المحتوى الرئيسى

مجلة في المنفى الألماني تعكس الثقافة السورية وفنونها

12/06 09:59

مع اقتراب عقارب الساعة من السابعة لمساء يوم الثلاثاء الماضي (29 نوفمبر/تشرين الثاني 2016) يبدأ حشد غفير من البشر بالتوافد على مكان الفعالية الموجود في مركز برلين التاريخي. على بعد بضع مئات الأمتار من هناك يحكي "النصب التذكاري لجدار برلين" عن حقبة من الماضي الألماني، ويلاحظ المشاهد وجود تشابه وتقاطع مع الحاضر السوري. مكان الفعالية يعج بالحضور ويضيق بالناس. السَحَنات والهيئات تَشي بتعدد كبير للجنسيات والأصول، بيد أن لغة التواصل هنا هي الإنجليزية. لم يكن ذلك صدفة: فاليوم يتم نشر مجلة باللغة الإنكليزية.

بين حفلة زفاف وولادة مجلة

قبل نحو عام، تعرّف الشاعر وكاتب السيناريو، الفلسطيني-السوري محمد أبو لبن، على الناشر والصحفي الألماني، ماريو مونستر، في حفل زفاف للمخرج المسرحي السوري زياد عدوان والفنانة السورية مي سعيفان. ومن هنا اكتمل عقد الثلاثي، زياد ومحمد وماريو، وعلى أيديهم جاءت ولادة مجلة A Syrious Look . وكانت علاقة ربطت محمد بماريو؛ إذ أنه ساهم بعدة مقالات في المجلة الفصلية Rosegarden، التي يصدرها ماريو منذ عام 2013 من برلين. "تنطلق فكرة المجلة وإطارها العام من الثقافة المنتزعة من جذورها. وتمثل المجلة لحظة توثيقية بعد وصول السوريين الإثنين إلى ألمانيا: ما هي انطباعاتهما وأفكارهما ومكانهما على الخريطة الفنية والثقافية والأدبية العالمية، وكيف هي تطورات تجاربهما"، يخبرنا زياد قائلا: "إنها محاولة لتقديم بورتريه مختلف عن الثقافة السورية في المنفى، ونحن لا نقول إن المساهمات والمحاولات الأخرى خاطئة. بيد أننا أردنا تناول القضية بشكل أكثر عمقاً؛ والمجلة الفصلية أو نصف السنوية تتيح لنا هذه الإمكانية". لم يحسم الثلاثي أمره بعد ويقرر هل ستكون المجلة نصف سنوية أم فصلية.

تتوجه المجلة إلى شرائح مختلفة من القراء، فزياد يحدد تلك الشرائح في المهتمين بـ"الأدب والفن والثقافة، وبالشأن السوري، وبالصورة الثقافية العالمية لبرلين". ويوافقه في الرأي ماريو الذي يضيف: "تخاطب المجلة الفئة غير الراضية على أن يكون اللاجئ مجرد لاجئاً أو قوة عاملة في سوق العمل". وينفي محمد أبو لبن أن تكون المجلة موجهة "للاجئين بشكل أساسي"، غير أنه يعود ليؤكد أن "هذا ليس تعالياً على اللاجئين، فالمجلة تهتم بمواضيع اللاجئين من زاوية أنها تعطي الأمل للاجئ بأنه يمكن أن يكون خلاقاً ومبدعاً ويعيش بسلام". وورد في الصفحات الأولى للمجلة أن خمسين بالمائة من عائدات المجلة ستخصص لتمويل نشاطات ثقافية في سوريا. أما الخمسين بالمائة الأخرى فستمول إقامة ورشات عمل في الفن والتمثيل للاجئين السوريين في برلين. وكان زياد قد أقام عدة ورشات مسرحية مع لاجئين في برلين وميونيخ واليونان، وألعاب مسرحية للتأقلم مع بيئات جديدة.

برلين مدينة ثقافية عالمية يعيش فيها العديد ممن يتحدث ويتواصل باللغة الإنجليزية. فلا غرابة إذن أن تصدر المجلة باللغة الإنكليزية في العاصمة الألمانية. ويؤكد محمد أبو لبن أن "الجمهور المستهدف هو جمهور متعدد الجنسيات ممن يتقن الإنجليزية". ويشير زميله وابن دفعته الدراسية في "المعهد العالي للفنون المسرحية" بدمشق، زياد عدوان، أسباب أخرى لذلك: "إصدار المجلة باللغة الإنجليزية يشكل جزءا من اللحظة التوثيقية. الكثير من الفنانين السوريين يتواصلون مع الألمان ومع باقي الجنسيات بالإنجليزي. والإنجليزية هي لغة معظم الأعمال التي يشتغل فيها سوريون في ألمانيا". ولا يستبعد محمد - في إطار هذه اللحظة التوثيقية- صدور "أعداد لاحقة من المجلة باللغة الألمانية".

يقدر الفنان البصري والناشط الثقافي خالد بركة عدد الفنانين والفاعلين الثقافين السوريين في ألمانيا "بالمئات". ونظراً لغياب احصائيات موثوقة، يعمل خالد على إطلاق "فهرس سوريا الثقافي"، الذي ينبغي أن يشكل "منصة بديلة لحالة الشتات، وخارطة تصل بين المجموعات السورية الفنّية حول العالم". بالمقارنة بين المدن الألمانية،أضحت برلين قبلة للفنانين والمثقفين السوريين. ويذكر زياد، الذي يعمل أيضا كباحث مشارك في جامعة ميونيخ، أنه من بين أهداف المجلة "تناول العلاقة المرتبطة ببرلين كمدينة". سألنا مخرج الأفلام الوثائقية ومؤسس "مهرجان سوريا لأفلام الموبايل"، عامر مطر، عن طبيعية علاقته ببرلين، فأجاب "برلين جميلة، ولكن هناك التباس في علاقتنا معها كواقع، حيث مفروض علينا العيش فيها، لأنه ببساطة ليس هناك من مكان آخر نذهب إليه. أتصور أن العلاقة مع برلين الجميلة ستكون أجمل لو كان ذلك بمحض إرادتنا الحرة"، جاء كلامه هذا في معرض تعليقه على سؤالنا على خلفية مقابلة له في المجلة.

تزخر المجلة بالكثير من الأشكال الصحفية الثقافية والفنية: مجموعة من الصور الفوتوغرافية توثق الدمار الذي حلّ بالمنشآت التعليمية والثقافية في سوريا، فهناك حوار مع المفكر صادق جلال العظم عن النهضة والدين والمنفى والثورة، وهناك مقتطفات شعرية لشعراء سوريين في المنفى، وتوجد أيضا مادة عن عسكرة النظام السوري لتلاميذ وطلاب المدارس السورية، ولوحات تشكيلية وأخرى فنية عن المرأة في الثورة السورية. كما تدعو مادة أخرى للألماني رافائيل نوينر إلى ضرورة التغلب على النقص الحاصل في تبادل المشاعر والعواطف بين الألمان والأوروبيين .

حفل إطلاق العدد الأول من المجلة الثقافية في برلين

وتطلعنا مي سعيفان على مشروعها في أرشفة منامات (أحلام) السوريين منذ عام 2011 وحتى اليوم، واستوحاء عروض مسرحية منها كمسرحية "التخريب للمبتدئين" التي شاركت في "أيام قرطاج المسرحية". كما يروي ديفيد هيرمان، في بوح شخصي، قصة عائلته مع اللجوء بدءً من تهجير جدته من بروسيا الشرقية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، إلى أن هرب جده من ألمانيا الشرقية الشيوعية، وصولاً إلى رحيله إلى إنكلترا وهو ابن خمسة عشر عاماً. وقد أمضى هناك عقدين من عمره قبل أن يحط الرحال في ألمانيا وفي برلين مرة أخرى. ويقدم المصمم في مجال الرسوم المتحركة والموسيقي، سلام الحسن، في قصة مصورة، حكايته الشخصية ورحلته مع الموسيقا بين دمشق ودبي وبرلين، وكيف أثر عمله الموسيقي في برلين على حياته "بشكل إيجابي عالج به خواطره".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل