المحتوى الرئيسى

«ديفيد هيرست»: هذا ما سيحدث عندما تسقط حلب - ساسة بوست

12/08 17:11

منذ 1 دقيقة، 8 ديسمبر,2016

لن يشكل سقوط حلب نهاية الحرب، وإنما بداية فصل جديد. الطريقة التي سيرد بها الثوار هي التي ستحدد ما إذا كانت سوريا الموحدة ستخرج من تحت الرماد.

سواء كانت عادة أم تقليدًا، فترة انتقال الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية هي الوقت المثالي للتعامل مع القضايا التي لم يكتمل البت فيها بعد. تسليم الإدارة الحالية مقاليد الأمور إلى الإدارة التي تأتي من بعدها يقدم فرصًا مغرية لخلق أوضاع جديدة على الأرض في الشرق الأوسط.

استخدمت إسرائيل فترة انتقال الحكم من جورج بوش إلى باراك أوباما لتشن عملية الرصاص المسكوب ضد غزة، وهي العملية التي توقفت بعد يومين فقط من تنصيب باراك أوباما في العشرين من يناير 2009. وها هي روسيا اليوم تستخدم الفترة الانتقالية ما بين أوباما وترامب لفعل الشيء ذاته في حلب.

كلا الطرفين في الحرب الأهلية السورية يفهمان مغزى هذا التوقيت. كان الثوار من السذاجة بحيث صدقوا ما تعهدت به هيلاري كلينتون لهم وحثها إياهم على الصمود إلى أن تستلم السلطة. لم يكن لديهم خطة بديلة فيما لو منيت بالهزيمة. في المقابل، فهم الروس أن عليهم أن ينهوا شرق حلب قبل أن ينصب دونالد ترامب. وهكذا، بسقوط البلدة القديمة تكون مهمتهم قد أنجزت.

لا يرى فلاديمير بوتين أنه نجح في استعادة حلب فحسب، بل يرى أنه كسب الجولة مع أمريكا. كان هذا واضحًا جدًا من النبرة التي تحدث بها سيرغي لافروف الأسبوع الماضي في روما، حيث يعتقد أن الإدارة الأمريكية القادمة قد استوعبت الرسالة في نهاية المطاف، ومفادها أن «الإرهابيين» – أيًّا كان تعريف روسيا لهم – يشكلون خطرًا أكبر على الأمن القومي للولايات المتحدة من ذلك الذي يشكله الأسد.

ستجد قليلًا من الناس يختلفون معه الآن في رؤيته تلك: فمن أفغانستان إلى ليبيا استخدمت أمريكا الجهاديين السلفيين كرافعة لتغيير الأنظمة، إلا أنها ما لبثت أن وجدت الأسلحة التي بأيديهم توجه إلى صدرها هي. مضى لافروف يقول: «روسيا ليست متزوجة من الأسد، ولكنها زفت إلى الدولة السورية».

إلا أن أفعال روسيا مقارنة بما صرح به لافروف تروي قصة مختلفة. فبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فتكت الغارات الجوية الروسية بما يزيد قليلًا على عشرة آلاف شخص في الفترة من الثلاثين من سبتمبر 2015 وحتى الثلاثين من أكتوبر من هذا العام، منهم 2861 شخصًا من منتسبي تنظيم الدولة الإسلامية و3079 مقاتلًا من فصائل الثوار والتنظيمات الإسلامية الأخرى. وبلغ عدد القتلى الذكور ممن تجاوزوا الثامنة عشرة من العمر 2565، وعدد الأطفال دون سن الثامنة عشرة 1013، وعدد النساء 584.

يتضح من هذه الأرقام وحدها، وهناك بالتأكيد أرقام أخرى؛ أن روسيا شنت حربًا شاملة على سكان لا يتمتعون بالحماية داخل مناطق يسيطر عليها الثوار، وقد كانت حربًا على الناس في المدينة وعلى مستشفياتها وعلى أسواقها، تمامًا كما فعلت روسيا في غروزني قبل ستة عشر عامًا. ومثلها في ذلك مثل جميع القوى الاستعمارية، إذ قررت روسيا بنفسها من هم السوريون الذين يستحقون الحياة ومن هم الذين ينبغي أن يموتوا. السوريون الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الثوار قدرهم جميعًا أن يموتوا معًا.

ولكن ليس هذا ما يقلق لافروف. في المجالس الخاصة يقول لافروف، كما كان يقول بيرهاس من قبله، إنه يخشى من الشكل الذي يتخذه النصر. ماذا تعني فعليًا عبارة «سوريا المأهولة»، وهي العبارة التي استخدمتها سابقًا، عندما يتم الإعلان عن إحراز النصر؟ كومة من الركام ومدنًا مدمرة الواحدة تلو الأخرى، وقد انتهى المطاف بسكانها أن أصبحوا عالة على المساعدات الإغاثية لسنوات قادمة؟

في سبيل مساندة المناطق التي حولتها طائراتها المقاتلة إلى ركام، سوف تضطر روسيا إلى البدء في إقامة المستشفيات وتوفير الأطباء، وهو الأمر الذي بدؤوا بتنفيذه في شرق حلب. وهذه المرافق بدورها ستحتاج إلى حماية يوفرها الجنود الروس الذين لا مفر من وجودهم على الأرض، والذين سيتحولون من بعد إلى أهداف لهجمات الثوار. لا جدوى من استخدام سلاح الجو في حرب الشوارع داخل المدن.

انظر كم قاوم الطالبان جبروت الولايات المتحدة وما اجتمع إليها من قوة في البر والجو. أما وقد سقطت حلب، فسوف تنقلب الطاولات تارة أخرى تمامًا كما حدث عندما دخلت روسيا الحرب. لن تنشغل قوى الثوار بعد الآن في حماية المناطق التي تحت سيطرتها من هجمات المليشيات الموالية للأسد، وسوف تنهمك بدلًا من ذلك في عمليات فدائية تقليدية من الكر والفر تنفذها في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة، ولا يملك الأسد القدرة على توفير الحماية التي تحتاجها المناطق التي اجتاحها.

رغم ما لحق بالبنية الفعلية لسوريا من دمار فقد حاق ببنيتها السياسية دمار أكبر. بعد خمسة أعوام من الحرب الأهلية المدمرة باتت الدولة السورية خرافة تجول في طولها وعرضها المليشيات الطائفية والأجنبية وتسرح بحرية كيفما شاءت. وباتت الوظيفة الرئيسة للبنك المركزي، على سبيل المثال، تتمثل في إدارة ملف رامي مخلوف. لم يعد ثمة وجود للدولة التي تنعم بولاء وثقة كل طائفة من الطوائف أو مذهب من المذاهب السورية.

قياسًا على نموذج ستالنغراد الذي يغرم بالرجوع إليه واستخدمه المعلقون القوميون الروس من منتسبي التيار اليميني، فإنه من غير المحتمل أن تشكل أطلال حلب رمزًا لانبعاث دولة سورية جديدة. بل الأغلب هو أن تتحول هذه الأطلال إلى أرض معركة لمقاومة القوى العسكرية الغازية المتفوقة، والتي منها الروس، ومنها الإيرانيون، ومنها كذلك حزب الله. لا ينبغي اعتبار الروس محرري حلب بل هم الجيش السادس لفريدريك بولص (آمر القوات الألمانية في معركة ستالنغراد)، وإذا ما بقوا في المنطقة فسوف ينالهم نفس ما ناله من مصير.

بعد سقوط حلب يوجد سيناريوهان اثنان؛ أما الأول، فهو أن المعارضة السورية بكل تشكيلاتها، بما في ذلك الجيش السوري الحر والتنظيمات الإسلامية، سوف تتفسخ وتتلاشى. وسيبقى الأسد في السلطة بينما تستمر المحادثات حول المرحلة الانتقالية إلى الأبد. ولن تجرى انتخابات يشارك فيها اللاجئون الذين باتوا خارج سوريا لنفس الأسباب التي حالت دون أن يشارك في الانتخابات الفلسطينية الشتات الفلسطيني في مخيمات اللجوء. وسيصبح الحفاظ على النظام هو الهم الأكبر لكافة القوى الأجنبية التي دعمت الأسد ووقفت معه، والتي دفعت ثمنًا باهظًا لإبقائه في السلطة.

ولهذا السبب، فإنه حينما تسقط حلب، سوف يضطر بوتين ولافروف إلى العمل ساعات إضافية لإعلان أن المهمة قد أنجزت، تمامًا كما فعل بوش في العراق، لإنهاء الحرب بشكل رسمي. إلا أن ذلك مجرد أماني وأحلام. لقد كانت فيديريكا موغريني، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، محقة حينما حذرت لافروف في روما الأسبوع الماضي من أن سقوط حلب لن يكون نهاية الحرب. ما لحق بالبلاد من دمار وبالبشر من تشريد في هذه الحرب الأهلية سيكون بمثابة الوقود الذي سيغذي مزيدًا من المقاومة. نحن لسنا أمام تكرار لما جرى في حماة، التي شهدت انتفاضة الإخوان المسلمين في عام 1982، والتي تم احتواؤها عندما دمرت المدينة عن بكرة أبيها على يدي حافظ، والد بشار الأسد.

لن ينجم عن سقوط حلب سوى تعميق أزمة القيادة السنية، ولا مفر من أن يأتي رد الفعل. والسؤال الإستراتيجي الكبير هو: هل سيكون رد الفعل لا عقلانيًا، يقوده الجهاديون ويؤدي إلى مزيد من الدمار؟ أم إن الثوار يمكن أن يصيغوا رد فعل رشيدًا؟

وهذا هو السيناريو الثاني. هل سيتعلم الثوار دروسًا من فشلهم العسكري الإستراتيجي الهائل؟ هناك الكثير مما يمكن الحديث عنه في هذا الصدد. لقد صدقوا التأكيدات المتنوعة التي كانت تأتيهم من قبل الأمريكان ومن المملكة العربية السعودية ومن تركيا ومن قطر، بأنهم كانوا سيتلقون الأسلحة التي كانوا بحاجة إليها لخوض هذه الحرب. إلا أن الأسلحة لم تصل أبدًا.

وهذا ميشيل كيلو، المنشق السوري المسيحي المنفي، والذي حاول الروس جاهدين تجنيده إلى جانبهم، يوجه اتهامًا غاضبًا إلى السعوديين بأنهم «ارتكبوا جريمة في حق الشعب السوري». قال كيلو: «إخواننا في السعودية لا عندهم حيل يرسموا خطة، ولا عندهم حيل يقودوا كومباك ضد الحملة على المجتمع العربي والإسلامي، وعايشين إنهم عندهم مصاري وعايشين بالصحرا، لكن بكرة بشوفوا».

وذهب ميشيل كيلو أبعد من ذلك بالقسم قائلًا: «وحياة ولادي لن نترك في الخليج حجرًا على حجر، أنتم تدمرون أحسن بلد في العالم الإسلامي والعربي، اسمه سوريا».

الدرس الذي يمكن استخلاصه من ذلك هو أن المعارضة السورية لا يمكنها الاعتماد على أحد، ولكن لكي يكونوا مكتفين بذواتهم فإن عليهم أن يتحدوا. بكل بساطة لم يتمكن الجناح السياسي للمعارضة السورية، والذي تشكل من الدبلوماسيين المنشقين والأكاديميين المنفيين في الشتات، من القيام بالمهمة المناطة به. بل لقد مزقهم الاختلاف والشقاق، وكانوا في غاية الضعف، منوا أنفسهم بالمساعدات التي كانوا يرجون أن تصلهم من أمريكا، وتفوق عليهم خصومهم مكرًا وكيدًا.

يتوجب على الثوار السوريين استعادة صورتهم المعبرة عن التعددية المذهبية في سوريا. لقد بدأت الحرب على شكل انتفاضة شعبية غير مسلحة ضد نظام حكم عائلي دكتاتوري. نسيهم الناس الآن، ولكن حينما انطلقت الثورة كان رموزها هم جورج صبرا المسيحي من طائفة الأرثوذكس اليونانيين وأول رئيس للمجلس الوطني السوري، وبرهان غليون الرئيس السني للمجلس الانتقالي الوطني، وفدوى سليمان الممثلة من أصل علوي.

لقد غلب على وجوه الثوار اليوم السمت الجهادي الطائفي، أو كما عبر عنه كيلو في تصريحه الأخير السمت «غير الديمقراطي». لا مفر من استعادة السمت الأصلي لهذه الثورة إذا ما أريد لسوريا الموحدة أن تنهض من جديد من تحت الرماد الذي آلت إليه حلب.

نقلا عن موقع «ميدل إيست آي» البريطاني.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل