أحمد محمد سمير يكتب: كيف تصبح متحدثًا جيدًا | ساسة بوست

منذ 12 دقيقة، 3 ديسمبر,2016

لا تتضح المعانى إلا بأضدادها، فأنت حتمًا لن تعرف معنى النور، إلا بعد أن تتعرض للظلام، ولن تعرف معنى العدل إلا بعد أن تخبر وتمر بشعور الظلم والطغيان، وهكذا هو الحال عندما نتحدث عن معنى وجوهر الكلام، فالكلام أنواع، منه ما هو مفيد ومضيف قيمة للاشئ، ومنه ما هو دون معنى أو قيمة، ومنها ما هو ضار يسلب الشئ قيمته ويجرده من فحواه .

تنطبق على الكلام قاعدة وضوح المعنى بالتضاد، وليس بالإمكان أن تقيم عقل وفكر من أمامك إلا عندما تتحرك شفتاه لتنقل ما يدور بذهنه من فكر وخواطر ورؤى، إنه من غير الممكن أن تحكم على منطق أو فكرة بدون سمع يصاحبه عرض ونقل لهذه الفكرة، وبطبيعة الحال لن يتثنى لنا ذلك، إلا باستخدام وسيلة الكلام التي منحنا إياها الله عز وجل.

لعرض منطقك وأفكارك تمر ببعض المراحل أو بمعنى أوضح يمر عقلك ببعض المراحل والقاعدة ليست عامة بأية حال من الأحوال، فبعضنا يمر بكل هذه المراحل معًا، وبعضنا يخضع لبعض منها منتجًا فى نهاية الأمر حديثًا منسوجًا من كلمات وأحرف يستخدمها للدلالة على ما بداخله، وأذكر من تلك المراحل على سبيل المثال لا الحصر: مرحلة التكوين.

فى هذه المرحلة تكون الخطوات بطيئة غير محددة البدايات والنهايات بشكل صارم، فهى تمر على مدى عمر وزمن طويلين، يمكن تلمس بداياتها عند مراحل الطفولة الأولى، والتى تشمل أول ثلاث سنوات، ففى هذه المرحلة وحسب الأبحاث العلمية والنفسية يتم التكوين الأولى لشخصية الطفل، ويبدأ فى تكوين بعض القناعات والرؤى عما يدور حوله من أحداث وأشخاص وعالم كامل، فيبدأ فى تمييز الأب والأم، وأهم المحيطين كما يبدأ التعرف على ألعابه الخاصة وغرفته، والمكان الذى ينتمى إليه ويشعر فيه بالأمان.

تستمر هذه المرحلة خلال الثلاث سنوات الأولى لتخلف وراءها بعض الترسبات الإيجابية والسلبية على حد السواء فى رأس الطفل، ليدخل المرحلة الثانية مع بداية عمر الأربع سنوات، وهى المرحلة التى يتعلم فيها التمييز والفصل بين ما هو جائز، وما هو ممنوع، وبين ما هو ضار، وما هو نافع، بالطبع لا يصل إلى الحد الملائم والمناسب الذى يمنعه من ارتكاب الأخطاء فى هذه المرحلة، وبطبيعة الحال لا يصل إليه أحد منا فى يوم من الأيام، فكلنا بشر وكلنا نخطئ ونصيب.

أما المقصود فى هذا الصدد أنه يبدأ تدريب نفسه بمساعدة المحيطين والمقربين منه على فعل الصواب وتجنب الخطأ خوفًا من العقاب أو طمعًا فى الثواب، أيا كانت ماهية الثواب والعقاب، والتى تختلف باختلاف المجتمع والبيئة المحيطة والأشخاص، فتجد الثواب فى المجتمع الريفى غيره فى المجتمع الحضرى، وكلاهما مختلف عن مثيله فى المجتمع البدوى الصحراوى، وبالمثل العقاب يختلف أيضًا، مرورًا بتلك المرحلة تبدأ مرحلة النضج المبكر، وفيها يستطيع الطفل تمييز العديد من المشاعر، مثل مشاعر تأنيب الضمير والشعور بالذنب والحب والميل تجاه شئ أو شخص ما، وعلى أساس تلك الأحاسيس يبدأ الشخص فى التعبير عن عواطفه بما يناسبها من الكلام، وهى مرحلة لا تنفصل، ولا تتجزأ عن سابقتها، بل تابعة لها، ومتصلة بها على نحو قوى، فالتعبير عما بداخلك بما يناسب من كلمات وألفاظ يستلزم بالضرورة معرفتك للعديد من التعابير والكلمات، حتى تتمكن من استخدامها على النحو المناسب، وفى شكل متناسق غير متراكب ومتداخل، يتوجب عليك التكرار والمحاولة مرة تلو الأخرى، فالأمر لن يتأتى من أول مرة والغرض من التعبير، لن يتحقق من الضربة الأولى، فأنت قد تصيب مرة وقد تخطئ مرة أخرى، فأنت تحتاج إلى الكثير من التدريب؛ حتى يخرج الكلام معبرًا عما تريد التعبير عنه، ولذلك كانت وستظل مادة التعبير مادة أساسية فى مراحل التعليم الأولى؛ لصقل مهارتى الكلام والبحث فينا جميعًا، فالأمر لا يقتصر على كونه موهبة ربانية أو هبة سماوية فقط، بل نسبة كبيرة منه تعتمد على الاعتماد على التدريب وتمرين اللسان تسهم بشكل أساسى فى جعلك متحدث جيد.

لكى تصبح متحدثًا جيدًا يجب أن تضع نصب عينيك العديد من العناصر، والتى إن اعتدت عليها واستطعت تطبيقها، فأنا أضمن لك أن تصبح متكلمًا معبرًا قويًا ومتحدثًا فصيحًا، ومن هذه العناصر:

لا فائدة ترجى من وراء كلامك، إذا كان كلامًا عامًا فضفاضًا لا يحمل بين طياته رسالة بعينها وهدفًا هامًا، إذا كنت من هواة الكلام لمجرد الكلام، فأنت توصف بالثرثار، فما هى الثرثرة إلا الكلام الكثير دون رؤية وهدف يتحقق من الكلام، بل يسعى إليه ويبذل فى سبيل تحقيقه بعض من الجهد المثمر.

قبل أن تتكلم ضع فى رأسك هدفًا واجعله دائمًا سبيلك ومرشدك فى كلامك وعباراتك، سأقول كذا لكى أثبت كذا، وسأتكلم فى هذه النقطة، وليس تلك لأنها تقربنى من المعنى الذى أسعى لايصاله وتجعله أكثر وضوحًا.

يجب عليك التدقيق عند اختيار من يستمع إلى كلامك ويتفاعل معه، لا تضع وقتك ومجهودك فى الحديث مع شخص لا يهتم بكلامك، ولا يعيرك الاهتمام بما يتناسب مع نفسك، فأنت حتمًا لن ترضى بألا يشعرك من يسمعك بعدم الاكتراث، بل التجاهل أيضًا فى بعض الأحيان، فاختيار المتلقى هنا يلعب دورًا هامًا على الأقل فى جعلك تشعر بقيمة ما تقدمه إليه، وبالتالى يشجعك على العطاء والبحث والمجهود.

عندما تتكلم مع شخص لا يعيرك الانتباه، فأنت ترتكب نوعًا من الثرثرة التى لا هدف، ولا نفع يجنى من ورائها، وعلى صعيد آخر عندما تتحدث إلى شخص لا يشغله ولا يهمه ما تتحدث عنه، فالأمر هنا يشبه إلى حد كبير أن تتحدث مع مواطن روسي باللغة الألمانية، ففى تلك الحالة لن يفهمك هو، ولن تستطيع أنت أن تنقل إليه ما تريد وستضطر إلى الاستعانة بلغة ثالثة لكى يفهمك، وبنفس المنطق هنا لا يجب عليك أن تتكلم فى شئون السياسة مع شخص لا تعنيه، ولا تهمه بالمرة الشئون السياسية، ولا يجب أن تتحدث فى شئون الأدب مع شخص لا يعرف من هو الفائز المصرى بجائزة نوبل فى الآداب وبالتالى لا تشغل الموضوعات الأدبية حيزًا كبيرة من تفكيره، فقط يمكنك ذلك فى حال رغبته فى المعرفة والعلم بما لا يعلمه مسبقًا، ففى تلك الحالة يبدو من الطبيعى والمنطقى أن تشاركه ما يهمه ويرغب فى معرفته.

3- وضع الكلم فى موضعه والتغلب على الخجل

يوجد العديد من الأشخاص، وقد تكون أنت عزيزى القارئ واحدًا منهم ممن تتكون بداخلهم قناعات هامة وأفكار عظيمة، لا أبالغ إذا قلت أن بامكانها تغيير العالم إلى الأفضل، بل من الممكن أن تضرب بالكثير من الأفكار والقناعات الراسخة عرض الحائط، ولكننا نجد هؤلاء الأشخاص لا يعبرون عما يجيش بصدورهم وما يمنعهم قد يكون أحد سببين:

الأول هو عدم التدقيق فى اختيار الكلمات والألفاظ؛ مما يجعلهم يذهبون بعيدًا عما يريدون قوله، أما السبب الثانى فهو الخجل من الكلام خشية التعرض للنقد أو للسخرية والاستهزاء أو خشية المواجهة فى حد ذاتها، فمثل هذه الأفكار الصادمة تحتاج إلى شخص صدامى مثلها، وهذا يستلزم أن تكون جريئًا محاربًا، فما الدنيا إلا حرب وصراع يشتد حينًا ويهدأ حينًا آخر.

للتغلب على العائق الأول يجب عليك تحرى الدقة قبل اختيار الكلمات والألفاظ للدلالة على ما تفكر وتسعى لإيصاله وتطبيقه على أرض الواقع، نأخذ على سبيل المثال: إذا كنت تعرض بحثًا فى علم الفيزياء، وما يتصل به من نظريات علمية ورياضية، فيجب أن تكون لغتك متوافقة مع ما تقدمه وتعرضه، وللمستمع أن يلحظ ذلك من استخدامك للرموز الفيزيائية، وبعض الحروف اللاتينية المستخدمة فى علم الفيزياء، كغيره من معظم العلوم كما يجب عليه أن يلحظ ذكرك لأهم العلماء والشخصيات البارزة فى هذا المجال، فشئ كهذا سيدعم من بحثك، ويجعل حديثك متناغمًا متناسقًا وبعيدًا عن الثرثرة والرتابة التى تؤدى إلى تشتت الذهن والشعور بالملل، وعلى نفس النمط، فإنك عندما تستمع لشاعر أو قاص أو روائي، فإنك تجد لغته غنية بالألفاظ والتعابير اللغوية الفصيحة الخالية من الكلمات الهذلية والأسلوب الركيك السخيف، يجب علينا جميعا مراعاة وضع الكلام فى موضعه واختيار ما يناسب فكرنا، وموضوع النقاش ويتفق معه فى سياق تام.

أما للتغلب على الخجل، وهو العائق الثانى، فيجب عليك اتباع استراتيجية محددة الأركان والخطوات، وهذه الاستراتيجية تتمثل فى قتل شعورك بالخوف من التجربة، فالخوف هو عدو الإنسان الأول، ورادعه عن تحقيق مبتغاه، والإنسان الخائف دائمًا لا يصل لما حلم به طيلة حياته، اقتل خوفك وابدأ، عندما سئل أحد العظماء عن سر نجاحه فى الحياة كان جوابه أن «الخوف من شئ هو أفضل مبرر للقيام به»، وأحب أن أضيف إلى هذا القول أن دائمًا الحياة ما تثبت لنا أن الشئ الذى نخاف منه غالبًا يجعلنا سعداء وراضين عن أنفسنا فى حالة القيام بما نخاف ونخشى مواجهته.

قبل التحدث إلى جمع كبير من الناس، حضر ما تقول، وتدرب عليه جيدًا وأنصحك هنا باستخدام المرآة؛ فالمرآة لها مفعول السحر فى منحك الثقة الداخلية؛ لتقول ما تريد بلا خوف ولا تردد، اجعل من المرآة شخصًا يستمع إليك وهذا لا يكفى، بل اجعله مستمعًا جيدًا ومنصتًا أيضًا، ولا أخفى عليك أننى كنت أتبع هذه الطريقة؛ عندما كنت أتعلم لغات عدة؛ فهى طريقة علمية، يوصى بها العديد من الخبراء فى هذا المجال.

اسأل نفسك مرارًا وتكرارًا: ما أقصى شئ يمكن أن يحدث إذا تحدثت وعبرت عما بداخلى؟

بالطبع  مع مراعاة اختيار الألفاظ والكلمات الملائمة، وغير الجارحة، كما تحدثنا فى النقطة السابقة.

أغلب الخجولين الاجتماعيين يسألون أنفسهم كثيرًا هل سيسخرون منى؟ هل سيعجبهم كلامى؟ هل سأبدو مضحكًا؟ حسنًا شكلى غير جيد وغير مهندم، ملابسى ليست مناسبة وغير متناسقة، أبدو متلعثمًا، أبدو أحمقًا بجانب غيري من المفكرين الواثقين بأنفسهم، فى الحقيقة الإكثار من تلك الهواجس سيحولها وبالطبع إلى حقائق .

هل سألت نفسك يومًا كيف كان سيصل العظماء من المفكرين والكتاب والعلماء وغيرهم إلى ما هم عليه إذا خجلوا من التعبير عما يفكرون ويشعرون؟ بالطبع لما كانوا وصلوا لشئ إذا عجزوا عن الحديث والتعبير عما بداخلهم من أفكار ورؤئ بخصوص كل شئ فى عالمنا، وهكذا أنت عزيزى القارئ، أخبر نفسك مرارًا وتكرارًا بأنك لست أقل من أحد، بل أخبر نفسك بأن ما بداخلك يستحق الخروج إلى النور، ألا تعتقد معى بأنه يكفى الجلوس فى الظلام كل ذلك الوقت؟

للأسف الشديد تنتشر فى مجتمعاتنا العربية فكرة تحويل الحوار إلى جدال، بمعناه السلبى، وليس نقاشًا هادفًا موضوعيًا، بل إلى شجار وصراع فى بعض الأحيان؛ فنجد العديد من المتنافسين يسعى كل منهم، ليس لإثبات صحة أو خطأ شئ ما، بل يسعى وبكل جهده لإثبات أن محدثه على خطأ، وأنه يملك الحقيقة المطلقة، حسنًا لنكن واقعيين: لا يوجد شئ يدعى «الحقيقة المطلقة»، فما تظنه أنت ليس إلا ما تظنه أنت، وما يظنه غيرك ليس إلا ما يظنه غيرك، ونحن نقوم بعرض الأفكار، ليس لشئ إلا لفكرة العرض فى حد ذاتها، وهى طبيعة بشرية، بل حق مشروع أن تخبر غيرك عما يجيش بصدرك، ولكن غير المعقول وغير الطبيعى أن يتحول ذلك العرض ذو الهدف النبيل إلى تراشق بالألفاظ وتبادل الاتهامات، بل إلى التخوين والتكفير فى بعض الأحيان لمجرد الاختلاف فى الآراء والأفكار.

نحتاج إلى وقفة مع أنفسنا، ومراجعة حساباتنا؛ فعند الدخول فى أى نقاش بغض النظر ما هو موضوعه المحورى، يجب عليك الالتزام بالحيادية والموضوعية، وألا تحول القضية لأمر شخصى، وتبدأ فى السباب والشخصنة، بل اجعل حديثك دائرًا عن محور القضية، واستثمر طاقتك وجهدك فى إرضاء قناعاتك وتدعيمها أو مراجعتها وتصويبها، ثم تغييرها تمامًا؛ إذا وجدت مبررًا لذلك.

يقول الامام الشافعى  «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب».

يقع العديد منا فى فخ التطويل والإسهاب، وأنت فى هذه الحالة لا تضيف شيئًا لما تقول، ولا تجعله ذا قيمة أعلى، بل تفقده معناه، وتدفع بطريق الخطأ من يستمع إليك إلى الشرود بذهنه بعيدًا، ويجب عليك أن تلتمس له العذر فى هذا الوقت، فأنت لم تستطع أن تقدم له ما يجذبه، ويجعله منتبهًا لكلامك ومتشوقًا لأن يسمع  المزيد، بل يطلب منك أن تزيده من الشعر بيتًا؛ مما يجعل الحوار ممتدًا، خاصة وإن كان الأمر متعلقًا بأحد اهتماماته، كما أوضحت من قبل، اجعل دائمًا نصب عينيك القاعدة القائلة بأن «خير الكلام ما قل ودل»، واعمل على تطبيقها تطبيقًا عمليًا دائمًا، عندما تعرض لحديثك ورؤيتك حول أمر أو شخص ما.