المحتوى الرئيسى

د. الحملاوى صالح  يكتب: هل الصداقة مهمة؟ | الفيومية

12/10 19:59

الرئيسيه » رأي » د. الحملاوى صالح  يكتب: هل الصداقة مهمة؟

لماذا نحن بحاجة إلى الأصدقاء?  يقول  ماسلو , عالم نفسى اجتماعى، أمريكى  (1908-1970), “أنه نشأ وحيدا بين الكتب وفي المكتبات، ولم يكن له أصدقاء على الإطلاق!” ، ويذكر ماسلو فى ما سمى بـ “هرم ماسلو للحاجات”: أن الإنسان بعد أن يُشبع حاجاته الأساسية اللازمة لبقائه المادي الفسيولوجي (مثل: المأكل، المشرب، الملبس، المسكن) يتوجه إلى إشباع الحاجات الأخرى والتي أولها الحاجة إلى الحب وإلى الانتماء والأصدقاء. وبناء على نظريته هذه الحاجة في رأيه مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحاجة إلى الهوية. أى أننا نبني هويتنا بالنسبة إلى الآخرين الذين حولنا، فالإنسان كما قال ابن خلدون، “مخلوق اجتماعى”

ويرى ماسلو أن سلوك الفرد في هذه المرحلة هو سلوك قهري, وحسب رأيه أن الفرد المحروم من إشباع حاجته للصداقة سيبقى طيلة عمره يعانى الحاجة إلى إشباعها, فسواء كان قاضيا أو أستاذا جامعيا او عاطلا عن العمل, لا فرق. فعندما يتم إشباع حاجاته العضوية والأمنية (المأكل والمشرب وتأمين السكن) تبدأ تنشط لديه الإحتياجات العاطفية والبحث عن العلاقات الإنسانية في محيطه الاجتماعى, فتبدأ تخالجه مشاعر الرغبة في الحب خارج إطار أسرته، وتعتريه مشاعر قوية في بناء علاقات وصداقات مع الآخرين, والبشر عموماً يشعرون بالحاجة إلى الانتماء والقبول، سواء في مجموعات اجتماعية كبيرة (كالنوادي ، والمنظمات المهنية، والفرق الرياضية، أو مجموعات اجتماعية صغيرة (كالأسرة والأصدقاء المقربين، والمعلمين، والزملاء). والحاجة إلى الحب (الجنسي وغير الجنسي) من الآخرين، وفقد  الكثير من هذه العناصر يجعل الفرد عرضة للقلق والعزلة الاجتماعية والاكتئاب. والأولاد – بشكل خاصّ – بحاجة إلى القبول الاجتماعي، لأنّ هذا الشيء بالنسبة إليهم ليس كماليات بل حاجةً أساسية وضرورية ترتبط ارتباطا وثيقا ببناء تقييم الذات  والتصور الذاتي الاجتماعي.   فالأصدقاء هم المركز الأهم في الحياة – الذين بناء عليهم تتحدّد القيمة الذاتية، ومشاعر الانتماء، والحاجة إلى أن نكون “متشابهين، أو مختلفين مثل الجميع”. إذا لم تكن منتميا فأنت غير موجود”. والأصدقاء يعكسون معايير المجالات العاطفية والسلوكية التي يقوم الولد بتقليدها. وهو يسأل نفسه إلى أى درجة يشبه أصدقاءه؟ وماذا عليه أن يفعل لكى يصبح مثلهم؟   فالصداقة مرآة اجتماعية – تعكس  صورة الفرد كما يراها المجتمع والأصدقاء. في حين ينظر الولد إلى الوالدين على أنهما مرآة ذاتية (غير موضوعية)، بينما ينظر إلى أصدقائه باعتبارهم مرآة أكثر موضوعية. فيقارن الولد نفسه مع الآخرين لكي يعرف مكانته؟  وأين هو موجود؟

وفي الولايات المتحدة الأمريكية ( على سبيل المثال)، ومنذ دخول الأطفال للمدرسة الإبتدائية، ينادي العديد من الأساتذة والكبار أقرانهم من الأطفال “بأصدقاء”، ويتعلم الأطفال في معظم الفصول الدراسية أو البيئات الاجتماعية كيفية التصرف مع أصدقائهم، وتعليمهم من هم أصدقائهم؟، وقد أدى هذا النوع من النهج المفتوح للصداقة بالعديد من الأميركيين والمراهقين على وجه الخصوص، إلى تعيين “الصديق المفضل” من الأشخاص المقربين منهم بشكل خاص. ويرى العديد من علماء النفس بأن هذا المصطلح خطير للغاية على الأطفال الأمريكيين لأنه يسمح بالتمييز وتكوين جماعات يمكن أن تؤدي إلى إعتداء على الضعفاء. وعلى الرغم من ذلك أظهرت دراسة أمريكية أجريت عام 2006 تراجع في عدد ونوعية الصداقات عند الأمريكيين وأظهرت الدراسة أن 25% من الأمريكيين ليس عندهم أصدقاء مقربون يثقون بهم, ومتوسط عدد الأصدقاء للشخص تراجع إلى اثنان فقط.

والحقيقة انه يلاحظ أيضا الآن, أن الكثير من المجتمعات في الدول النامية لازالت ترزح تحت نير هذه المرحلة “الحاجة للانتماء والصداقة أو الاحتياجات العاطفية”. وذلك يعود الى الضغوط المجتمعية التي تمارسها سلطة قمعية هدفها الضبط المجتمعي والسيطرة على الحشد. فأدوات القمع والحرمان  لن تؤدي إلا إلى مزيد من الفراغ العاطفي, وقد تهدد مستقبل الفرد لاحقا, ويذكر البعض أن عدم إشباع حاجتنا إلى الصداقة وكبت هذه الاحتياجات لها آثارها المدمرة على كيان الأسرة والاطفال مستقبلا.

وهذا ما تؤكده بعض الابحاث التربوية بأهمية أن يشعر الفرد بحالة إشباع عاطفي من خلال أسرته وأقرانه ومعلميه, حتى يصبح الفرد أكثر فهما وإدراكا حول الكثير من السلوكيات والانفعالات العاطفية وغيرها, فخبرات الصداقة الحياتية ستفعّل لدينا عفوية وتلقائية التعامل مع الآخر، في أجواء تخلو من إساءة الظن وسوء الفهم.

بقي أن نشير إلى أن ماسلو يؤكد على أن ما يسرى على الأشخاص هو كذلك يسرى على المجتمعات, وأنه في حالة الحرب أو الأزمات الاقتصادية والثورات يعود المجتمع للبحث عن الاحتياجات الأقل مرتبة, ولذلك يرى الكثير من الاجتماعيين أن الازمات الطارئة هي معوّق حقيقى للإرتقاء بسلوك البشر، على اعتبار أن عودة المجتمع إلى الخلف, يعنى انحسار تفكيره في تحقيق إحتياجاته المعيشية أو السكنية البسيطة، وبالتالى التخلى عن إنسانية الإنسان، أو على الأصح موت الإنسان.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل