المحتوى الرئيسى

مصنع آيس كريم يستولى على «قبة الصالح ».. والانهيار يهدد «فاطمة خاتون» | المصري اليوم

12/05 23:24

يزخر حى الخليفة، والذى يحتل موقعاً مميزاً بقلب القاهرة التاريخية، بهذه البانوراما الفريدة المتنوعة التى تجمع بين الحياة والموت والجمال والذوق الرفيع ملطخا بالقبح والفعل الشنيع، وامتدت إليه يد العبث والتراخى الحكومى والأمنى، رغم أنه يجمع بين الدين والحضارة والتاريخ والفن الفاطمى والأيوبى والمملوكى والملكى.

يشكل المكان متحفا مفتوحا يضم البشر والحجر وما خلفه السلاطين والأمراء وحواشيهم وجواريهم وزوجاتهم من أثر، إلا أنه مازال خارج خريطة اهتمامات الدولة.

وتحتل «بقعة مباركة» من الشارع مكانة كبيرة فى قلوب المسلمين فى العالم الإسلامى، ويطلق عليها اسم «البقيع المصرى» أو «البقيع الصغير»، حيث ينتسب إليها مشاهد ومراقد وأضرحة لعدد من آل بيت النبوة، وتعلن عن نفسها من خلال قبابها ومآذنها المنتشرة ومزاراتها مشرعة الأبواب طوال اليوم.

ويوجد عند مدخله بجوار مسجد السيدة نفيسة خريطة جدارية ضخمة جهة اليسار تم رسمها على سور مدرسة شجر الدر الابتدائية لتوضح معالم المنطقة التى تضم مساجد ومقامات ومشاهد وأضرحة وقبابا وأسبلة وقصورا منيفة وبيوتا تاريخية فخيمة، ومطاعم وورشاً ومنتجات يدوية تضم حرفا مختلفة، من بينها الحدادة والنجارة والنحاس والميكانيكا والمشغولات الفنية والتحف، بل وسوق كبيرة للخضروات والفاكهة يغلب عليها الطابع التاريخى القديم بعرباتها الخشبية وعششها ومخازنها العتيقة ذات الأبواب الخشبية المتهالكة التى تفوح منها رائحة الزمان.

وعلى بعد أمتار قليلة على يسار الشارع توجد ربوة عالية يمكن الصعود إليها بالسلالم، يستطيع الزائر، من فوقها، مشاهدة معالم المنطقة، فى حين يرى القلعة ومسجد محمد على بمآذنه وقبابه الفضية اللامعة على مرمى البصر، بينما تنتشر الصروح الأثرية ذات اليمين وذات الشمال، لكن اللافت أن اللوحات الإرشادية الخاصة بهذه المعالم تم وضعها تطوعا من جانب جمعية الحفاظ على التراث المصرى وليس وزارة الآثار.

المنطقة تعج بالمنازل السكنية القديمة التى تنتشر فى الدروب والحوارى والأزقة والعطف والمطرزة بالدكاكين العتيقة والحرف التراثية، والمشهد كله يوحى بفوضى مبعثرة ترتسم ملامحها بامتزاج شديد اللزوجة بين بيوت الأهالى المتهالكة وورش الحدادة والنجارة والخراطة وتصليح السيارات والخردوات والخضروات وأكشاك السجائر والمرطبات، بل وتحولت أسوار آثار شهيرة مثل مسجد بن طولون إلى إسطبل للخيول والبغال والحمير، وركن السيارات فى أحد الجوانب، فضلا عن القمامة التى تنتشر داخل وحول الآثار والمزارات الدينية.

وتوقفت خطط التطوير، حيث لا يوجد سوى بعض أعمال الترميم فى عدد من الأضرحة، فى حين تنتشر القمامة والتوك توك والمطبات والحيوانات الضالة.

وفى هذا الصدد طالب الدكتور رأفت النبراوى، أستاذ الآثار الإسلامية، وعميد كلية الآثار الأسبق بجامعة القاهرة، بضرورة وضع المنطقة على خريطة التطوير وتنميتها، خاصة أنها تضم آثاراً نادرة من مختلف العصور، مشددا على ضرورة إغلاق المنطقة من الجانبين على غرار شارع المعز ومنع عبور السيارات والدرجات البخارية، ومنع الاعتداءات.

وقال النبراوى لـ«المصرى اليوم»: «وضع المنطقة على خريطة المزارات السياحية الثقافية والدينية يستلزم تنظيفها بالكامل، خاصة أن بها أضرحة ومشاهد لآل بيت الرسول يأتى الناس لها من كل مكان فى العالم، وهو ما له انعكاسه الإيجابى على تنشيط السياحة». مضيفا: «يجب توقيع عقوبات قاسية على الأهالى ممن ينتهكون حرمة الآثار».

ودعا إلى شن حملة دعاية للمنطقة ودعمها بالخرائط السياحية، وتنشيط الوعى الأثرى لدى السكان، مؤكدا أن المسألة لا تنحصر فى ضعف التمويل بقدر ما تتعلق بالتنظيم.

وأشار إلى أن المسؤولين لا يقدرون قيمة هذا المكان، وكل واحد منهم «همه الجلوس على كرسيه فقط، فكل من وزارتى السياحة والآثار فى غيبوبة»، مؤكدا أن المسألة تنظيمية تمويلية حتى تتحول إلى قيمة اقتصادية تفيد البلد.

وقال النبراوى: «نحن كأثريين وأساتذة جامعات مستعدون أن نشارك فى توعية الجماهير وإرشاد الناس بأهمية الآثار وكيفية الحفاظ عليها، وذلك إذا طلب منا ذلك»، مشددا على ضرورة توقيع عقوبة قاسية على كل من ينتهك حرمة الآثار من خلال إلقاء القمامة، ومطالبا فى الوقت نفسه بإغلاق المنطقة ومنع دخول السيارات والدراجات البخارية والتوك توك.

الأكثرية الكاسحة من زائرى المنطقة والمريدين يذهبون إلى أضرحة الأولياء، أملا فى التبرك بآل بيت النبوة، والتماسا للراحة، وأملا فى استجابة الدعاء، حيث حرص خدام الأضرحة على تعطيرها طوال الوقت بالمسك من الداخل، غير أن معظمها مازال يخضع لعمليات الترميم التى إما توقفت أو لم تكتمل، حيث تعانى جدرانها من التشقق والرطوبة والأملاح التى أثرت عليها بشكل ملحوظ، كما أنها محاطة بالقمامة، سواء فى المناطق الخلفية، أو أمام الأسوار الخارجية، لترسم مشهدا سلبيا سيئا لا يتناسب مع القيمة الروحية لهذه المزارات.

ولا يخلو مسجد السيدة نفيسة بدوره من التجاوزات، حيث تحولت ساحته الأمامية إلى موقف لسيارات الميكروباص والأجرة والتوك توك والباعة الجائلين المتنقلين أو الثابتين.

أما مسجد السيدة سكينة فمحاط هو الآخر بعديد من الظواهر السلبية، حيث تقع أمامه ساحة كبيرة لانتظار السيارات التى لا تخلو بدورها من القمامة، ويتراص أمام المشهد كثير من المقاعد التابعة للمقهى الموجود أمامه، بينما يتناثر دخان الشيشة حوله وما يصاحبه من صخب السمر على المقهى.

وبعد الانتهاء من شعائر الصلاة بمسجد السيدة رقية يهرول كثير من المصلين لالتماس البركة من مجمع أضرحة الأولياء، حيث يتعلقون بأستارها، ويبتهلون إلى الله بأسمائها.

الشيخ حسن، والذى يقيم الشعائر فى مسجد السيدة رقية المجاور لأضرحة آل البيت، قال لـ«المصرى اليوم» إن الزيارات هنا لا تتوقف ليلا ونهارا، ونغلق الباب بعد صلاة العشاء، ولكن إذا جاء زائر من الخارج فإننا لا نتردد فى فتح الباب له، مؤكدا أن المسلمين يفدون إلى مجمع الأولياء من جميع أنحاء العالم الإسلامى وليس الدول العربية فقط.

وقال الشيخ حسن إن المكان كله موثق، وإن كل من هم بالمراقد من آل بيت النبى، وهذا منذ أن جاءوا مسجد السيدة رقية.

هناك مقبرة مكتوب عليها «مقامات الأولياء» ومكسوة بالرخام، ولكن الشيخ حسن قال إنه لا يعرف من هم هؤلاء الأولياء الذى يضمهم المقام، واكتفى بتعديد أسماء المشهورين الذين أقيمت أضرحة لهم بجوارهم، مثل السيدة عاتكة والجعفرى وزبيدة ورقية وأسماء.

ويوجد ضريح محمد بن سيرين، وعبد الله عبدالغنى البلاسى فى الجانب الآخر من الشارع، ويبدو أنه ليس مدفونا فى هذا الضريح الصغير، والذى فتح على مصراعيه وتم تعطيره بالمسك، بينما لا تنقطع الرجل عنه، ولكنه يعلوه دور علوى سكنى تم بناؤه عليه، حيث يتدلى الغسيل على الضريح، لكن القمامة تتناثر خلف أسوار القباب الداخلية، مثلما تنتشر وراء الأسوار الحديدية الخارجية بصورة مقززة لا تناسب المقامات الشريفة.

الأسطى عصام سعيد، صاحب أكبر ورشة خشب بجوار مقام ابن سيرين والبلاسى، أكد أن تلك القمامة تلقى طوال اليوم، ولكن عمال النظافة بالحى يقومون برفعها صباحا، مشيرا إلى أن أعمال البلطجة تضاءلت مقارنة بوضعها أيام الثورة، خاصة أيام الأعياد.

وبجوار السيدة سكينة يوجد حضرة للشيخ كمال الرفاعى التابع للطريقة الرفاعية، حيث كان بعض المريدين يقيمون إحدى حلقات الذكر ليلا.

ويوجد مخزن للخضار بجوار ضريح حسن الأنوار، والد السيدة رقية، بينما يقف صاحب المخزن بعربة طماطم أمام الضريح.

أما قبة السلطان الأشرف خليل بن قلاوون، فعلى الرغم من أنها مسجلة كأثر برقم 274، إلا أنها وقعت فى قبضة مصنع للآيس كريم، فقد وضع أصحاب المصنع يدهم على الأثر واتخذوا من واجهته الأمامية خلف السور ساحة لانتظار سيارات المصنع لنقل المنتجات والبضائع.

المبنى يسيطر عليه كثير من مظاهر الإهمال الشديد من بينها: المياه الجوفية ومياه الصرف الصحى والرطوبة والأملاح والشروخ الغائرة وتآكل الجدران، التى بدت بائسة متداعية، وقذارة مظهر البنيان الذى يكسوه الهباب، بسبب تراكم الأتربة وآثار متناثرة لحرق المخلفات، إلى جانب الاعتداء على حرم الأثر والقمامة والحشرات والثعابين والقوارض وانتشار الحشائش الضارة والشنط البلاستيكية وإطارات السيارات والموتسيكلات، ليبدو الأثر «خرابة آيلة للسقوط».

بينما تفاقمت الأزمة بوجود صندوقين للقمامة فى الجهة المقابلة، مما يؤدى إلى تفاقم أزمة النظافة، خاصة مع انتشار القمامة حول الصندوقين والكلاب الضالة.

وتشاركه قبة فاطمة خاتون، الخاصة بأم الملك الصالح، والمسجلة كأثر برقم 274، كل من الشبه والمصير ذاته، وقد بدت متهدمة متداعية، تعبث الشروخ ببرجها، وآثار حرق المهملات، والتى تعد الطريقة الأسهل فى التخلص منها، ترتسم صور قبيحة تعلو الأنماط الزخرفية والفنية التى تميزت بها العمارة الإسلامية، بل وتحل محلها، فى حين يتم استغلال الكوة أو القبوة الخارجية كساحة لركن السيارات.

وأفاد صاحب كشك موجود أمام آثار «قلاوون»، والذى رفض ذكر اسمه: بأن «الحكومة لا تفعل شيئا للحد من المياه الجوفية والصرف الصحى فى الشارع، والذى يؤثر على جميع المبانى».

وأضاف: «تعبنا من الشكوى ولكن يبدو أنه لا توجد دولة، فنحن نعانى من البعوض والناموس والحشرات الضارة والثعابين السامة التى تحويها هذه القباب، وتقدمنا بشكاوى كثيرة ولكن لا أحد يستجيب». وتابع: «أن الحكومة لا تهتم بأزمة القمامة فى تلك الآثار، رغم ما تسببه لنا من مشاكل صحية وأمراض، خاصة للأطفال وحساسية على الصدر».

عندما ترى سبيل اليازجى، الواقع على رأس ناصيتين لشارعى السيدة نفيسة والأشرف، يتعسر التمييز بين ما إذا كان أثرا له تاريخ ومسجلا لدى وزارة الآثار أم أنه بيت سكنى قديم متواضع، ويبدو مجهول الهوية، حيث يتدلى منه منشر غسيل، فضلا عن ستائر تدل على تحويله إلى سكن فقير متواضع وقد عمته الإضاءة ليلا من خلال «لمبة نيون»، وهناك أكثر من سبيل مجهول النسب، مطموس المعالم، مجهول الهوية، وعندما سألنا عددا من السكان وأصحاب الدكاكين عنها أنكروا معرفتهم بتاريخها أو أصحابها، ولكن بعضهم اكتفى بالقول بأن هذه أملاك للحكومة المصرية أو أنها ملك للأمراء والسلاطين وأهل الخير، وأن هذا السبيل كان مثل الزير تم إنشاؤه كى يرتوى أهل الحى والغرباء من عابرى «السبيل».

لكن عبد الله، بائع عصير القصب، أمام أحد الأسبلة الذى تحول إلى مقلب للقمامة، عبر عن استيائه الشديد وأسفه من تحول الآثار إلى هذا المصير «المحزن».

وقال: «أعيش هنا منذ زمن ولا أعرف لمن ينتسب هذا السبيل ولا يوجد دليل أو لوحة إرشادية، فهو مغلق وتخرج منه الحشرات والروائح الكريهة، ولا أحد يهتم بتجديده أو تنظيفه.

ويجسد بيت ساكنة بك أسوأ مظاهر القبح، رغم أنه صاحبته هى المطربة الكبيرة «ساكنة»، التى كانت أول سيدة تحصل على لقب البكاوية من الخديو إسماعيل، كما كانت أستاذة ألمظ هانم، زوجة عبده الحامولى، والتى انضمت للغناء فى تختها الخاص، والبيت غير مسجل رغم أنه من البيوت ذات الطراز المعمارى المتميز الفريد، ويشعر الزائر بأنه مجرد خرابة ولا يتصور أنه تحول من قصر للأنس والطرب إلى بيت مهجور خرب، واتخذ منه البعض مخزنا للأخشاب والكراكيب، شاع عنه فى الحى أنه مسكن للجن والعفاريت، ويقع البيت خلف مسجد أحمد بن طولون، وأمامه عطفة المسيرى و«درب الكحالة»، والذى يوجد على ناصيته بيت آخر سقط ولم يتبق منه سوى الجدران، وعلى ناصية درب الكحالة، حيث كان أحد «الصنايعية» يقوم بنقل وتشوين حمولة أخشاب تشمل مقاعد وأسرة، وذلك لتخزينها داخل البيت، والذى اتخذ منه مخزنا خاصا له.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل