قررت أن أؤمن بالإنسانية وصديقتي لم تستوعب!
مشاركة من صديق (إرفع صوتك) حمزة اليوسفي:
الأفكار وَلاّدة والمولود دائماً ما ينمو ويكبر حتى ينضج ويصبح يافعا شابا يرى ما لم يكن يراه قبل نضجه. يكون التبول والتبرز لدى المولود لا إرادياً، وكذا حركاته لا يتحكم بها. يتعرف على أمه من خلال الرائحة، ولا يرى جيداً في هذه الفترة، وحاسة السمع ضعيفة نسبياً، إلى أن يكبر تدريجيا ويختلف كلّ شيء. فالأفكار مثل المولود تماماً، إلا أنّ الأفكار لا تموت، بل تبقى حية ما دام منبعها قلبٌ صادق.
صديقتي لم تتقبل فكرة أنني ولدت في بيئة متصوفة ثم اعتنقت الفكر السلفي عن اقتناع تام وصرت طالبا يشار إليه بالبنان، حتى تدرجت في مختلف فرق ونحل السلفية اللهم إلا المدخلية منها، إلى أن أكرمني الله باعتناق الإنسانية التي صرت أعتبرها غاية ومقصدا خُلق الناس كافة من أجلها.
صديقتي الجميلة والتي تعزّني وأعزّها لم تستوعب بعدُ هذا التغير المفاجئ وهذه الانتكاسة الصادمة، حتى وإن طال بها الأمد لسنين طوال. لم تستوعب بعدُ أنّ الأفكار كالمولود الرضيع كلّما شَرب وأكَل ما يناسبه وتم الإعتناء به جيدا يَنْمو ويَكْبُر ويَنْضج. الأفكار تتغدى بالمنهج الذي يعتمد على الانفتاح على ما هو مخالف لما تربيت عليه ومخالف لبيئتك التي نشأت فيها.
الأفكار صديقتي تتطور بالتحرر من الأغلال.. والأصنام.. والأجداد.. والأسلاف.. والتقاليد.. والمجتمع وحماقته، ومن كل ما يضيق خيالك الواسع. باختصار، الأفكار تحتاج إلى رحمة الخيال الواسع.
صحيح أنّ الأفكار تحتاج إلى الحرّية لكنها بحاجة إلى شجاعة من يحملها. وأنا أتحدث لصديقتي عن هذا، أردت أن أحدثها عن اليهودية والمسيحية. أردت أن أحدثها عن البوذية وعن غاوتاما بودا. أردت أن أحدثها عن الهندوسية وأنّ الهندوس لا يصلون للبقرة ولكنهم يعتبرون أن كل المخلوقات وكل ما فيه حياة أمرا مقدسا. أردت أن أحدثها عن فيداس وأبانشايدس وبوراناس إلى جانب غيتا. أردت أن أحدثها عن الكنائس وجماليتها، والصوامع وبنيانها، والمعابد ورحمتها، والبيع والصلوات والمساجد التي يذكر فيها اسم الله.
وفي الحقيقة وجدتُ نفسي أحدثها عن الإنسان بكلّ تفاصيله، صديقتي خافتْ وَجلَتْ، ما هذا، هل ألحدت يا هذا؟ صديقتي تغيّرت نبرتها لأنها لا تعاملني كإنسان. صديقتي تعاملني كمسلم وهنا الفرق الذي لم تستوعبه بعدُ. صديقتي بصوت حاد، مالَك، ما الذي جرى لك؟ صديقتي تقول لي وهي غاضبة، أنت انحرفت، كفرت، ألحدت، تزندقت.
وأنا بدوري مبتسم ومبتهج لأنّ صديقتي لم تجاملني وهو نوع من التصالح مع الذات، ولأني تعودت على تلكم الهجمات التي تلقيتها منذ أن اتخذت قراري بالبوح عن أفكاري التي اعتبرتها صديقتي زندقة وإلحاد. صديقتي مرة أخرى غاضبة، ما الذي قررته؟ الكفر.. الزندقة.. الانحلال.. الانتكاسة؟ أجبتها بهدوء، قررت أن أؤمن بأن الإنسان فوق كل شيء. قررت أن أؤمن بالإختلاف والتعايش. قررت أن أحب وأن أسامح وأن أعفو وأن أعيش. قررت أن أؤمن بالموسيقى كغداء للروح كعلاج للأزمات النفسية.
قررت أن أستشعر الجمال رباني في أديانه، في كتبه، في القرآن، في الكتاب المقدس العهد القديم والجديد، في كتب باقي الأديان مثل الفيدا، والحقائق الأربعة النبيلة وغيرها. قررت أن أحب محمد ورحمته، وعيسى وحبه، وعلي وشجاعته، وعمر وعدله.
قررت أن أحبّ العظماء والحكماء، قررت أن أحبّ جون موير القائل: “قوة التخيل تجعلنا خالدين”. قررت أن أحبّ ويليام شكسبير وألبرت آينشتاين ونيتشه وسقراط وأفلاطون ومانديلا وجي جيفارا والإمام ابن حزم والفارابي وابن سينا والحلاج وابن رشد والحاحظ والكندي والمعري والرازي والتوحيدي وابن عربي وغيلان الدمشقي وغيرهم من عظماء الدنيا.
قررت أن أرى جمالية الله في مخلوقاته، في الطبيعة، في البحر، في الرسم، في الموسيقى، في إنسانية أنجلينا جولي، في صوت وجمال جوليا بطرس، في صوت وانسانية فيروز، في جمال فايا يونان، في رونق وجمال لينا شماميان، في إبداع بانديراس أنطونيو، في روائع ويتني هيوستن، في ابداع وحماقة ويل سميث، في صوت عقيل وبلال وحسني وخالد وعبد الرحمن. قررت أن أرى الجمال في كل شيء. باختصار قررت التصالح مع الذات.
قررت أن أؤمن بأنّ الرّوح نفخة من عند الإله وأيّ طريق سلكه الإنسان بتلك الروح يبتغي به وجه الخالق تقبله ورحمه وأدخله جنته، وإن شابه نوع من الانحراف، أو اللاعقلانية واللامنطقية. المهم أنه محب صادق والإنسانية غايته.
عن الكاتب: حمزة اليوسفي من المغرب، باحث ومدير نشر موقع (عاجل نيوز ) وسلفي سابقا.
لمتابعة حمزة اليوسفي على فيسبوك إضغط هنا.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.
أطلقت حملة “إرفع صوتك” بهدف تشجيع الشباب في الشرق الأوسط على أن يكونوا جزءاً من النقاش الدائر حول مواضيع التطرف والأسباب التي أدت الى ظهور الإرهاب. ففي وقتٍ تستمر وسائلُ إعلامٍ مختلفة بعكس اهتمامات ومصالح سياسية وإثنية معينة، أوجدت فروع شبكة الشرق الأوسط للإرسال (قناة “الحرة” وراديو “سوا” والقسم الرقمي للشبكة) لنفسها مصداقية مهنية مهمة وسط أجواء الانحياز التي تعمل فيها وسائل إعلام مختلفة، وذلك بتقديم الأخبار والمعلومات الدقيقة والموزونة.
بقلم إلسي مِلكونيان: مع ازدياد موجات اللاجئين السوريين الفارين من أتون الحرب في بلادهم منذ 2011،...المزيد
متابعة إلسي مِلكونيان: أعلن مسؤول أميركي في وزارة الدفاع الخميس، 8 كانون الأول/ديسمبر، أن التحالف...المزيد
بقلم حسن عبّاس: لماذا ينجذب بعض الشباب العرب إلى التنظيمات المتطرّفة؟ سؤال يشغل بال كثيرين...المزيد
مشاركة من صديقة (إرفع صوتك) د. نهى الدرويش: أمام امنياتنا الإنسانية الحالمة لسكان المناطق المحررة من...المزيد
متابعة إلسي مِلكونيان: أعلنت السلطات العراقية الخميس، 8 كانون الأول/ديسمبر، أن سلاح الجو العراقي وجه...المزيد
متابعة حسن عبّاس: أعلن مسؤول أميركي أن وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف...المزيد
بقلم محمد الدليمي: “أخطر شيء الآن هو أنّ الجيل الحالي يفضل أن يموت غرقاً”، هكذا يصف الكاتب...تابع القراءة
Comments