المحتوى الرئيسى

خاطبه كما خاطبه نجيب محفوظ

12/05 17:24

الأشخاص مبادىء وحقائق لا تحتاج لتفسير هذا باختصار أبسط رد على مطالبة نائب مصري بمحاكمة الأديب نجيب محفوظ على ما اعتبره "خدشا للحياء" في روايتي قصر الشوق والسكرية.

نجيب محفوظ مثل سائر الكتاب الآخرين يتميز ببعض التجليات الخاصة به، تستمتع بأسلوبه السردي الذي يحببك فقط في قراءة ما يكتب قبل أن تبدأ في رحلة التفكير فيما يقوله، يأخذك لعوالم قديمة تتماشى مع الفترة التي عاشها في كتاباته وما قبلها، عن عصور مصر من أيام ثورة 1881 وحتى عصر الانفتاح أم لمحاكماته السياسية للأنظمة الحاكمة لمصر على مدار عشرات الأعوام ما قلته يتشابه فيه محفوظ مع كتاب كثيرين ومتنوعين وبطرق مختلفة إذن ما هو الاختلاف عند محفوظ.

شخصيات أبطال نجيب محفوظ شخصيات تدير حياتها الفلسفة والفكر والقصة كلها تدور أحداثها بفعل فكرة فلسفية ونظرية ومن ثم تطبيقها، محفوظ عبدالدايم أو داوود باشا أو جعفر النوري و أو النظرية الخاصة بالتحرر خارج المنزل والانضباط والحزم في داخله مع شخصية الثلاثية أحمد عبدالجواد أو شخصية أحمد عاكف في خان الخليلي.

نجيب محفوظ لا يعيش في برج عاجي بل على العكس تماماً في رواياته ترى الحيوات البسيطة للطبقة المتوسطة وهي تلك الطبقة التي تمثل الأغلبية العظمى إذن هو يحاكي الأغلبية، ويخاطب مشاكلها بمستوياتها الدينية والدنيوية والوطنية الأخلاقية ويبلور كل هذا في رحلات أبطال وقائدها فقط هو الفكرة وليس كسب العيش أو الانتفاع كهدف ولكن لعبة العقل الذي يقرر مبدأ.

يتجلى ذلك واضحاً في نظريتي بطلي القاهرة الجديدة بتباعدهما الشاسع وفي بطل قصة الاختيار وفي حكاية داوود باشا وفي رحلة جعفر النوري وفي ديناميكية أبطال الباقي من الزمن ساعة وهي التي تحاكي ما يحدث الآن من تشيعات ما بين الدولة والإسلاميين وآخرين فكل بطل هو يتحرك بفعل هدف يحركه أياً كان الهدف فهو يبحث عن أسباب وجذور وحلول حقيقية ربما لا يقدمها ولكن يعرف كيف يبحث عنها وعن المشاكل فهو أيضاً يعرف كيف تبدأ.

لم يكن ممكناً يوماً أن يتم اتهام نجيب محفوظ باثارة الشهوات والغرائز فهو بحكم ما روي عن شخصيته وحياته، هو إن مال يميل لإعمال العقل وإن آمن يؤمن بالعمل وإن طلب فلا يطلب الشهرة وهذا مبين في مسيرته وحياته البسيطة بما فيها من وظيفة ومقهى وعدم ارتحال مطلقاً خارج البلاد وفقط إخلاص فيما يقدمه من عمل وهي أمور تبدو عادية ولكنها تنم عن شخص مؤمن بما يقوم به ومؤمن أنه ليس بحاجة لإثبات شيء فإبداعه يدافع عنه.

يخطئ هؤلاء الذين يهاجمون رأياً أو فكرة أياً كان بأسلوب الحنجورية الغوغائي وسياسة السخرية وفقط، فأنت هنا لا تريد الاستفادة أو الخير العام أو تريد فقط أن تثبت وجهة نظرك، حين يخالفك شخص الرأي ستجلس وتخاطب عقله وإذا ما أمنت بقدرتك على مخاطبة عقله فلن تلجأ للأساليب الأخرى الأمر لن يزيد عن مجرد إثارة لفتنة بغير داع فمخاطبة العقول أسهل من ذلك ولكن لما هذا الخوف من مخاطبتها.

إذا كان نجيب محفوظ لم يخاطب في أعماله الغرائز بما يؤكده تاريخه الإبداعي فإن هؤلاء الذين يتقمصون دور المدافعين عنه ليس عليهم أن يحدثوا الآخرين الباحثين عن إجابات بهذه الحنجورية ويجب أن يخاطبوهم كما خاطبهم محفوظ بحوار مع العقل وكفى.

هذا جزء من كل في قضية تثير القلق وما تردد في أعقاب ذلك أيضاً من تصريحات ليوسف القعيد عن النصوص الدينية وما تحمله من بعض العبارات التي لو أردت أن توجه لها هذه التهمة ستفعل، إن هناك عقول تستدعي من يضيء لها الطريق المظلم بدلاً من أن تترك في مغبة جهلها تلوث الأذن والعقول بما تردد دون وعي.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل