المحتوى الرئيسى

الخوف من اللاجئين يغزو فرايبورغ بعد قتل ماريا

12/06 19:33

مسؤولو قطاع السياحة في فرايبورغ يروجون للمدينة عبر الإنترنيت من خلال حيها التاريخي القديم للمدينة الواقعة بالقرب من الغابة السوداء ووسط حقول العنب، وهي تُعد مدينة ليبرالية ومتسامحة ومنفتحة على العالم. فرايبورغ التي يسكنها 225.000 نسمة تضم أيضا نحو 40.000 طالب مسجلين بجامعتها المرموقة. وتشتهر المدينة أيضا بالتزام مواطنيها، إذ تطورت منذ السبعينات إلى أحد مراكز حركة حماية البيئة ومناهضة الطاقة النووية. ومنذ 2002 يحكم فرايبورغ كأول مدينة ألمانية كبرى عمدة من حزب الخضر. وتتميز فرايبورغ بثقافة الأساليب البديلة في الحياة اليومية وبمجتمع مدني نشيط، أكان ذلك في حماية البيئة أو في مساعدة اللاجئين.

لكن الأجواء الجميلة لفرايبورغ تزعزعت بمقتل الطالبة ماريا في منتصف أكتوبر الماضي التي تعرضت للاغتصاب، وعُثر على جثتها في نهر "درايزام". وكانت الطالبة في شعبة الطب في طريقها راجعة على متن دراجتها الهوائية من إحدى الحفلات إلى بيتها عندما سقطت ضحية الجريمة. وألقي القبض في نهاية الأسبوع المنصرم على متهم به في الـ 17 من العمر، وهو لاجئ قدم في 2015 من أفغانستان إلى ألمانيا.

وعاشت المدينة صدمة، لأن الطالبة الضحية كانت تنشط في مساعدة اللاجئين، وهي باتت على ما يبدو ضحية لاجئ. وتتأرجح ردود الفعل في الشبكة العنكبوتية بين مندد ومن يدعو إلى التعقل قبل إصدار أحكام مسبقة. ويقول أوفيه ماوخير، محرر لدى صحيفة "باديشه تسايتونغ" في حديث مع DW "البعض يقول نحن كنا نعرف هذه الأمور السلبية دوما. وهناك الآخرون الذين يقولون بأن الحادثة ليست سوى حالة فردية، ولا مكان للاتهامات العشوائية".

وهذا ما لمسته مبادرة طلابية في فرايبورغ تنشط في مساعدة اللاجئين. فعائلة الشابة المقتولة حثت في إعلانها عن وفاة ابنتها في الصحيفة على التبرع لصالح هذه المبادرة التي تلقت فيضا من ردود الفعل المنددة. وحاول عمدة فرايبورغ ديتر سالومون عقلنة الجدل، وقال:"أن يكون الجاني على ما يبدو شابا من أفغانستان، فهذا يؤجج بالطبع مشاعر أولئك الذين زعموا دوما أن اللاجئين أشخاص أشرار. لكنني أطلب هنا ببساطة بشيء من التمييز وأعتقد أن سكان فرايبورغ يعرفون ذلك ويفعلونه. هناك شخص ارتكب جناية شنيعة، لكن هذا لا يعني بأن الآخرين يفعلون أيضا ذلك".

وتقف غالبية سكان فرايبورغ خلف موقف عمدتهم، لأنهم يرفضون الاستنباطات العشوائية. وعندما تجمع نحو 30 شخصا تلبية لنداء حزب "البديل لألمانيا" في المنطقة اعترضهم نحو 300 من المتظاهرين. وأصدر حزب "البديل لألمانيا" اليميني الشعبوي قبلها بيانا صحفيا قال فيه إن الطالبة ضحية ثقافة الترحيب المنتهجة من قبل المستشارة أنغيلا ميركل.

وقال أوفيه ماوخير إن ثقافة الترحيب واسعة في فرايبورغ."ومنذ بداية أزمة اللاجئين تشكلت في فرايبورغ حركة دعم عريضة، إذ يوجد الكثير من المبادرات تحديدا عبر موقع فايسبوك تقدم بسهولة وبسرعة المساعدة التي تشمل دروس الألمانية وأنشطة أوقات الفراغ".

الأجواء مستقرة رغم ما حصل

اغتيال الطالبة ماريا ليس هو العمل الوحيد الذي يبث انعدام الأمن في فرايبورغ، بل إن امرأة في الـ 27 من العمر اختفت بأسابيع قليلة بعدها في بلدة إندينغن الصغيرة المجاورة أثناء ممارستها رياضة الركض، وعُثر على جثتها بعد أربعة أيام، وهي ضحية جريمة جنسية لم تكشف الشرطة إلى حد الآن عن حقيقتها، ولا شيء يدل على وجود ارتباط مع جريمة قتل الطالبة ماريا. ويشعر النساء بوجه خاص بالخوف ولا يجرؤ بعضهن على الركض في الخلاء أو العودة ليلا من السينما.

وهذا الشعور بالخوف يتنامى منذ مدة في المدينة، كما يقول الصحفي أوفيه ماوخير الذي أشار إلى أن ساحة في غرب المدينة تحولت إلى موقع لبيع المخدرات من قبل مهاجرين من غامبيا، وقال إن الشرطة على علم بذلك، لكنها لم تقدم حلولا، كما يُسجل ارتفاع في عدد من يمتهنون سرقة أغراض المارة. ويشير الصحفي ماوخير إلى أن "الجزء الكبير من الجناة المشتبه بهم هم للأسف من طالبي اللجوء، وهذه الجرائم جاءت لتغير الأجواء السائدة في المدينة".

ويُشار إلى أن الغالبية الساحقة من الأشخاص الذين قدموا إلى المدينة في الشهور الأخيرة كلاجئين لا يتسببون في مشاكل، وغالبيتهم مصدومة هي الأخرى من اغتيال الطالبة ماريا ويشجبون الأعمال الإجرامية. فهل تتغير أجواء فرايبورغ بسبب فعلة شخص منفرد؟ الصحفي ماوخير يقول:"فرايبورغ مدينة ليبرالية ومنفتحة، والوضع لا يتغير بهذه السهولة، لكن عندما أنظر إلى ما يحصل في الإنترنيت، فلا يمكن لي الجزم بذلك".

في 31 أغسطس/آب 2015 عقدت المستشارة ميركل ندوة صحفية وصرحت آنذاك بمقولتها الشهيرة "نحن نستطيع أن ننجز ذلك" تعليقا على قدرة ألمانيا على تجاوز أزمة اللاجئين. في أثناء ذلك سُمح بمرور قطارات تقل آلاف اللاجئين إلى ألمانيا قادمة من دول شرق وجنوب أوروبا.

في الرابع من سبتمبر/أيلول 2015 قررت المجر وقف حركة القطارات إلى ألمانيا، لتسود فوضى عارمة في المحطة الرئيسة للقطارات بالعاصمة بودابست. ما دفع الآلاف من اللاجئين إلى مواصلة رحلتهم الشاقة إلى ألمانيا مشيا على الأقدام.

في الخامس من سبتمبر/ أيلول 2015 قررت ميركل بعد اجتماع مع المستشار النمساوي فيرنر فايمان استقبال اللاجئين لتعود بعدها حركة القطارات من المجر عبر النمسا إلى ألمانيا.

استقبال حار للاجئين من قبل الألمان في السادس من سبتمبر/أيلول 2015 كما تبين الصورة التي التقطت في محطة القطارات الرئيسية في ميونيخ. بعدها تداولت الصحف الألمانية مفهوما جديدا لوصف هذا الاستقبال الحار بات يعرف بـ"ثقافة الترحيب".

في العاشر من سبتمبر/أيلول 2015 زارت المستشارة ميركل مركزا أوليا لاستقبال طالبي اللجوء في برلين وقام العديد من طالبي اللجوء بالتقاط صور سيلفي معها. تناقلتها وسائل الإعلام العالمية وأعطت، خاصة لدى السوريين، انطباعا إيجابيا عن ألمانيا كبلد متضامن ومضيف للاجئين.

استقبال اللاجئين والترحيب بهم لم يقتصر على الهيئات الحكومية، بل هبت فئات عريضة من الشعب الألماني متطوعين لإستقبال اللاجئين وتقديم مختلف المساعدات بدءا بالجوانب الصحية والإجتماعية وصولا إلى الإستقبال في البيوت.

في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وصف وزير العدل الألماني هايكو ماس تزايد الاعتدءات اليمينية ضد اللاجئين بـ"المخزية". آنذاك بلغت اعتداءات اليمنيين المتطرفين على مراكز اللاجئين 461 حالة.

في 31 ديسمبر/كانون الأول تعرضت عشرات النساء إلى اعتداءات جنسية في محطة القطارات الرئيسية في مدينة كولونيا، من قبل مئات من الرجال ينحدر أغلبهم من دول المغرب العربي. أثارت هذه الحادثة موجة من الغضب والاستنكار في المجتمع الألماني. كما ثار جدل واسع حول السبل القانونية لترحيل الأجانب من مرتكبي الجرائم.

في 18 فبراير/شباط قام حوالي 100 متظاهر باعتراض طريق حافلة تقل طالبي لجوء إلى مركز للاجئين في مدينة كلاوسنيتز بمقاطعة ساكسن. وقام المتظاهرون آنذاك بإطلاق عبارات مناهضة للأجانب، فيما تمكنت الشرطة من التدخل وحماية الحافلة ومن فيها.

في 24 فبراير/شباط 2016 صوت البرلمان الألماني لصالح حزمة القوانين الثانية الخاصة بسياسة اللجوء. وتنص هذه الإجراءات على ترحيل طالبي اللجوء ممن يملكون فرصا ضئيلة للبقاء في ألمانيا وتسهيل ترحيل المتورطين في أعمال إجرامية. المعارضة الألمانية انتقدت هذه الإجراءات واعتبرتها "خرقا لمبادئ حقوق الإنسان".

في الرابع من أبريل/نيسان 2016 دخل الاتفاق الأوروبي التركي لحل أزمة اللاجئين حيز التنفيذ. وبمقتضى الاتفاق تعيد السلطات اليونانية المهاجرين الذين يصلون إلى اليونان بطرق غير شرعية من تركيا. في مقابل ذلك تعهد الأوروبيون مقابل كل سوري يتم إبعاده إلى تركيا قبول سوري آخر من المهاجرين إلى تركيا للعيش في دول الاتحاد الأوروبي.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل