المحتوى الرئيسى

نقص المستلزمات الطبية.. أزمة تبحث عن حل

12/06 17:51

مواطنون يشكون تأجيل الكشف والعمليات

عضو مجلس نقابة الأطباء: المشكلة أزلية لانخفاض مخصصات الصحة

أستاذ القلب بالقصر العيني: الأزمة مضخمة والحل ترشيد الاستهلاك

مدير معهد القلب السابق: شركات التوريد مظلومة

عبد الغفار: الحل تعديل الأسعار بعد تغيرات السوق

جاءت أزمة تعويم الجنيه وانخفاض قيمته أمام الدولار لتلقي بظلالها على القطاع الصحي وتصيبه بكارثة تهدد حياة الآلاف المرضى ممن قد تؤجل عملياتهم الجراحية بسبب نقص المستلزمات الطبية التي في أغلبها تكون مستوردة.

الأزمة تشمل الأدوية والمستلزمات الطبية المستخدمة في عمليات الجراحة في تخصصات القلب والكلى والعظام وكذلك خيوط الجراحة، ما جعل نقابة الأطباء ومنظمات حقوقية معنية وأطباء متخصصون يحذرون الحكومة من استمرار الأزمة والتدخل بشكل عاجل لحلها قبل أن تتفاقم وتؤدي لعجز كلي في المستشفيات.

محمد إبراهيم 52 عامًا مريض قلب أحد هؤلاء الذين يعانون من طول قوائم الانتظار، “الأمر طال أكثر من اللازم” يصف ما يحدث معه من تأجيلات في كل مرة يذهب للكشف في إحدى مستشفيات التأمين الصحي في القاهرة فيقرروا له التأجيل لمدة لا تقل عن شهر حتى يحين ميعاد عرضه على الطبيب المختص بقسم القلب.

ويقول لـ”محيط”: “أعرف أن هناك حالات طارئة وتستحق العلاج بشكل فوري أكثر مني لكن التأجيلات المتتالية في الكشف وقوائم الانتظار حال إجراء أية نوع من أنواع الأشعة تضرني”.

وأوضح أنه عندما أجرى فحص المسح الذري قبل عام تقريبًا انتظر لمدة شهرين حتى أجراها وها هو اليوم يٌؤجل الكشف عليه دون أن يعرف السبب.

إن كان تأجيل الكشف هو شكوى إبراهيم ، فإن الدكتور محمد عبد الوهاب الباحث التاريخي يروي ما حدث لأحد معارفه الذي تعرض لأزمة قلبية تستوجب إجراء عملية قسطرة وتركيب دعامة دوائية له لكنه واجه مماطلة في معهد القلب، مضيفا “تحدثنا لأحد المسئولين هناك وذهبت مع المريض وابنه ومعنا تحويل من القمسيون الطبي والتأمين الصحي لتحديد ميعاد العملية”.

ورغم صعوبة حالة المريض فجاء أول ميعاد له في التاسع من فبراير المقبل وهو ما جعل عبد الوهاب ومرافقه يطلبون التحدث إلى عميد المعهد لكن سكرتيرته عادت إليهم بميعاد في 29 ديسمبر بسبب نقص الدعامات والأدوات المستخدمة، موضحا “عرضت أن أوفر ما يطلبوه من مستلزمات لأن الحالة الطارئة فقالت لي اذهب إلى الطوارئ”.

وبعد عدة مشاورات جاء الميعاد في الثامن من ديسمبر الجاري، إلا أن عبد الوهاب اعترض بسبب ما حدده الطبيب المختص من قبل بضرورة إجراء العملية بصورة عاجلة فردت السكرتيرة بأنه لا يوجد أدوات وأن أحد المرضى وعمره 70 عامًا يجلس على كرسي متحرك ينتظر أيضا إجراء القسطرة بسبب نقص الأدوات.

حالة الارتباك وقوائم الانتظار أمر معتاد عليه داخل المستشفيات الحكومية والجامعية، لكن تبرير هذه التأجيلات بسبب نقص المستلزمات الطبية وأدوات الجراحة هو ما يثير الأزمة وخاصة بعد تأجيل بعض العمليات الجراحية في عدة مستشفيات جامعية مثل مستشفى أسيوط التي قررت منع دخول المرضى إلى العيادات الخارجية وقصرها بالكشف على المرضى وتقديم العلاج فقط، وتوقف العمليات به نتيجة لهذا النقص.

”المشكلة أزلية”.. هكذا يصف الوضع الدكتور أحمد شوشة عضو مجلس نقابة الأطباء، باعتبار أن الأزمة ممتدة ولم تحل بسبب انخفاض ميزانية الصحة، فضلا عن صرفها في غير محلها مثل المكافآت وسفريات الوزير والهيئات المعاونة، وليس لتطوير العلاج أو خدمة المريض، وهو ما جعل المشكلة تتفاقم يوما عن يوم حسب رأيه.

قرار تعويم الجنيه لم يكن السبب الوحيد، فالحال من قبله أيضًا في تأكيد عضو مجلس نقابة الأطباء، موضحا أن فترة ما قبل أزمة الدولار كانت بها مشاكل لكن الآن الموضوع تفاقم بعدها فالمستلزمات الطبية لم تعد متوفرة، أبسطها المحاليل والقطن والشاش وخيوط الجراحة، فالمرضى هم من يحضرونها من خارج المستشفى.

وأضاف أن المستشفيات الجامعية والعامة والتأمين الصحي تعاني من نقص شديد في مستلزماتها، قائلا: “كل ما يمس المواطن البسيط في أزمة والمستشفيات التي تخدمه لا يوجد بها أدوات على الإطلاق”، ورأى أن العلاج هو إصلاح الميزانية وأوجه الإنفاق والدعم حينها قد يتغير الحال.

وقال إن “كل وزير حوله شلة منتفعة ونجد أخبار دائمة عن الفساد والرشاوى يتلقاها مسئولين في الصحة –في إشارة إلى واقعة القبض على الدكتور أحمد عزيز مستشار الوزير متلبسًا بتقاضي رشوة قيمتها 4.5 مليون جنيه- ولم يتحرك أحد لا الوزير أو غيره، حتى إجراءات مجلس النواب شكلية”.

فيما يرى الدكتور سليمان غريب أستاذ القلب بالقصر العيني أن الأزمة مضخمة وليست كما يصورها البعض، موضحا أن “تحرير سعر العملة لم يؤثر في المستلزمات”، واصفا تدخل الجيش باستيراد الدعامات هو عمل مشكور جعل سعر الدعامة الدوائية التي وصلت إلى عشرين ألف جنيه ليبلغ 1800 جنيه وهذه المناقصة يتم توجيهها للمستشفيات الجامعية ومعهد القلب.

وأرجع السبب في طول قوائم الانتظار في معهد القلب على سبيل المثال ليس لنقص الإمكانيات إنما للبنايات والتجديدات إلى حين الانتهاء منها، مؤكدا أن الأمر مؤقت لأن “الإنشاءات الجديدة” هي العائق وليست التسعيرة فلا يوجد نقص شديد في المستلزمات الطبية بل هي متوافرة والنقص بها بسيط.

وطالب الأطباء بأن يشمروا عن سواعدهم العلمية ويستخدموا بدائل المنتج الأجنبي الذي قل ويوجد له أنواع أخرى بنفس التركيز والمادة الفعالة بدلا من تصدير الأزمات، فلا يجب أن يحرم المريض بسبب عدم فهم الطبيب، مضيفا “يوجد في مصر 245 دواء للضغط إذا اختفى عشرة أنواع على الدكتور أن يكتب البديل”.

وأضاف غريب أن النقص في البلازما ومركبات الدم يمكن أن توفر عن طريق إعادة تشغيل هيئة المصل واللقاح، مستدركا “أرفض تماما تحرير سعر الدواء فهو ليس سبانخ أو بامية ليحدد سعره وفق الرغبة، فيجب أن يكون سعره تحت التحكم القوي “الناس مابتشتريش المرض وماينفعش يكون سعر الدواء حسب الباعة والسوق والجنيه”.

وشدد على ضرورة الرقابة على الصيدليات التي زاد دخلها بشكل كبير حينما ارتفعت قيمة الدولار، مضيفا “هم لديهم مخزون حصلوا عليه بالسعر القديم ويجب ألا يطبق السعر الجديد إلا مع الإنتاج الجديد فيجب التفتيش على من يلجأون لتخزين الأدوية بكمية ليسوا في حاجة إليها”.

وأضاف أن ترشيد الاستهلاك فارق أيضا في التعامل مع المستلزمات الطبية، قائلا “في عمليات القسطرة نستخدم بيتادين للتعقيم وأرى تعامل الأطباء معه فهم يستخدمون ربع البوتقة فقط ويرمون المتبقي، فيجب هنا ترشيد الاستهلاك فنحن لا نعاني من نقص شديد في المعدات لا في الأماكن الخاصة أو العامة بل هو سوء استخدام”.

وشرح الدكتور مرتجي نجم استشاري جراحة القلب والمدير السابق لمعهد القلب أبعاد مشكلة نقص المستلزمات الطبية، قائلا إنها نشأت نتيجة انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار وتعذر الشركات الحاصلة على مناقصات المستلزمات الطبية عن التوريد بنفس السعر، موضحا “هناك شركات ما زالت مرتبطة بمناقصات سارية على السعر القديم وجاء انخفاض سعر العملة ليسبب لها خسارة”.

وقال نجم” لـ”محيط” إن القانون واضحًا، ويقول إذا ارتبط طرف بمناقصة مع أي شركة من شركات التوريد ولم توف الطلب فهنا يلزمها بدفع غرامة للمستشفى أو الجهة الأخرى في التعاقد، معتبرا أن هذه الشركات تواجه ظرف قهري وهو تغير سعر العملة فهنا لا بد من الانتباه لهذه المشاكل التي ستحدث والتدخل لمناقشة الأمر بعد امتناعها عن التوفية بالطلبات.

وأوضح أن كل المستلزمات ناقصة في الوقت الحالي، وإنه سيزداد أكثر بسبب تغير سعر العملة لأن نسبة كبيرة من هذه المستلزمات مستوردة “نحو 80% منها تكون من الخارج في كل تخصصات الطب مثل القلب صمامات القلب الصناعية أو جراحة المخ والأعصاب معظم المستلزمات الخاصة بها خارجية”.

وبيّن أن الصمامات كان هناك تحديد لسعرها بين الشركات من خمسة إلى ستة آلاف جنيه، لكن الآن بعد تغير سعر العملة وصل من ثمانية إلى تسعة آلاف جنيه، فهنا كيف ستورد الشركة وهي مرتبطة بالسعر القديم حسب المناقصة المبرمة بالفعل مع جهة ما وارتفاع السعر سيجبرها على التوقف تجنبا للخسائر.

وكشف أن الدول تتحمل في العلاج على نفقتها نسبة معينة ولا بد أن تختلف هذه النسبة لأن الأسعار ارتفعت والمستلزمات سترتفع جدا نتيجة فرق قيمة الدولار بين 8 جنيه في الماضي و18 جنيه بعد قرار التعويم، مضيفا “لدينا مستلزمات يجب أن تتوافر دائما وإلا ستؤدي لوفاة الكثير مثل المستخدمة في قسطرة القلب والدعامات والصمامات والعظام والمفاصل الصناعية”.

المدة الزمنية التي تؤدي إلى تفاقم تتعمد على المخزون المتوافر لدى الشركات والمستشفيات حسب توضيح نجم، مستدركا “لكن بالتأكيد لن تكون طويلة أو زائدة عن ثلاثة أشهر قادمة فالمعتاد ألا تخزن الشركات مستلزمات لأكثر من تلك المدة لكي لا تتلف”.

وتساءل المدير السابق لمعهد القلب كيف تمت مراعاة ازمة تغير السعر؟ هل سيحدث تعويض للشركات المستوردة؟ هل ستتحمل الحكومة الفارق في السعر، وماذا عن المناقصات المقبلة بعد ارتفاع السعر من سيتحمل ارتفاع التكلفة الدولة أم المريض؟

ورأى أن الحل في قرار سيادي بعرض الموضوع على لجان قانونية لبحث التصرف المناسب مع الشركات المستوردة المرتبطة بمناقصات قائمة على أساس السعر القديم لأن ارتفاع قيمة الدولار يجبر الشركات على رفع السعر لكي لا تخسر وقد توقف التوريد وهنا قد تقع تحت طائلة القانون للامتناع عن التسليم وهي مظلومة فمن الذي سيعوض الشركات التي الخسارة؟”.

توجهنا بكل تلك الأسئلة إلى الدكتور حسام عبد الغفار أمين اللجنة العليا للمستشفيات الجامعية، فأوضح أن الأزمة ليست في عدم وجود المستلزمات إنما في تغير سعرها، قائلا “دائما نراعي وجود مخزون استراتيجي كاف من الأدوية والمستلزمات الطبية لفترة قادمة لا تقل عن شهر ونصف، لكن ما حدث خلال الفترة الماضية هو أن هذا المخزون قل عن تلك المدة لكنه موجود”.

وأضاف أنه “لا يوجد أماكن مخزونها الاستراتيجي صفر من المستلزمات الطبية لكنها أصبحت أقل من معدلات الأمان، فلم يتوقف أحد بشكل كامل، لكنهم يحذرون من خطر التوقف بسبب قلة المخزون لديها عما يكفي لشهر ونصف مقبلين”.

وأشار إلى أن الأسعار كانت بمناقصات قديمة عن شهور مضت ما قبل نوفمبر الماضي حيث قرار تعويم الجنيه وانخفاض قيمته أمام الدولار الذي أدى بارتفاع أسعار المستلزمات المستوردة كلها، موضحا أن شركات التوريد توقفت عن التوريد، والقانون يلزمهم بالتوريد أو دفع الغرامة فالشركات فضلت دفع الغرامة عن التوريد بالخسارة”.

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل