المحتوى الرئيسى

يوم في حياة عامل شقيان

12/05 10:21

على رغم أنه فى العقد الرابع من العمر، فإنَّه تحمل طوال تلك السنوات مشقة العمل ومرارته، ولم يفارق الأمل وجهه.

يرى أن القادم أفصل، وأن كل شىء يهون من أجل أبنائه الصغار.. وأن العامل هو صاحب الفضل ورائد النهضة والبناء فى مصر، وأن هناك يدًا تبنى فى مصر ويدًا تخرب.

تحمل العامل الظلم سنوات عجافًا، ولم ينل حقه على مدار عقود تخلت عنه الحكومة، وتركته فريسة للمرض، وتوحش الأسعار وغلاء المعيشة.

يجلس فى تمام الساعة السادسة صباحاً ياسر محفوظ على مقهى العمال بمنطقة بولاق الدكرور، يشرب الشاى فى انتظار قدوم العمال، فى حين يتحرك المقاول، ويصطحب الجميع إلى مواقع العمل فى منطقة إمبابة، وبحلول الثامنة يصل الجميع إلى مواقع العمل.

 ثوان قليلة وينهمك ياسر وزملاؤه فى العمل يمضون وقتهم فى الضحك ليمر الوقت عليهم حتى ينسوا تعب العمل ومشقته.

جلسوا فى بداية اليوم يتناولون الشاى بينما يقوم ياسر بتجهيز موقع العمل بتوصيل خرطوم المياه ورش الرمل والأسمنت، ثم يأتى آخر بالمعدات ويمسك ألواح الخشب (السقالات) بيده واحد تلو الآخر، حتى إذا ما شعر بالتعب والإرهاق جلس يلتقط أنفاسه.

ذهنه شارد يفكر بتمعن فى الشغل أو يتبادل أطراف الحديث والمزاح مع الآخرين ليهون من مشقة العمل أو يجلس يشرب الشاى حتى إذا جاء وقت الغداء جلس الجميع حول مائدة الطعام البسيطة التى عادة ما تكون عبارة عن فول وطعمية وجبنة يعقبها وقت الراحة لمدة ساعة.

وما إن تدق الساعة الخامسة أو السادسة مساء، حتى يعلن الجميع انتهاء موعد العمل والعودة إلى بيوتهم. يعود ياسر إلى بيته وقد أصابه من التعب ما أصابه.. يداه وملابسه مليئة بالأسمنت، ولكن الفرحة لا تفارقه برؤية أولاده الذين عادة ما تكون الفرصة أمامه ليجلس معهم يداعبهم ويشاهد معهم التليفزيون، يحاول أن ينسى متاعب العمل مع أبنائه.

يقول ياسر فى حديثه عن حبه للعمل: «تركت المدرسة والتحقت بطائفة المعمار فى سن مبكرة، وكان حلمى أن أصبح مثل أبي لأن التعليم مش بيأكل عيش.. كان الصنايعى بيكسب زى الدكتور فى وقتنا الحاضر رغم أنى كنت شاطر فى المدرسة وكان عمرى 15 سنة، وبدأت أذهب مع والدى إلى العمل رغم أنه حاول منعى من العمل وإجبارى على العودة للمدرسة، ولكنى تحديت كل الظروف وتحملت مشقة العمل فى هذه السن الصغيرة، وتعلمت مهنة مبيض محارة فى وقت قياسى ثلاثة شهور.. رغم أن البعض يستغرق فى تعلمها عاماً أو أكثر.. ولكن حباً فيها اتقنتها بسرعة.. منذ ذلك الوقت تفرغت لها واعطيتها كثيراً.. والحمد لله كنت صنايعى بكسب كويس جداً، وعملت أحلى فلوس من صنعتى، وكان ذلك فى أواخر الثمانينيات حيث كان العامل يوميته بـ5 جنيهات وكان كيلو اللحمة رخيصاً.. كانت الحياة حلوة وجميلة والأسعار رخيصة.. وكانت الفروق الاجتماعية بين الناس بسيطة والجار يحب جاره، ويساعده ويقف معه فى المناسبات المختلفة ويسانده فى أصعب الأوقات.. كان العامل يصحى مبكراً من أجل لقمة العيش الحلال، ولا يفكر فى المخدرات مثل شباب اليوم، وكان مصروف الأسرة فى ذلك الوقت 5 جنيهات يومياً، وكان فى بركة فى القرش.. النهاردة العامل يوميته 120 جنيه و100 جنيه ومش بيكفى بيته واحتياجات أبنائه.. أقل أسرة مصروفها اليومى 100 جنيه ما بين أكل ومصاريف الأبناء فى التعليم بخلاف أسعار الخدمات التى تلتهم الأسود والأبيض بدفع شهرياً 100 جنيه كهرباء وأحياناً تصل إلى 200 جنيه مع العلم أنه ليس لدى سخان أو غسالة أتوماتيك.. وكل ما لدى لمبات موفرة وثلاجة وتليفزيون، وغاز 40 جنيهاً شهرياً، كنت استهلك أنبوبة بوتاجاز شهرياً بـ10 جنيهات وأدفع 70 جنيهاً مياه.. الحياة صعبة.

ورغم أن «ياسر» لم يستكمل تعليمه فى الصغر، وخرج من المدرسة فى الصف الثالث الإعدادى حباً فى العمل وهروباً من الدراسة، فقد كان يرى فى والده الذى يعمل مقاولاً فى مهنة المعمار، مثلًا يحتذى به.. إلا أنه راوده الحلم مرة أخرى ليلتحق بالمدرسة بعد سنة الخامسة والأربعين ويكمل دراسته فى الصف الثالث الإعدادى، ثم مرحلة الثانوية حتى حصل على دبلوم تجارة.

ويرى «ياسر»، أن عودته إلى التعليم هدفها أن يجد فرصة عمل بعد سنوات الشقاء فى مهنة المعمار، وتقدم سنوات العمر لعله يستريح فى يوم من الأيام.. وبحث عن عمل فى القطاع الخاص ثم التحق بشركة الجوهرة وتم تعيينه بالشهادة الابتدائية مندوباً وسائقاً.

و«كان حلمى أن يحصل على الدبلوم حتى تتاح لى الفرصة للحصول على ترقية مثل زملائى». وأضاف: «تعرضت للإصابة بغضروف فى ظهرى عانيت منه كثيراً ولم أستطع الخروج للعمل بسببه لمدة شهور.. أجلس فى بيتى ولا أجد قوت يومى، ما اضطرنى للرجوع إلى التعليم لكى أحسن من ظروفى وأحوالى المعيشية الصعبة، والهدف الآخر حتى أشجع أبنائى فى التعليم وحب المذاكرة فى زمن أصبح التعليم فيه صعباً.. والشباب ليس لديه أى هدف فى الحياة ولا يجد فرص عمل بعد التخرج وليس لديه حب لاستكمال التعليم، وأن تصبح له مكانة فى المستقبل مثل الأجيال القديمة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل