المحتوى الرئيسى

إنهم يفضلون الكوكتيل

12/12 19:00

الكوكتيل اسم يطلق غالباً على عصير الفواكه عندما نأخذ عدة ثمار من فواكه مختلفة ثم نضعها في جهاز الخلاط الكهربائي؛ لينتج لنا هذا المشروب الشهير، بينما في حالة أخرى يمكننا تقطيع أجزاء من هذه الثمار ووضعها معاً لتشكل طبقاً يسمى سلطة الفواكه، وهكذا نحن في حياتنا، بعضنا يرضى بأن يكون أحد مكونات الكوكتيل، بيننا يصر البعض على أن يظل جزءاً من مكونات سلطة الفواكه، وفارق كبير بين الاثنين في الكوكتيل، يفقد الجميع صفاته، يتخلى الكل عن مقوماته، فلا رائحة مميزة أو طعم محدد، الجميع يذوب وينصهر؛ ليشكل منتجاً ذا طعم واحد مموه لا مميز أو محدد، أما سلطة الفواكه فلكل مكون صفاته من مذاق ورائحة وشكل وقوام.

في كل الأحوال هناك اختلافات جمة بين البشر، كل له مقوماته التي بها يكون شخصيته وتكوينه المنفرد المميز غير المتشابه على الإطلاق، يجب أن يحافظ كل فرد على هذه التركيبة الفريدة، ولا يقبل أن يذوب في تكوينة جماعية ليس منها فائدة إلا ملء فراغ بأشباهه، وهذا نجده في حياتنا اليومية في جميع مناحيها كتلة توجد وتتحرك في أي اتجاه لا تعرف لها بُعداً ولا ترى بها عمقاً.

أيضاً يجب علينا تقبل فكرة التنوع، فعندما نقبل ونشجع فكرة التميز الفردي والتنوع الشخصي سنجد أنفسنا كيانات قوية بها كل الآراء، واتجاهات تضم باقة من الألوان وتشكيلة من الآراء.

الذين يفضلون الكوكتيل في الغالب لا ينجحون، وهذا المثال رغم بساطته، فإنه يقودنا إلى اثنتين من أهم القيم المجتمعية التي يجب أن تكون أصيلة في بنيانا المجتمعي؛ القيمة الأولى هي التفرد، وهي ما يجب أن نحرص عليه جميعاً، فيجب أن يكون لكل منا مفرداته من الرأي والفكرة، بل ومن الاتجاه والأسلوب، وهذا لا يكون إلا بدوام البحث والعلم أيضاً، لن يكون إلا بامتلاك عقل نقدي يبحث عن الحقيقة ويقبل التطوير، وهذا التفرد صنو للتميز، مما يعطينا أهم وأعلى الصفات الإنسانية، ألا وهي الحضور.

إن تخلِّينا عن صفة التفرد والتميز سيجعلنا إما جزءاً من كم لا قيمة له عند صديق أو عدو، أو يجعلنا أصحاب رأي غير موضوعي لا يستند إلى منطق، ولا يرتكز إلى حقيقة، وفي كلا الأمرين نحن نسلب أنفسنا سبب الوجود وعلة البقاء.

القيمة الثانية التي نجدها في مثالنا اليوم هي قبول التنوع، وهذه القيمة أجدها لازمة من لوازم رقي المجتمع وتطور الأمم، ولا تكون قيمة التنوع ذات معنى بمجرد قبول الآخر ومعايشته، بل هي تعني تشجيع وتحفيز اختلاف الآراء وتنوع الأساليب، والعمل على زيادة التنوعات المجتمعية.

وهنا نجد مثالاً يوضح لنا مدى الفرق الشاسع بين ادعاء قبول الآخر والتنوع، وبين حقيقة العمل به، وهو مثال فهمنا وتطبيقنا للديمقراطية، فالكثير من النظم لا يرى سوى أنها حكم لغالبية جاءت بأمر صندوق انتخابي، وهذا خطأ يتجاوز الجرم، فما معنى أن أعطي الفائز بفارق كل المكتسبات، وأهدر حقاً وحقوقاً لمن أعده خاسراً، وكل هذا نتيجة فارق عددي.

إن العدالة الحقيقية هي تحافظ على صوت الأقلية وحقها ومتطلباتها أكثر من أن تهتم بمكتسبات الأغلبية، هذا الأمر مهم جداً لا يجب أن يكون الآخر كثيفاً حتى أقبله، ولا عنيفاً حتى أرضاه، إن فكرة قبول الآخر تتجاوز الأفق الضيق بالموافقة على حياته إلى العمل على دعمه وتمكينه، وأن الأمة التي تسطو بأغلبيتها وتقمع بكثرتها لهي أمة ظالمة، قريب زوالها، وعاجل اندثارها.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل