة ونجاحها، بحكم قدرتها على الحراك والعمل بحرية لوجودها خارجَ إطارِ سيطرةِ النظام الداخلية، فقد تلهّت في صراعاتها الداخلية وانقساماتها ومحاباتها، لدرجة التزلف للتركي والخليجي والأوروبي والأمريكي، وبعد أن شاركت في صناعة الحرب في سوريا، راحت تتلهى بربط مصيرها ومصيرنا جميعًا بها دون سواها.

كيف وصلنا إلى هنا؟! كيف تحولت الثورة الشعبية الحرة الشجاعة النبيلة والتاريخية إلى حرب إبادة شعواء انتقامية تدميرية، مَن حوَّلها إلى هذا؛ من استفاد ويستفيد من تحولها هذا؟ من يصرّ على تصويرها على أنها حرب أهلية طائفية؟

يعيدنا الجواب على تلك الأسئلة شهورًا للوراء، ويدفعنا إلى تتبع إرهاصات الأحداث والخطابات والقراءات المختلفة التي قدمها أطراف النزاع ومؤيدوهم على الجانبين للثورة، سأتتبع بشكل خاص بعض الإرهاصات المتعلقة بتحول الثورة من مرحلة (التظاهر السلمي) إلى مرحلة (التسلّح لحماية الثورة من جرائم عصابات الشبيحة وميليشيا النظام الطائفية) وكيف تم الإصرار على تصويرها أنها حرب أهلية بين طوائف.

بدأت الثورة السورية حراكًا شعبيًا سلميًا بحتًا واستطاعت أن تحافظ على هذه الهوية شهورًا عديدة، كانت أطول بكثير مما توقعه النظام، وبالرغم من إصرارنا جميعًا على أنَّ التغيير الذي أحدثته الثورة وقتها في بنية النظام وتركيبة الدولة في سوريا لم يصل عندها إلى الدرجة المرجوة من الثورة، إلا أن علينا أن نعترف أنَّ الثورة بحراكها الشعبي السلمي، وقدرتها على جمع كافة أطياف المجموع السوري وتياراته الفكرية والثقافية والأيديولوجية والسياسية، ومختلف أطيافه الاجتماعية، استطاعت أن تدفع النظام إلى تقديم تنازلات معينة لم يكن بواردٍ تقديمها ولا بشكل من الأشكال في أي يوم من الأيام.

ارتعب النظام كثيرًا من طبيعة الحراك السوري وشموليته وعمقه الجغرافي والديموغرافي والسوسيولوجي، وأدرك أن استمرار الحراك السلمي الشعبي سيلفت أنظار العالم المناهض والمناصر له على حد سواء، وسيجعلهم يطالبونه بالرضوخ لمطالب تلك الثورة المدنية بامتياز والخضوع لتأثيرها.

أستطيع القول إن الشهور الثمانية الأولى من عمر الثورة كانت الشهور التي تمتعت فيها الثورة بقوة هائلة، وقدرة تغيير أفعل وأشد تهديدًا لصورة النظام وتأثيره أمام العالم من كل المعارك والحروب الشعواء التي تجري اليوم.

أدرك النظام هذا الخطر وقرر أن يعمل جاهدًا على تغيير طبيعة الثورة، بتحويلها إلى ما يستطيع أن يتعامل معه، وإلى ما يعتقد النظام موقنًا أنه يستطيع التغلب عليه وتحطيمه، كانت هذه بداية عملية عسكرة الثورة بهدف تحويلها إلى صراع مسلح مفتوح على كل النتائج والاحتمالات؛ انطلاقًا من رهان النظام على أنه بعسكرة الثورة سيتمكن من تفريغها من خزانها الشعبي المدني، فهو يعلم أن الشعب السوري لم يخرج إلى الشوارع كي يقاتل بعضه البعض، بل كي يغير المنظومة السياسية سلميًا، وسيتمكن أيضًا من توريط الجناح العسكري المقاتل ـ الجيش والقوات المسلحة ـ في المعركة؛ حارمًا سوريا من ميزة الثورة المصرية واليمنية والتونسية، ألا وهي بقاء الجيش على الحياد ووقوفه على مسافة واحدة من طرفي المواجهة.

هذا ما دأب النظام على فعله منذ تلك اللحظة، بدأت عصابات الشبيحة تملأ الشوارع وتستفز المواطنين وتنتهك أعراضهم، وبدأت أجهزة المخابرات تطلق سريًا سراح العديد من المجرمين والإرهابيين وتدعهم يعملون في الفضاء السوري، معظمهم خرج من السجون بموجب قوانين العفو التي أصدرها الأسد تباعًا.

الأخطر من هذا هو أنَّ بعض أطراف المعارضة، وبعض الأطراف الخارجية الداعمة للثورة، تلقفت لعبة العسكرة وراهنت بدورها على أن الدخول في معركة مسلحة مع النظام هو السبيل لإسقاطه، بدأت تتواتر في تلك الفترة أخبار انشقاقات العديد من الجنود والضباط من الجيش، خُيّل لبعض الأطراف وقتها بأن هذا مؤشر على بداية تحول أطراف بنيوية من الجيش نحو الثورة، ما يعني برأي تلك الأطراف أن عسكرة الصراع بالاعتماد على تلك القوى المنشقة سيسرِّع في سقوط النظام، وسيقلب موازين منظومة السلطة الأضيق من داخلها، بحكم الهوية العسكرية والأمنية للعديد من مفاصل النظام.

وُجِدَ بين المعارضين السوريين من استطاع وقتها إقناع الجميع بأنَّه يمكن قلب خطة عسكرة الثورة التي استغلها النظام لصالحه، بأن تقوم تركيا ودول الخليج والغرب بدعم الجنود والضباط المنشقين بالعتاد والسلاح، ومساعدتهم على تشكيل فصائل مقاتلة داخل سوريا من الشباب الثائر لحماية المدنيين من بطش النظام المجرم، لعب المؤيدون للثورة على وتر العسكرة بقوة، فاللبنانيون والخليجيون والأتراك، المؤيدون للثورة، عملوا على مد الثوار بالسلاح والعتاد، لا بل والمقاتلين ببعض المناطق، والمؤيدون للنظام عملوا أيضًا على مده بالسلاح والعتاد والمقاتلين، لتزداد جرائم النظام بشكل أكبر بحجة أن الثورة مسلّحة وتم الترويج لها أنها حرب طائفية تارةً وتدخلات خارجية تارة أخرى.

استفاد النظام من تلك العسكرة، ونجح من إفراغ الثورة من خزانها المدني الشعبي، لم ينشق الكثير من قوات الجيش الفاعلة والمحورية كما كان متوقعًا من المعارضة، بل دخل الجيش بفضل تلك العسكرة طرفًا واضحًا إلى جانب النظام في الصراع، تم خلق كتائب مسلحة مقاتلة من كل حدب وصوب وتحت أجندات مختلفة ومتناقضة، غرقت سوريا في فوضى السلاح والتسلح واختنقت الثورة بلعبة العسكرة، التي استغلها النظام ببراعة وتلقفها وانخرط فيها الثوار وبعض الأطراف الثورية بغباء وقصر نظر.

كان نجاح النظام في استغلال انطلاق ركائز الجيش السوري الحر إحدى دعائم بقائه حتى اليوم على قيد الحياة، ونجاحه في تحشيد رأي عام عالمي معتبر (روسي وصيني وحتى أمريكي لاتيني) يقول معه إنّ ما يحصل في سوريا ليس بالثورة بل بالحرب والمؤامرة المسلحة، لا بل ونجح النظام بتجييش أصوات مدنية علمانية ودينية وسياسية ومجتمعية وثقافية، من الداخل والخارج من السوريين الوطنيين، كي تنقل للرأي العام العالمي خطاب النظام عن المؤامرة العسكرية ضد سوريا، وجداله بأن ما يحصل في سوريا هو حرب مسلحة دموية ضد الشعب وضد سوريا وليس ضد النظام.

ادَّعت أبواق النظام أنَّ تلك المؤامرة لم تنجح سوى في تعطيل الإصلاح المزعوم، وفي منع النظام من إجراء التغيير السياسي الذي يتوق له الشعب، بتنا نسمع رجال دين مسيحيين ومسلمين من سوريا، ومن لبنان، يسوّقون هذا الخطاب داعمين إياه ببرهان واحد، لم يعد أحد قادرًا على نفيه، ألا وهو أن هناك عسكرة للحراك السوري وصراعًا مسلحًا يجري في شوارع سوريا، لأول مرة في حياتي أرى رجال دين مسيحيين ومسلمين ولبنانيين يتفقون ويسوقون خطابًا سياسيًا واحدًا عن سوريا وعن مستقبل المسيحيين الأسود فيها بسبب النزاع المسلح، أطربَ هذا الخطاب أذني النظام جدًا وزاده فرحًا وثقةً بانتصاره في النزاع، وخروجه منه سالمًا، رؤيته للمعارضة السورية الخارجية تمعن في التهام طبق العسكرة، الذي طبخ وقدم لهم.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل