المحتوى الرئيسى

برنامج الحكومة.. .. . بين الوعود والواقع!

12/05 22:03

قدم م. شريف إسماعيل برنامج الحكومة فى بيان ألقاه فى مجلس النواب «الموقر» يوم 27 مارس 2016 وحاز على ثقة المجلس، ومنذ أيام ورئيس الوزراء يعلن أن الحكومة ستقدم للمجلس تقريراً عن أدائها حتى الآن، وبعد مضى ثمانية أشهر حفلت بالكثير من القرارات الحكومية المفاجئة التى خرجت عن سياق البرنامج الحكومى ونشأت عنها مشكلات غير مسبوقة ما زالت آثارها وتداعياتها تطحن المواطنين وتحاول الحكومة أن تعالجها بمزيد من القرارات غير المدروسة.

وفى مقال سابق نشر بـ«الوطن» فى 25 أبريل 2016 طالبت برفض ذلك البرنامج لعدم تعبيره بصدق ووضوح عن أهداف ثورة 25 يناير/30 يونيو من تنمية تستهدف تحقيق الرفاهة الاقتصادية، والعدالة اجتماعية، والكرامة الإنسانية فى مشروعات ونتائج قابلة للقياس، واقتصار ذلك البرنامج على عبارات إنشائية غير محددة التوقيت ولا آليات التنفيذ، وعدم وضوح الالتزام بما نصت عليه مواد الدستور، خاصة فى مواد الحقوق والحريات وضمانات حقوق الإنسان وتطوير الخدمات العامة، وعدم توقيت تفعيل تلك الالتزامات وتحقيقها على أرض الواقع، وكان من أسباب مطالبتى برفض برنامج الحكومة هو التقليدية واتباع ذات الحلول والسياسات القديمة التى ثبت فشلها فى علاج مشكلات مصر المتراكمة، وافتقاد الجرأة والتحديث فى استثمار الموارد الوطنية والطاقات الإنتاجية المعطلة، أو الكشف عن موارد جديدة، أو محاولة الخروج من الحيّز العمرانى الضيق الذى ينحشر فيه المصريون فيما لا يزيد على 7% من مساحة مصر، فضلاً عن ترديد نوايا غير محددة الإجراءات ولا التوقيت مثل مقاومة الفساد أو إصلاح أحوال المحليات ورفع كفاءة الأجهزة المحلية وإعمال نظم متطورة لاختيار القادة المحليين ومتابعة وتقييم أدائهم، ومحاسبتهم ومساءلتهم عن سوء الإدارة وتردى الخدمات وتراجُع التنمية المحلية!

لقد ثبت خلال الشهور المنقضية بين تقديم الحكومة لبرنامجها وحتى الآن عدم تحقيقها للوعود التى أسرفت فى الحديث عنها، بل فى الحقيقة أن الحكومة نقضت تلك الوعود وجاءت بعكسها! لقد نقضت الحكومة وعودها بالإصلاح الشامل على جميع المستويات السياسية، الاقتصادية، البيئية، الإدارية، واتباع المنهج العلمى السليم فى مواجهة المشكلات والتحديات وتبنى أفكار جديدة واتخاذ العديد من القرارات الصعبة التى طال تأجيلها، وأن أى إجراء اقتصادى سوف يصاحبه برنامج اجتماعى، وأى برنامج اجتماعى سوف تكون موارد تمويله مؤمّنة لضمان استدامته تماماً مثل قصة البيضة والفرخة، فضلاً عن الوعد بعدم التهاون مع الفساد بكل أشكاله، والغريب أن الحكومة صدقت فى أمر واحد وهو اتخاذ قرارات تحرير سعر الصرف وتخفيض قيمة الجنيه وتخفيض الدعم على الوقود انصياعاً لشروط صندوق النقد الدولى، تلك القرارات التى لم تكن محلاً لدراسة وافية فاجأت الجميع وأولهم الحكومة ذاتها، وكأن ارتفاع سعر الدولار لم يكن متوقعاً، مما ترتب عليه اختفاء الأدوية ومستلزمات المستشفيات الضرورية وضُربت صناعة الدواء المحلية فى مقتل، وهى التى تعتمد أساساً على استيراد كل الخامات الدوائية! ثم تفاجأت الحكومة بضرورة تصحيح كل تقديرات الموازنة العامة لأنها احُتسبت على أساس سعر الدولار قبل 3 نوفمبر 2016 تاريخ تحرير أسعار الصرف، ومن ثم أصبحت تكلفة خدمة القروض الخارجية واحتياجات الحكومة من الدولارات غير واقعية وسوف تضطر إلى إعادة احتسابها بأسعار الدولار الجديدة وهى تقارب فى المتوسط ثمانية عشر جنيهاً للدولار، وذلك حتى تستطيع الوفاء باستيراد السلع التموينية، وأهمها القمح والزيوت والذرة وغيرها من الأتزامات، فضلاً عن سداد أصول القروض وتحمل نفقات بعثاتها الدبلوماسية فى الخارج وسفر الوزراء والمسئولين إلى الخارج وغيرها من الالتزامات!

كما فوجئت الحكومة بوجوب تصحيح التقديرات التى بنيت على أساس أسعار الدولار قبل تحرير أسعار الصرف عند إعداد الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الجارى تنفيذها، واستراتيجية التنمية المستدامة 30-20 التى أُطلقت فى فبراير الماضى والتى لا نعلم ماذا تحقق منها، لقد فشلت الحكومة فى تنفيذ وعدها بأن تكون أهدافها واضحة ومحددة يسهل متابعتها وتقييم التقدم فى تحقيقها، ومن ثم تحقيق ما وعدت به بأن يكون «الاقتصاد المصرى اقتصاد سوق منضبط يتميز باستقرار أوضاع الاقتصاد الكلى وقادر على تحقيق نمو احتوائى مستدام»، كذلك وعدت الحكومة بأنها ستعمل مع القطاع الخاص وستعالج البيروقراطية، وستعيد بناء الجهاز الإدارى للدولة على أساس الكفاءة والنزاهة والفاعلية، وجميعها وعود كانت لم تتحقق! وكانت أبرز وعود برنامج الحكومة التى ليس فقط لم تتحقق، بل إنها انقلبت فى مسار معاكس، ما جاء فى البرنامج أن «الموضوعات التى تهم المواطن ستحظى من الحكومة بالأولوية المطلقة، ولكن ذلك يحتاج إلى استثمارات ضخمة وبرامج زمنية متوسطة المدى حتى تظهر النتائج الإيجابية التى ننتظرها جميعاً»! فكانت قرارات خفض قيمة الجنيه التى عصفت بدخول المصريين ومدخراتهم وخفضتها بما يقرب من 50% مع استمرار زيادة أسعار جميع السلع والخدمات، لتؤكد فشل الحكومة فى حماية المواطنين من الآثار المدمرة والصادمة لقراراتها هى وآخرها قرار إعفاء الدواجن المستوردة من الرسوم الجمركية الذى استفاد منه كبار المستوردين بما يقدر بأكثر من مليار جنيه، ثم التفكير فى التراجع عنه لآثاره الوخيمة على مزارع الدواجن الوطنية، كذلك تصريحات رئيس الوزراء منذ أيام عن تفكير الحكومة فى فرض ضريبة تصاعدية والخوف أن تفرض الضريبة دون دراسة كالمعتاد ثم تضطر الحكومة إلى تجميدها تحت ضغوط أصحاب المصالح كما حدث فى حالة تأجيل تنفيذ قرار فرض الضرائب على الأرباح الرأسمالية على تعاملات البورصة فى مايو 2015 لمدة عامين، ثم تلا ذلك قرار المجلس الأعلى للاستثمار فى نوفمبر الماضى بمد التأجيل لثلاث سنوات! وليس من شك أن الحكومة لن تستطيع ذكر إنجازاتها التى لم تحدث فى مجالات التنمية الزراعية والصناعية وفى تطوير منظومات التعليم والصحة، وفى مجال مواصلة جهود تنفيذ توصيات الخبراء الدوليين بخصوص آثار سد النهضة، التى لم تبدأ بعد والسد يوشك على الانتهاء ولا فى خصوص احترام حقوق الإنسان التى نصّ عليها الدستور، ولا عن ترسيخ البنية الديمقراطية لمصر الحديثة، وبالقطع لن تستطيع الحكومة فى تقريرها لمجلس النواب أن تذكر مهزلة الطعن على حكم محكمة القضاء الإدارى ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية وبطلان تسليم جزيرتى صنافير وتيران للمملكة، حيث إنهما مصريتان! كما أن الحكومة لن تستطيع تبرير اهتمامها بالمشروعات التى يتبناها الرئيس مع الاستمرار فى عدم الإفصاح عن مدى جدواها أو تكلفتها أو العائد منها ولا ماذا تحقق منها وحجم التمويل الحكومى لها! كذلك من غير المتوقع أن يتعرض تقرير الحكومة لمجلس النواب لقضية إدارة الأصول المملوكة للدولة أو تطوير شركات القطاع العام وإعادة هيكلة قطاع الأعمال العام، حيث إنه ببساطة لم يحدث أى جديد يستحق الذكر فى هذا المجال!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل