المحتوى الرئيسى

السلمية ليست إستراتيجية ثابتة للإخوان

12/05 15:03

انتقد الدكتور محمد حبيب، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين سابقًا الطريقة التي تعامل بها الإخوان مع أحداث 30 يونيو وتصنيفها على أنها مؤامرة، من قبل أجهزة الأمن والمخابرات، رابطًا بين ما فعله الجيش  في ثورة 25 يناير من ووقوفه إلى جانب الشعب وتكرار ذات الأمر عندما ثار على الإخوان حفاظا على أمن البلاد.

وتساءل حبيب في مقال له على صحيفة الوطن " فتنة السلطة (٢)" : لماذا لم يقبلوا ابتداء باستفتاء أو انتخابات رئاسية مبكرة، وساعتها كان من الممكن أن يفوزوا أو - على الأقل - يضعوا هؤلاء من أسموهم «الانقلابيين» الذين «تآمروا» عليهم في حرج أمام الشعب وأمام العالم؟

لا خلاف على أن السلطة السياسية بصفة خاصة، لها بريقها وجاذبيتها، وأيضاً تأثيرها وخطورتها على الآمرين والمأمورين معا.. وبديهى أن يبلغ التأثير والخطورة مداهما عندما يتطرق إليها خلل، سواء من جهة الآمر أو من جهة المأمور أو من جهة الأمر نفسه، وهى هنا تتعرض للارتباك والتصدع والوهن، وقد تنتهى إلى انهيار (انظر «منطق السلطة.. مدخل إلى فلسفة الأمر»، ناصيف نصار، ط٢، ٢٠٠١)

أحيانا تصيب السلطة رأسها بالعمى الجزئى أو الكلى، فلا يرى ما يراه الآخرون، على الرغم من وضوح الشىء وبروز معالمه.. وقد يلعب مستشاروه أو معاونوه دورا فى هذا العمى، فيحجبون عنه أشياء ويظهرون أشياء أخرى، فلا يرى الحقيقة أو يرى فقط جزءا منها.. وقد يعود السبب إلى ضعف فى وعى وإدراك رأس السلطة ذاته، فلا يستطيع أن يتبين الفرق بين ما هو نافع للوطن وما هو ضار به، بين ما هو مصلحة عامة ومصلحة خاصة، وبين الرؤية الكلية والرؤية الجزئية، وهكذا... فقد زعم الإخوان ومناصروهم أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية هى التى قامت بتثوير الشعب المصرى ليخرج ضدهم فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣..

حسنا، فلماذا لم تقُم هذه الأجهزة بحشد الشعب خلف الفريق أحمد شفيق فى الجولة الثانية للانتخابات، كى تحرم الإخوان فرصة الوصول إلى السلطة؟ ولماذا قبل الشعب - أصلا - أن يستدرج أو يساق إلى ثورة هو لا يريدها ولا يرغب فيها، وضد أناس هو يتعاطف معهم ويرى فيهم أمله وحلمه؟ وحتى لو افترضنا جدلا أنه كان لهذه الأجهزة دور فى تثوير الشعب، فإن الأخير ما كان ليستجيب إلا لأنه ضاق بهم وبحكمهم، وكره سوء إدارتهم! والحقيقة أنه لم يكن لدى الإخوان شىء يشفع لهم عند الشعب.. كانت قدراتهم - كجماعة - أضعف بكثير جدا مما تحتاج إليه الدولة من قدرات وإمكانات، خاصة فى تلك المرحلة.. يقول ناصيف نصار (المرجع السابق): « تبدو السلطة قيمة جذابة ومخيفة، عالية وغير مستقرة، مسببة للارتياح والرضا ومثيرة للانزعاج والنقمة. إنها قيمة ساحرة بما تمنحه وما تأخذه. فلا غرابة أن تتعارك الإرادات الخاصة حولها، وفى أن يتمسك القابض عليها ببقائها بين يديه أطول مدة ممكنة».. إن الإخوان لم يحققوا شيئا ذا قيمة، وكان حريا بهم أن يعترفوا بعجزهم وفشلهم بدلا من تعليق السبب على شماعة الأجهزة.. ومما يدل على أنهم كانوا منفصلين عن الواقع ادعاؤهم أن الجماهير الثائرة لن تتجاوز بضعة آلاف، على الرغم من أن استمارات المعارضة التى جمعتها حملة «تمرد» بلغت ٢٢ مليونا.. وكانوا مضحكين عندما ادعوا أن هذه الملايين التى خرجت فى ٣٠ يونيو ليست سوى «فوتو شوب»!!

وكانوا مثيرين للشفقة والرثاء عندما أقروا - ضمنيا - بحقيقتها، لكنها - أى الجماهير - خرجت مكرهة وعلى غير رغبة منها!.

(٢) وإذا كان الشعب - كما هو معلوم - مصدر السلطات جميعا، وأنه هو الذى منح الإخوان حق الوصول إلى قمة هرم السلطة عبر انتخابات حرة وشفافة ونزيهة، فهو الوحيد أيضا الذى كان له الحق فى أن ينزعها منهم؛ سواء عن طريق الثورة عليهم أو عن طريق إجراء انتخابات (مبكرة أو فى موعدها).. وعندما قامت ثورة ٣٠ يونيو، ما كان للجيش أن يقف حيالها سلبيا أو متفرجا، بل فرض عليه دوره وواجبه أن ينحاز إليها، حفاظا على أمن مصر القومى وضمانا لعدم وقوع أى صدام بين الملايين الثائرة من جانب، والإخوان ومناصريهم من جانب آخر.. وبدلا من أن يراجع الإخوان أنفسهم، ويعيدوا حساباتهم، ويستدركوا ما فاتهم استعدادا لخوض انتخابات جديدة، إذا بهم يلجأون إلى الحرق والتخريب والتدمير وعمليات الاغتيال (كما فعلوا عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة).. حتى لو أنهم أيقنوا أن الفوز بالسلطة أصبح بعيد المنال وأنه لن يتحقق مرة أخرى عبر الانتخابات، فهذا يدل على أن السلمية ليست استراتيجية ثابتة فى منهجهم، وإن زعموا غير ذلك.. أنا لا أنكر على الإخوان أن يتصارعوا مع غيرهم من أجل الوصول إلى السلطة، لكن شريطة أن يكون التصارع سلميا، أى ديمقراطيا.. وأتساءل: هل فقدوا الرؤية، أم الوعى، أم ضلوا الطريق؟ بل لماذا لم يقبلوا ابتداء باستفتاء أو انتخابات رئاسية مبكرة، وساعتها كان من الممكن أن يفوزوا أو - على الأقل - يضعوا هؤلاء «الانقلابيين» الذين «تآمروا» عليهم فى حرج أمام الشعب وأمام العالم؟ وساعتها أيضا، كان من الممكن أن يعطوا درسا لخصومهم أنهم يمارسون الديمقراطية فعلا، لا ادعاء، وأنهم لم يتخذوها سلّما للوصول إلى السلطة..

وساعتها كذلك، كان من الممكن أن يجتذبوا الشعب، أو قطاعا كبيرا منه، للتعاطف معهم.. لو أن الإخوان فعلوا ذلك لتجنبوا وجنّبوا الوطن الكثير من الضحايا وبرك الدماء.. إنها فتنة السلطة (أو بالأحرى فتنة فقدانها) التى تجعل أصحابها - أو من كانوا كذلك - يفقدون وعيهم، فلا يدركون الصواب من الخطأ، ولا يرون الخلاف الواضح بين طريق السلامة وطريق الندامة، ولا يلاحظون الفارق الكبير بين الصعود إلى قمة التل والهبوط إلى قاع السفح.. إنها فتنة السلطة التى تزين لأصحابها أنهم وحدهم أصحاب الحق، وأن غيرهم أصحاب الضلال.. والحقيقة أنهم خسروا كل شىء، بل يخسرون كل يوم، والعقل والمنطق والواقع والتاريخ، كل ذلك يقول بضرورة إعادة الحسابات ومراجعة المواقف.. لكن هيهات هيهات..(وللحديث بقية إن شاء الله).ذ

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل