المحتوى الرئيسى

التوريث الفني ينتصر بمهرجان دبي

12/08 15:29

بالتأكيد لا يستطيع الفنان مهما بلغت نجوميته فرض ابنه على الحياة الفنية، فالجمهور هو فقط من يملك تحديد اسم الفنان الذي يستحق أن يعتلي القمة أو يظل إلى الأبد في السفح، ورغم ذلك فإننا نرصد حالة من الزحام بسبب محاولات البعض فرض الأبناء، لتكون التجربة ناجحة أحيانا وفاشلة في أحايين كثيرة.

في مهرجان دبي السينمائي الذي انتهت فعالياته قبل أيام كان من بين الفائزين من ورثوا المهنة عن آبائهم، مثل نادين ابنة المخرج المصري محمد خان، التي حصلت على جائزة لجنة التحكيم عن فيلمها "هرج ومرج"، والمخرجة والممثلة عايدة ابنة المخرج المصري الراحل رضوان الكاشف التي حصلت بدورها على جائزة أفضل ممثلة عن دورها بالفيلم الهندي "جزيرة ثيسوس".

وشارك في السباق على جائزة أفضل فيلم عربي المخرج التونسي حميدة الباهي ابن المخرج رضا الباهي بفيلم "نسمة صيف"، ولم يحصل الفيلم على جائزة ولكنه كان يتطلع لها، والمفارقة هي أن الباهي -الأب- كان في الدورة الماضية للمهرجان مشاركا في المسابقة نفسها بفيلمه "ديما براندو".

بعد إعلان الجوائز مباشرة احتضن خان ابنته نادين مشجعا ومهنئا، وقال لي إنها المرة الأولى التي يشاهد فيها الفيلم، وإنه لم يكن له أي دور أثناء تنفيذ الفيلم حتى ولو بالنصيحة التي لا يبخل بها على أي من تلامذته لو احتاجوا إليها، إلا أن نادين لم تطلب شيئا من والدها. ولم تساعد المخرجة الشابة والدها إلا في فيلم روائي واحد هو "بنات وسط البلد"، لكنها عملت مساعد مخرج في العديد من أفلام المخرج يسري نصر الله.

تنتمي نادين فكريا إلى منهج السينما المستقلة برغم أن هذا التصنيف لا تعثر له على تعريف جامع مانع، إلا أن المخرجين الجدد الذين يمكن وضعهم ضمن هذا التوجه السينمائي قد تحرروا وبنسبة كبيرة من سيطرة السوق وما تفرضه عليهم شركات الإنتاج أو النجوم من شروط.

بدأ المخرج محمد خان مسيرته قبل أكثر من ثلاثين عاما في ظل نظام السوق التقليدي، ولكنه ومعه أبناء جيله من المخرجين مثل داود عبد السيد وخيري بشارة والراحل عاطف الطيب، لم يتمردوا على السوق بعناصره التقليدية، بل انطلقوا في مساحات أخرى مع  نجمين مثل أحمد زكي ونور الشريف استوعبا هذا النبض السينمائي.

الابنة نادين تنتمي إلى جيل آخر، وزمن آخر لم يعد ضروريا فيه أن يحتمي المخرج بشركة إنتاج تفرض عليه قانونها مقابل أن تتحمس لتنفيذ فيلمه، ولا أن يلهث وراء نجم سينمائي يختار سيناريو خاضعا لرؤيته وشروطه وعلى مقاسه. هناك الآن وعبر هذا الجيل سينما جديدة نشهد مخاضها، وهي بالطبع ليست منفصلة تماما عن سينما جيل الثمانينيات، ولكنها بالتأكيد لا تحمل نفس الجينات الوراثية.

الرؤية الإخراجية التي أطلت من خلالها نادين خان على فيلمها تبدو وكأننا على خشبة مسرح حيث تجري أحداث "هرج ومرج" في عالم العشوائيات بقوانينه الأخلاقية والاقتصادية والنفسية، ولا يبدو للمشاهد أنه بصدد فيلم واقعي تماما، أو أنه يتابع فيلما خياليا خالصا، ولكنه العمل فيه من الخيال ما يحيله إلى سرد واقعي ومن الواقع ما تلمح في عمقه مذاق الخيال.

العشوائيات كانت ولا تزال ملعبا خصبا للقادم من الأفلام، فهي تبدو وكأنها بلد أخرى تولد على أطراف القاهرة، تنتظر ربما لحظة زمنية لتفرض قانونها على الجميع زاحفة إلى البؤرة، والعربات التي تأتي محملة بما ينتظره هؤلاء العالقين في الحياة  صارت مثل الحبل السري الذي يربطهم بالحياة  فهم من أبناء هذا الزمن ولكنهم يعيشون خارج الزمن.

الحالة التي حرصت عليها المخرجة في الفيلم هي الحفاظ على المزاج النفسي والجو العام وبتفاصيل تعلن عن نفسها مع لقطات البداية والشخصيات تبدو وكأنها في حلبة الصراع  تدخل وتخرج وفق قانون المسرح.

حصدت نادين جائزة لجنة التحكيم في دبي ليس لأنها ابنة مخرج كبير، ولكن لأنها قدمت على الشاشة إبداعا يستحق الجائزة، وبالمقابل لم يكن المخرج الشاب حميدة الباهي موفقا، فلم يستحق أي جائزة ورغم أن ذلك لا يعني أنه يخاصم الموهبة ولكن كان الخطأ الفادح الذي وقع فيه وأدى إلى استبعاد لجنة التحكيم له -كما أخبرني أحد أعضاء اللجنة- يتمثل في اختياره للغة الحوار في الفيلم حيث أن الشخصيات التونسية تتحدث الفرنسية بينما الأحداث في تونس أثناء ما عرف بثورة الياسمين. 

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل