المحتوى الرئيسى

الإنسانية.. بضاعة المجرمين

12/04 17:11

لكل زمان فِتَنُه التي تقضي على عقول أهله قبل أن تقضي على وجودهم، وفتن زماننا كثيرة جعلت حياتنا مريرة، وأسوأ ما فيها أنها تكبر وتتضخم سريعاً بين المنهزمين، وعلى رأسها "فتنة الإنسانية" التي وُضِعَت في غير موضعها حتى فقدت أسمى معانيها وباتت بلا قيمة، فقد نجح العدو أيَّما نجاح في بيع نسختها المشوَّهة لنا، فاشتريناها كمن يشتري السُمَّ من قاتله لنشعر بشيء من الطمأنينة، وأصبح من الطبيعي جداً غفران الجريمة، فغاب الحساب والعقاب حتى كثر السفَّاحون الذين صنعناهم بأيدينا، فأهلكوا الحرث والنسل، وأصبحت دعوات السلام مع الأفاعي هي الأصل، بحجة التسامح والرغبة في طي صفحة الماضي الأليم بحثاً عن أي حياة مُهينة! ولي في هذا كلام غير الذي يُبَثُّ في الإعلام، قد يُنعش العقول ويُحيي الأصول ويُعيدها إلى نصابها سليمةً:

يوماً ما سألني كندي عن آيات الإرهاب التي وردت في القرآن {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ} وعن تناقضها مع آيات السلام الأخرى، فسألته: "هل لك أن تتخيل كندا من دون وزارة دفاع على الرغم من أنها دولة سلام وتدعو إليه؟". فقال: "بالتأكيد لا.. لكن ما علاقة ذلك بالإسلام؟". فقلت له: "الإسلام دين ودولة كاملة الأركان، وليس ديناً فقط كما يُريده المناوئون، وكل دولة في العالم لديها وزارة دفاع تُرهب بها الأعداء من أجل الصالح العام.. تماماً كما تفعل كندا، وإلاَّ فستضطر إلى عقد سلام مع كل مَن لا يستحق، وفي ذلك فساد كبير!".

في حديث عابر، أخبرتني مسلمة برغبتها في ترك الإسلام لاعتناق البهائية لأنها تعتقد أنهم دُعاة سلام وإنسانية، والإسلام دين يحض على العنف والكراهية، لكن ما لم تنتبه إليه هذه المسكينة أنهم دعاة سلام في ظل دولة شيطانية، فقد جعلوا مقرهم في مدينة حيفا الفلسطينية، القابعة تحت نيران الصهيونية، فوجدوا مَن يُمارس عنهم الإرهاب ليتفرغوا هم للسلام المزعوم.

الدول العظمى (المُستعمِرَة) ترفع السيف في وجه أعدائها إذا فكَّروا لوهلة في الاعتداء عليها، في الوقت الذي يقومون فيه بترويج بضاعة السلام والإنسانية بين الشعوب المنهزمة، ليسلبوا أرضهم ويهتكوا عرضهم وينهبوا خيرهم من دون أي جهد، فيختل عقل الشعب المسكين، لتجده يدعو لقاتله بالخير إذا أصابه مكروه بدلاً من إعمال العقل في البحث عن حلول النصر، ليستريح من العبودية أبد الدهر.

الإنسانية في بلاد المنتصر لها معنىً مختلف، فعندهم تعني أن تكون كائناً كامل الأركان تُنافح عن حقوقك وتحارب من أجلها، أما في بلاد المنهزم فتعني أن تكون كائناً راكعاً يمشي على أربع، يقبل بظلم السفَّاحين والقتلة، تحب هوان الدنيا كحب العبيد للسلاسل، ترضى بأن تحيا بجراحك تستنشق طعم الذل ورائحة الهزيمة في كل يوم وفي كل لحظة.

٥) فاقد الشيء لا يفهمه: جرت الأقدار بأن تأتي الإنسانية مع النصر وتختفي مع الهزيمة، فهي لا تكون إلا بيد المنتصر، فالمنهزم أضعف من أن يهبها لغيره لأنه لا ينعم بها، فهو لا يقوى على حفظ إنسانيته، فكيف له أن يحفظها لغيره؟!

٦) تدمير الذات: الذي يدعو لعدوه بالسلام وطول البقاء، هو بالمقابل يدعو على نفسه بالهلاك وطول الشقاء، ولا يقوم بذلك سوى فاقد عقله أحمق بلا استثناء، فضلا عن أنَّ هذا الفعل منافٍ للإنسانية الربانية التي تحض على بناء الإنسان وتطويره، وفي ظل الأعداء لا مكان للبناء.

٧) تكريس الذل: مصيبتنا الكبرى ليست في دعوات التطبيع مع الأعداء، إنما في دعوات التطبيع مع الذل والهزيمة! فالعيش بين أنقاض الذل سنين طويلة، كفيل بأن يجعل عقولنا فارغة وذاتنا مُحطَّمة، تتقلب بين تحريف النص وإهانة النفس، ليصبح دين الله صعباً على مَن يرجو الحياة في كنف المُستعمِرَ بحثاً عن رضاه، ويا لها من حياة!

٨) استجابة الدعاء: عقود طويلة وأيدينا مرفوعة إلى السماء، نستغيث المولى في كل دقيقة لينصرنا على الأعداء، وعندما استجاب الله الدعاء، وأرسل جنوده يُمهِّدون طريق النصر لعباده الضعفاء، تعالت أصوات المُدجَّنين من منبر إلى آخر يُذكِّرون الجموع بأخلاق الأنبياء، وكيف كانوا يعاملون الأسرى والأطفال والنساء، وكيف كانوا دعاة خير رُحماء، وكأنَّ جيوشنا تحاصرهم من كل جانب وسيوفنا على رقابهم تسفك الدماء، أو كأننا تحت إمرة «أبي المُظفَّر» تجمعنا رايته الصفراء، تباً لكم! قاتل الله الجهل، ما فعل بكم.. لن يكون لكم بعد اليوم بقاء، أما ترون جرائمهم التي غطوها بدماء الأبرياء؟ إن شئتم فاقرؤا في (الشورى) منهج الرسل الشرفاء: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٤٢)} صدق الله العظيم وكذبتم أيها الجهلاء.

٩) سُنن كونية: لا يوجد عاقل على وجه الأرض لا يتمنى أن يعمَّ السلام أرجاءها، وأن تكون نيران الله مشتعلة على المجرمين وحدهم، وبرداً وسلاماً على الأبرياء بينهم، ولكن جرت سُنَّة الله في الكون أن يكون لكل شيء ثمن، فلا يمكن للنصر أن يأتي من دون ضحايا، وهذا أمر لا مفرَّ منه، والحمد لله أنَّ قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار.

١٠) تَمنِّي المستحيل: كلما تجذَّرت بضاعة المُستَعمِر الفاسدة في وجدان الشعوب المهزومة، زاد إيمانهم بضرورة حفظ الأرواح، حتى باتوا يتمنون التحرير من دون أن تطالهم الرماح، وأتساءل: كيف للغاصب أن يزول؟ وكيف للنصر أن يرى الصباح؟ قال أبو الْعَتَاهِيَة:

مَا بَالُ دِينِكَ تَرْضى أَن تُدَنِّسَهُ ** وثوبُكَ الدَّهْرُ مَغسُولٌ مِنَ الدَنَسِ

ترجو النجَاةَ وَلم تَسلُك مَسَالِكَها ** إنَّ السَّفِينَةَ لَا تَجرِي على اليَبَسِ

نرشح لك

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل