المحتوى الرئيسى

بلال بوستة يكتب: ربيع الشعبوية الغربية | ساسة بوست

12/09 13:32

منذ 1 دقيقة، 9 ديسمبر,2016

لم تعد الشعبوية اليوم مجرد «تهمة» يتقاذفها رجال السياسة في جل الحوارات والمناظرات استنقاصا من قدرة خصومهم على الحجاج العلمي والمنطقي، فبعد طلاق بريطانيا التاريخي من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، أصبح للشعبوية مفهوم مستحدث يعادل «الإستراتيجيا» الفعالة في حشد التأييد والمناصرة.

إن في الأمر دعوة ملحة لمراجعة المعجم السياسي بالكامل، إذ يبدو أن إيديولوجيا التخويف واللعب على عاطفة الجماهير سائرة لا محالة نحو مزيد الازدهار، كما يبدو أن نجاحاتها لن تتوقف عند البريكسيت البريطاني ولا عند الرئيس الأشقر الجديد. ففي المثال البريطاني وجدت دعوات الخروج من الاتحاد الأوروبي قاعدة كبيرة من المؤيدين، وحتى من المتعصبين المتطرفين الذين آثروا الانغلاق على أنفسهم ورفضوا ما اعتبروه «وصاية» أوروبا عليهم اقتصاديا وسياسيا. وقد تزعمهم حينها النائب بالبرلمان ووزير الخارجية الحالي بوريس جونسون الذي وصف استفتاء الخروج بأنه  «انتفاضة شعبية كبيرة ضد نظام بيروقراطي قديم خانق أصبح تشبثه بالديمقراطية غير واضح».

جونسون نفسه، ابن العائلة المهاجرة، أقنع أنصار البريكسيت بأن سياسة الحدود المغلقة ستكون مجدية وبأنها ستمنح لبريطانيا فرصة قيادة أوروبا من خارج الاتحاد! إنه بلا شك خطاب شعبوي بامتياز حرك الكبرياء البريطاني الدفين وحلم الزعامة الأبدي، ولعب على وتر الولاء المتعصب لبريطانيا فكان أن أجج نار التطرف التي أسفرت عن اغتيال النائبة المناهضة للخروج جو كوكس.

أما في الولايات المتحدة فكان خطاب الدعاية للمرشح الجمهوري دونالد ترامب موضع انتقاد دائم من الديمقراطيين ومن مختلف الأوساط السياسية والإعلامية المحلية والعالمية، حتى أن رجل المال والأعمال أضحى محلا للسخرية والتندر، لكن أحدا لم يدرك أن خطابه كان أقرب إلى وجدان الأمريكي البسيط وأكثر إلماما بمشاغله اليومية وبمخاوفه المبررة وغير المبررة، علاوة على أن ترامب قدم نفسه باعتباره نموذجًا للرجل الأمريكي المتفوق ثروة وسلطة.

إن الشعبوي يتبنى مخاوف المواطن البسيط ويسطر على ضوئها البرامج والوعود الانتخابية فلا يكلف نفسه عناء البحث والتخطيط، إنه نوع من خطابات الطمأنة والانخراط في الفكر الجماهيري السطحي، ولذلك يراه الكثيرون أقرب إلى همومهم من خطاب النخبة المؤسس بصورة أكبر على المعطى العلمي والواقعي. وفي المقابل أفصح وعي المواطن الغربي أخيرا عن فقر في الرؤى والأفكار وعن عجز في الاستدلال والتحليل، وأصبح فريسة سهلة لكل خطاب شعبوي يدغدغ عواطف الانغلاق والانفصال والتقوقع، ويبعث على الإحساس بالأمان إزاء عولمة الفوضى والإرهاب.

إن الشعبويين ينتقون جيدا فئة الناخبين التي تذعن لدعايتهم الدغمائية وتسلم بها وهي الفئة الهشة ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا، والتي يتملكها دائما الإحساس بالاستضعاف فتجنح للبحث عن أمنها المالي والجسدي.

ففي ألمانيا آلت سياسة المستشارة أنجيلا ميركل بخصوص استقبال اللاجئين إلى تدهور شعبية الأحزاب الحاكمة (حزب ميركل المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي) حيث استغل اليمين المتطرف مشاعر المعادين للهجرة لهزيمة الجهات الحكومية في الانتخابات المحلية بما في ذلك ولاية ميركل ميكلينبورغ.

وعلى شاكلة ألمانيا تلقى شعارات الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة بزعامة مارين لوبان تجاوبا لدى الكثير من الفرنسيين، حتى أن الخوف بدأ يتعاظم من تكرار مشهد الصعود الدرامي لترامب على عتبات الإليزيه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل