المحتوى الرئيسى

إيهاب أبو سمرة يكتب: أنس الباشا .. عندما يبتسم الوجع | ساسة بوست

12/04 11:39

منذ 1 دقيقة، 4 ديسمبر,2016

أيتها القلوب الصغيرة لا تنتظروا أنس مهرجكم المبتسم، لن يأتي كعادته، لن يوزع عليكم الدمى كعادته، فثمة ألوان قاتمة بلون الموت تلون وجهه وتقيد شفتيه عن التبسم، ثمة غياب سيقرع قلوب أطفال حلب، ثمة بسمة تنزف، وأمل يحتضر.

بشعر أشعث مستعار يشبه سماء قلبه البرتقالية غطى رأسه، التي تعلوها قبعة صفراء، أحدث تمازجا لونيا مبهجا للنفس، وكأن احتفالا ما مشتعل في قلبه أبى إلا الظهور ومراقصة الأمل في سماء سوريا الباكية دمًا وجروحًا، وعلى خديه رسم دوائر حمراء وكذا حول شفتيه التي تعلوها ابتسامة راضية مطمئنة هادئة، استطاع بها أن يخفي قلقه البادي في عينيه التي أخفاها بنظارته وبعض الألوان الزاهية.

بشوارع حلب المسلوبة الروح وأزقتها التي يشم منها المار رائحة الفقد والموت، وبين مبانيها الغارقة في الفقد والغياب، كان الأمل البالغ من العمر أربعة وعشرين عامًا يسير على قدمين من بهجة ينقل البهجة من قلبه إلى قلوب الأطفال، يوزع البسمات والدمى المصنوعة من القماش المحشوة بهجة وأملًا على الأطفال الذين قد أنساهم الدمار كيف يبتسمون.

إنه الشاب أنس الباشا (24 عامًا) الذي عمل مديرًا لمركز تابع لمؤسسة «فضاء الأمل» المتخصصة في توفير الدعم النفسي والمعنوي والمادي لـ 12 مدرسة و4 جمعيات وأكثر من 365 طفلًا، في أحياء حلب المحاصرة، لقد تطوع أنس في جمعية «فسحة أمل» الأجنبية ليكون في خدمة بيئته الصغيرة البريئة دون أي مقابل. وكان أنس وزملاؤه يعملون في هذه الجمعية في ضغط نفسي غير مسبوق. يتدربون على دعم أولاد نفسيًا متناسين من خلال هذا العمل التطوعي النبيل خوفهم من كل ما يحيطهم. وهم يتعاطون دوريًا مع أولاد يعيشون هول اليتم وألم شديد ينتابهم بعد فقدان أهلهم.

لقد نسي أنس نفسه وكانت نفوس وقلوب أهل حلب حاضرة في قلبه، ولأنه يؤمن بأن البسمة على ضعفها إلا أنها قد تغير نفوسا وترفع رؤوسا، وأن قضيته الإنسانية التي يحارب من أجلها أهم بكثير من نفسه، لهذا رفض مغادرة مدينته مفضلًا البقاء فيها بعدما اضطرت عائلته للرحيل قبيل فرض الحصار الجائر على حلب في شهر يوليو (تموز) الماضي. مع العلم أنه تزوج قبل شهرين فقط، وبقيت زوجته من بعده وحيدة مع بقية المدنيين المحاصرين شرقي حلب.

الحقيقة أنه لم يكن مهرجًا عاديا كما يراه البعض، بل كان جنديًا لدى البهجة، محاربًا لرصاصات وصواريخ التحالف الروسي السوري بابتسامة صافية ومكياج بسيط، وقد استقر في نفسه أن العجز عن دفع الظلم والقهر عجز داخلي، وأن من يحمل بين جنبيه نفسا حرة لن يعيقه ملء الأرض من نفوس قذرة متسلطة طاغية.

لقد استطاع أنس أن يقهر خوفه وقلقه الدائم على أهله وزوجته التي ما مازجت روحه روحها إلا أياما معدوات، استطاع أن يحول خوفه إلى أمن، ووجعه إلى بهجة، ولك أن تتخيل رجلًا بعيدا عن عائلته، يحارب الوجع وحده كيف يكون حاله، لك أن تتخيل حجم المعاناة التي تغشى روحه، والتي لم تقهر بسمته الصافية.

ولقد أفادت وكالة «أسوشييتد برس» عن زميلة تعمل مع أنس في الجمعية – تدعى سمر حجازي – أنه «كان يبتكر مجموعة من «الإستكشات» المضحكة ليضفي الفرح في قلوب أولاد ويقرب من خلالها المسافات فيما بينهم». تطوع أنس في جمعية «فسحة أمل» مع مجموعة من الشبان والشابات في مهمة محددة تقضي بتوفير الدعم النفسي والمعنوي والمادي لـ 12 مدرسة ولأكثر من 365 ولدًا. وحاول المتطوعون، منهم أنس الباشا، أن يزيل جزئيًا في لقاءاته العفوية مع الأولاد بعض الخوف عن وجوههم أو أن يحاول تبديد خشيتهم من أي قصف مفاجئ يبدد أحلامهم.

وكان أنس يسير من دون زي المهرِّج، كان يبدو وكأنَّه طالبٌ نحيف غير ملفت للنظر، لديه لحية مدبَّبة ويرتدي نظارات – ويقول: «نحن نحاول رسم الابتسامة على وجوه الأطفال في الجزء المحرَّر من حلب». وهو يقصد بذلك الجزء الذي لا يزال يسيطر عليه مقاتلو المعارضة في حلب. وحاليًا يحاول جيش الأسد استعادة سيطرته على مدينة حلب.

ومن أجل هذا الجزء المحرَّر من حلب قدَّم الآن أنس الباشا حياته. ففي يوم الثلاثاء 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 توفي في الجزء الشرقي من حلب في غارة جوية استهدفت حيَّ المشهد. وقبل شهرين من وفاته تزوَّج أنس الباش. أمَّا زوجته فقد نجت من هذه الغارة.

ويقول خالد الخطيب، وهو مصوِّر من أصحاب الخوذ البيضاء، كان يعرف أنس الباشا. «لقد نجح في إضحاك الأطفال، الذين نسوا بالفعل كيف يضحكون»، مثلما يقول خالد الخطيب في حوار مع صحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية. ويضيف أنَّ الرحيل عن مدينة حلب لم يكن يمثِّل أي خيار بالنسبة لأنس الباشا. إذ إنَّ الأطفال أبقوه في حلب، مثلما يقول خالد الخطيب الذي كان يعرفه.

وبدلًا من أن يغادر حلب مثلما فعل والداه، شارك أنس الباشا في مختلف مجموعات المتطوِّعين، مثل مجموعة «فسحة أمل» أو فريق «حلم سوري». وكلاهما كانا يشاركان في رعاية اثنتي عشرة مدرسة وأربعة مراكز للرعاية النفسية ونحو ثلاثمائة وستين طفلًا في الجزء الشرقي من مدينة حلب.

لقد كان رجلًا هادئًا غير ملفت للنظر، يَنْسَلُّ فقط داخل زيِّ المهرِّج من أجل إسعاد الأطفال، مثلما يقول صديقه وجاره باسم الأيوبي لصحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية. ويضيف أنَّ أنس الباشا لم يكن يعلق أية أهمية على حبِّ الظهور، ولم تكن لديه صفحة على موقع الفيسبوك، ليوثِّق فيها زياراته للأطفال. ولا يوجد له كمهرِّج بين الأنقاض سوى عدد قليل من أشرطة الفيديو المنشورة على موقع يوتيوب. لكن مثلما يقول باسم الأيوبي: «في حلب يعرفه الجميع. والأطفال بصورة خاصة يحبُّونه كثيرًا».

وفي كلمات يكسوها الحزن ويغشي نبرتها الفقد ذكر محمود الباشا أخو أنس عبر صفحته بالفيس بوك:

«الروس ونظام الأسد قتلوا أخي أنس. أنس الذي رفض ترك حلب وقرر البقاء هناك لمواصلة عمله كمتطوع لمساعدة المدنيين وإعطاء الهدايا للأطفال في الشوارع لجلب الأمل لهم.

أنس كل ما أراده جلب السعادة إلى أطفال حلب أنس ليس إرهابيًا هو عضو نشط فىدي المجتمع المدني هو من الذين يعملون أياما وليالي لجلب ابتسامة أطفال سوريا، عاش لجعل الأطفال يضحكون في أحلك وأخطر مكان في هذا العالم».

وأشار: «لم أكن قادرا على قول الوداع الأخير له أو لعائلتي التي قتل أكثرها في حلب المدينة التي تقبع تحت الحصار منذ 112 يومًا أنا فخور بك أخي العزيز وداعًا فلترقد في سلام أفضل من جلب الرحمة في عالم قاسٍ».

وختم محمود كلماته «أنا فخور بك أخي العزيز، وداعا.. فلترقد في سلام أفضل من جلب الرحمة في عالم قاسٍ».

ويضيف محمود الباشا في منشور آخر على «فيسبوك»: «أزف أخي أنس الباشا عريسًا شهيدًا فداء لحلب وثورتها، رجالي وفسحة الأمل لأطفال حلب راح، مع السلامة يا عريس سلملي ع كل الغوالي، له معك يا روحي في جنان الخلد الملتقى إن شاء الله».

ومن جهتها تقدمت الصفحة الرسمية لـ «فسحة أمل» بأحر التعازي لمنظمة القلب الكبير على استشهاد الأخ والصديق «أنس الباشا» متأثرًا بجراحه بعد تعرضه للقصف على حي المشهد.

وقد عبرت جمعية «أولاد سورية» في بيان صدر عنها عن «أسفها الشديد لمقتل هذا الشاب الذي بات مصدر فرح لأولاد حلب الذين كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر».

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل