المحتوى الرئيسى

أحمد جابر الدبة يكتب: الرئيس بين اعتراف البورصة وعزاء بيريز | ساسة بوست

12/07 16:22

منذ 1 دقيقة، 7 ديسمبر,2016

فتحت عينيّ، أخذت نفسًا عميقًا، تأملت في ضوء الشمس ينبثق من النافذة متكسرًا ينتشر في الغرفة، صوت ضعيف لزقزقة العصافير يخالطه هفيفُ نسيمٍ خفيف، شعور منعش بجمال الصباح يستمر دقيقة أو أقل، حتى ألاحظ أن شعاع الشمس أقوى من المعتاد، فأنظر إلى الوقت لأجده تجاوز السابعة، فانتفض كـغول الفلاة، ميقظًا من بالمنزل، صائحًا بصوتٍ أعلى من دمدمة الفيلة «كوموا إصحوا راحت علينا نومة»، سبع دقائق ويكون الجميع داخل السيارة، سباق تتابعٍ من التثاؤب، وتأفأفٍ من الاستيقاظ الباكر، انطلقت مسرعًا أسابق الوقت، لكن الوقت دائمًا يسبقني، يصيح أكبر أبنائي «ملعون دين طريك اللفة، بنصحى كبل الديك ومش ملحكين» يتساءل أصغر إخوته ما هو طريق اللفة، فيسهب شارحًا له بكل غضب بفضل المستوطنات والطرق الخاصة بها، أصبحنا نجبر أن نسلك طريقًا التفافيًا ضاعف المسافة عشرة أضعاف، أقاطع غضبه بتشغيل المذياع، خبر عن الحكم على الطفل المقدسي أحمد مناصرة بالسجن اثني عشر عامًا، وغرامة تناهز النصف مليون شيكل، يسود الصمت ويتدفق الحزن داخل السيارة، وكأن الجميع شعر بأن جحيمنا تقصيرٌ للوطن، يكمل المذيع زف الأخبار المؤلمة، حيث إنه قد حكم على الطفلين محمد طه ومنذر أبو ميالة بالسجن أحد عشر عامًا، لا أحتمل سماع المزيد من هذه الأخبار، فأغير الموجة الإذاعية، يقول المذيع نبارك للوطن نبارك لفلسطين نبارك للرئيس نبارك، هذه المرة الجميع في السيارة صامتٌ ينتظر الخبر المفرح، أهازيج الأعراس والزفة تطغى على خلفية صوت المذيع، قمت برفع الصوت، جميعنا بلغ ذروة الانتظار حتى نطق الخبر «أعلن اتحاد البورصات العالمي قبوله الطلب المقدم من قبل بورصة فلسطين منذ عام 2015 بخصوص منحها العضوية الكاملة في الاتحاد» انقلب الجميع ضاحكين بل مزهقين، يكمل المذيع وفي صوته نشوة الانتصار ليخبرنا أن الاستثمارات الدولية آتية إلى الدولة 194 التي انتزع اعترافها رئيسنا المبجل، في الحقيقة هذه الأخبار لم تعد تهمنا، بل أصبحنا نضحك على حالنا، أصبحنا كمن لا يملك منزلًا ولكنه يتهافت على أسواق الأثاث؛ تدفق السيارات قد تباطئ، يبدو أن هناك نقطة تفتيش، وكأن هذا الطريق الطويل ينقصه ذلك، أشار مجندٌ أشقر الشعر أزرق العينين أن نتقدم باتجاهه، بضعة أمتار فطرق سقف المركبة وصاح توقف، بلكنة عربية ركيكة وحرف خاءٍ مغلظ بدلًا من الحاء ليشهد على تغير معالم لغتنا بعد احتلالها، قال المجند: «إفـتـخ صندوق» لم يجد شيئًا يذكر، عاد إليَّ ليؤكد احتلال لغتنا، قائلًا: «إمشي خـبيبي»، أكملنا طريقنا والمذيع ما يزال يؤكد أهمية هذا الاعتراف ويكرر مباركته للوطن وللرئيس.

بعد مرور عام على انتفاضة القدس أو هبة القدس، وفي الذكرى السادسة عشر لانتفاضة الأقصى واستشهاد محمد الدرة وأبيه، تبدو الأجواء في الشارع الفلسطيني مليئة بخيبة الأمل والواقع الأسود، يأتي خبر وفاة شمعون بيريز مفرحًا في تلك الأجواء القاتمة، فهذا السفاح الذي شارك بتأسيس دولة الاحتلال وتهجير أكثر من نصف الشعب الفلسطيني، والذي كان موجودًا ومسؤولًا عن مآسي عديدة، منها مجزرة قانا في عدوان 1996 على لبنان؛ تخرج إشاعات أن الرئيس الفلسطيني ومعه وفد من كبار المسؤولين سيكونون من المعزيين في الصف الأول، في البداية، تبدأ الأحزاب المنافسة بإطلاق العنان لمهاجمتها لهذه الفعلة النكراء، أما مؤيدو حزبه فيرفضون تلك الإشاعات وينتظرون توضيح من مكتب الرئيس، يأتي التاسع والعشرون من أيلول في جبل عين كارم في القدس أو كما اعتادوا أن يسموه جبل هرتزل -حيث إن ثيودر هرتزل نقل رفاته من فيينا ليدفن في أعلى الجبل- مراسم ضخمة للعزاء، العشرات من الزعماء موجودون على رأسهم الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته، رئيس الوزراء الكندي وغيرهم، كذلك نرى وجودًا عربيًا متواضع من الدول المطبعة، تأتي الصاعقة بوجود الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومعه وفد يضم العديد من قيادات الصف الأول، يكون العزاء مليء بالأحداث المحرجة للرئيس الفلسطيني، منها بكاؤه وإظهار حزنه الشديد، عناقه لأرملة بيريز، كذلك تجنب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مصافحته. في هذه الأوقات تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي مهاجمة تلك الفعلة وتصبح حديث الجميع، تبدأ حملات عديدة بتخوين الرئيس وطلب تنحيه، نجد كذلك مهاجمة لتلك الفعلة من بعض مؤيدي الرئيس وأعضاء حزبه، بل إن «حركة الشبيبة الطلابية» وهي الكتلة الطلابية التي تمثل حزب الرئيس في جامعة «بيرزيت» تصدر بيانًا يطالب الرئيس بالاعتذار لشعبه وتنحيه الفوري.

في الحقيقة، إن الأمور لن تتجاوز المهاجمة النصية أو الشفهية، سيبقى  الرئيس على أعلى الهرم، بضعة أيام وستعود الأمور إلى مجاريها، وسنجد العديد يبارك للرئيس ببورصة فلسطين أو بغيرها من الأخبار الكمالية، في نهاية الأمر هذه ليست أول فعلة نكراء لمنظومة أوسلو وبالتأكيد ليست الأخيرة، دائمًا تستعمل حجة أن أفعالهم بدافع الحرب الإعلامية وإظهار الفلسطيني على أنه مسالم يحب السلام، لأكثر من عقد والسلطة الوطنية تستعمل هذه الحجة، وها نحن ما نزال نصنف بإننا إرهابيون وهم من يدافعون عن أنفسهم، بنهاية الأمر الإعلام العالمي مسيس يرى ما يريد، مهما حاولت معه لن تصل لنقطة إيجابية؛ في المقابل التوجه العام لشعبك يجب أن يأخذ بالحسبان، بدلًا من التجاهل التام للحزن الذي يملأ الأجواء عند أسر الشهداء والأسرى وغيرهم، السلطة الوطنية لا تحاول أن ترضي الطرفين، ترى ما يريده العالم وتسعى لتحقيقه ولا تفكر يومًا أن ترى حال الشعب.

محمود عباس في عقده التاسع، قد يعيش يومًا ولربما بضعة سنوات، ولكن ماذا سيحدث بعد ذلك، في تحليلي لما هو مطروح في الساحة، أول أسبوع سينقسم جمهور الشعب الفلسطيني إلى قسمين، قسم سعيد بوفاته معتبرًا أن زمن التنازلات قد انتهى، وقسم آخر حزين على فراقه وسيعتبره رمزًا قد حقق لفلسطين الكثير، سنجد مواقع التواصل الاجتماعي ستمتلئ بمنشورات متضادة، بعضها يظهر عباس وهو يطأطأ مرضاة الصهاينة معترفًا بأحقية اليهود بامتلاك دولة، وأخرى تظهر الرئيس بإنجازاته للدولة 194 التي رفع علمها في مبنى الأمم المتحدة لأول مرة، صوره في جنازة بيريز، ومقالات عن دوره في عملية ميونخ 1972؛ لكن خارج إطار الحراك الشعبي، من سيخلف محمود عباس، الخيارات المحتملة كلها كئيبة، لدينا من جهة القيادي المفصول من حركة فتح «محمد دحلان» المعروف بفساده وحبه للسلطة والمال، وفي مملكة محمود عباس هنالك «صائب عريقات» المعروف بكبير المفاوضين، وهنالك أخيرًا ذنب أمريكا في السلطة الوطنية رئيس المخابرات الفلسطينية «ماجد فرج»، هذه البدائل تبدو كئيبة أكثر من محمود عباس، ولكن في حال عدم اتفاقهم على من يتسلم السلطة هذا يعني صراعًا داخليًا وهو محتمل للغاية، لربما ستستغل الأحزاب الأخرى وعلى رأسها حماس هذا الصراع وتحاول أن تفرض نفوذها بالضفة الغربية، ماذا سينتج هذا الصراع، ربما ينتج حربًا أهلية ولربما تتفجر انتفاضة، أو بكل بساطة يتم التوافق على أحد الأسماء لخلافة أبو مازن بكل سلاسة، لا أحد يعلم ماذا يخفيه المستقبل، ولكنه في أحسن حالاته سيكون رماديًّا كحاضرنا.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل