المحتوى الرئيسى

لا تُظهر الشفقة أمام شخص محبَط.. كيف تكون مستمعاً جيداً للغاضبين؟

12/03 17:53

تقدم مويا سارنر، المتطوعة في منظمة The Listening Place الخيرية بالمملكة المتحدة، وهي منظمة توفر الدعم التفاعلي وجهاً لوجه، للناس الذين تنتابهم مشاعر انتحار مزمنة، تقدم خبرتها في الاستماع الى الآخرين في حالة غضبهم وتقول:

مرت إحدى صديقاتي بأوقات عصيبة في هذا الصيف، حادثتني بالهاتف في استراحة الغذاء في نهاية الأسبوع وكانت تبكي، حاولت وسعي أن أكون الصديق الأفضل.

طلبت منها أن تفكر في أصدقائها وشريكها الذين يحبونها كثيراً، واقترحت عليها تناول العلاج وأداء التمارين الرياضية حتى تخفف من توترها، ونصحتها بما يمكنها قوله أو فعله حتى تغير من موقفها الحالي.

دائماً ما أفخر بنفسي لكوني مستمعة جيدة، عادة ما أقابل أحد هؤلاء الذين يبدون كأنهم يريدون جعلي أمينة أسرارهم: والديَّ، أصدقائي، زملائي، أو حتى غريباً قابلته في الحافلة.

في هذا العام، بدأت التطوع لدى جمعية توفر جلسات استماع كل أسبوعين لعامة الناس، أعجبتني فكرة أن الأشخاص غير المتمرسين -مثلي- يمكنهم التدرب في ظل دعم احترافي؛ لاستخدام تعاطفنا وآذاننا لمساعدة رفيق في محنة.

في يومي الأول، وفي أولى جلساتي التدريبية، كان من المفاجئ أن أدرك أنني لم أكن مستمعة جيدة على الإطلاق، كل ما اعتدت فعله وظننت أنه يجعل مني مستمعة جيدة، وكل النصائح التي كنت أقدمها لأصدقائي كانت مجرد مصدر للإزعاج.

في كل جلسة، كنت أكتشف المزيد من الأشياء وأتعلم دروساً مفيدة، ومع استخدام هذه الدروس مع أصدقائي، لاحظت تأثيرها.

وكما تخبرني مدربتي بام، رأيت أناساً في حالات شعورية سيئة للغاية، يشعرون كما لو كان الطريق الوحيد المتاح هو لأسفل، ولكنهم تحدثوا وبكوا، وأنا سمعت فقط، التعبير عن مشاعرهم بشكل لفظي يساعدهم على رؤية الأمور بكل أوضح. إننا نشعر بالتقدير إذا وجدنا من يسمعنا.

كما يشعر المستمع بالتقدير هو الآخر، ثمة العديد من الطرق للتعامل مع المحادثات الصعبة (القاعدة العامة هي: تكلَّم أقل من الشخص الآخر). وإليكم بعضها:

كيف تستمع لصديقك عندما يشعر بالإحباط؟

"عندما يشعر صديقك بالإحباط، حتى إبداء التعاطف قد يزعجه".

تقول بام إن الخطوة الأولى، هي أن تعلم ما الحواجز التي يمكن أن تحول دون ذلك، عندما يشعر صديقك بالإحباط فقد يزعجه حتى التعبير عن التعاطف.

عادة ما نظن أنه من المفيد له أن نقول: "أعرف تماماً ما تقصده، لقد مررت بشيء مشابه.."، لكن في واقع الأمر لقد قلبت الآية؛ فأنت من يتحدث الآن وتتحدث عن مشاعرك أنت، بدلاً من أن تترك المجال لصديقك ليخبرك بماذا يشعر هو في هذه الظروف.

عندما يريد الناس أن يعبروا عن آلامهم، فهم لايهتمون وقتها بخبراتك أنت.

هناك خطأ آخر مشابه، وهو أن تتقدم من نفسك لتعرض نصائحك، حتى من قبل أن يطلبوها هم منك، والتي عادة ما تكون غير مفيدة بالمرة.

تضيف بام: "هذا يصرف الناس عن فتح نفوسهم والتحدث. لو كنت تشعر بأنك مسؤول عن حل مشاكل صديقك، فلتتخلّص من هذا الشعور في الحال".

كانت أصعب العادات التي عليَّ التخلّص منها على الإطلاق، هي غريزتي لتحويل المحادثة لشيء إيجابي، استغرقت وقتاً حتى أدركت أن كل ما علينا فعله عندما نجد صديقاً في غرفة مظلمة، أن نتسلق هذه الغرفة ونجلس معه فيها لفترة من الزمن.

تقول بام: "إذا وثق بك أحدهم لدرجة أنه يحكي لك عن محنته، فإن محاولتك لإبهاجه تجعله ينغلق من ناحيتك، أنت تتجاهل مشاعره وتستهين بها".

وتضيف: "أعطِهم المساحة الكافية ليصفوا مدى سوء مشاعرهم، وابقَ معهم في هذه المشاعر، الانحراف بعيداً عنها والتحدث عن الجانب المشرق للأمر، يمكنان أن يكونا إشارة بأنك لا تريد سماعها"؛ بل ركز على صديقك وعلى كلامه.

قد يكون التفكير كثيرأً فيما عليك قوله شيئاً مؤذياً، وتوضح بام: "في بعض الأحيان، تطن رأسي بالأفكار وتصير مشغولة جداً بالتفكير فيما عليّ قوله لدرجة أنني أنتفض للأمام، ولهذا أبذل مجهوداً متواصلاً للحفاظ على عقلي هادئاً ومنسجماً مع ما يقال".

من الممكن -عندما تعرف كيف تفعل ذلك- أن تقول الكثير دون أن تقول أي شيء.

وعن ذلك، تخبرني قائلة: "مجرد الحضور الهادئ يمكنه أن يعطي أحدهم الإحساس بالثقة لينفتح لك"، كما يجب أن تستخدم لغة جسدك للتعبير عن اهتمامك، ربما الانحناء إلى الأمام، وأن تكون منفتحاً لتنظر في عينيّ من يتحدث إليك، ولكن عليك أن تكون حساساً مع هؤلاء الذين يتسبب لهم التواصل بالعين في إحداث التوتر، أو يفقدهم ثقتهم بأنفسهم.

تحدث بصوت هادئ مهتم، واحترس؛ "هناك خيط رفيع بين اللطف، وإظهار الشفقة، لا تتحدث مع أي أحد كأنه أقل منك. فقط، أظهر الاهتمام الحقيقي"، حسب ما تحذر بام.

يعد الصمت أكثر أدواتك أهمية، وعن ذلك تقول: "لا تخف من الصمت، تعلّم أن تطيل الصمت، على الرغم من أنه لن يكون مريحاً بالنسبة لك، ولكنه لن يزعجهم بالطريقة نفسها، فهم يمرون بمشاعر مؤلمة وصعبة للغاية، لهذا لا تستعجلهم. سيستمر الناس في الانفتاح طالما لم تقاطعهم".

كلما زاد قربك من شريكك، كان عليك أن تحاول أكثر للاستماع إليه. هكذا قالت سوزان كويليام، خبيرة العلاقات، ومؤلفة كتاب "دليل العلاقات، توقف عن الجدال، ولتبدأ في الحديث".

تقول كويليام: "إن ذلك الشعور بالأمان والألفة وتاريخ العلاقة بين الطرفين -والذي يكمن في قدرتنا على تكملة كلمات بعضنا البعض، والتعامل مع شريكك كما لوكان جزءاً منك- قد يعني أن الاستماع ربما يكون مشوشاً قليلاً، هناك نوع من الاعتماد المشترك، والتراكب العقلي الذي يعني أنه عليك أن تكافح من أجل الاستماع إلى شريكك كما لو كان غريباً عنك".

تشير تقديرات كويليام إلى أن أكثر الأزواج يمكنهم التحدث بعضهم مع بعض بصدق لمدة 20 دقيقة فقط في الأسبوع، ويمكن لهذا أن يترك أثراً ضخماً، وعن ذلك تقول: "يراكم الناس الآخرون من الخارج أنكما زوجان متحابان في علاقة فعالة، ولكنك تعلم في مكان ما بقلبك أن هناك شيئاً ما خاطئاً: أنت لا تشعر بأنك تسمع، وكذلك شريكك".

هناك طريق للعودة. تقول كويليام إن أردتم الوصول إلى ذلك الطري،ق "فأنتم في حاجة لإعادة تلك العادة التي كنتم تمارسونها في أول الحب، عندما كان ليس هناك ما هو أفضل من الاستماع لمحبوبك، والتعرف عليه".

تقترح كويليام أن تخصصوا 10 دقائق يومياً تتمكنون فيها من الجلوس وحدكم على الأريكة ويستمع بعضكم لبعض.

5 دقائق لكل فرد، يمكنك ضبط منبه عند نهاية الوقت؛ إذ تطلق على هذا النوع من الاستماع "الاستماع أحادي الاتجاه"، وفيه يحصل أحد الزوجين على كل الاهتمام، مما يسمح للشخص المستمع بأن يريح عقله من عبء التفكير فيما عليه قوله ويرد على كلام الشخص المتحدث.

وتوضح الخبيرة قائلة: "بهذه الطريقة، عندما يحتاج شريكك للكلام حقاً، ستكون عضلة الاستماع لديك مدربة جيداً".

كيف تمارس الاستماع في العمل ؟

تصف ميلي برامبليبي، وهي وسيطة تسيير أحد مواقع العمل، المشهد العام الذي يتكرر في معظم مكاتب العمل؛ إذ تقول إن شخصاً ما يدعى فريد، غير سعيد بسبب الطريقة التي يعامله بها زميل له في مكان العمل، ويطلب مناقشة الأمر مع المدير، الذي يحاول ببساطةٍ أن يسترضي ذلك الموظف.

إلا أن فريد يطالب بإقالة زميله، وعن ذلك تقول برامبليبي: "عندما يريد منا بعض الأشخاص أن نستمع إليهم، لكننا نقوم بدلاً من ذلك بإثارة غضبهم، تزداد درجة إحباطهم، ويصبحون أكثر إصراراً، وتكون مطالبهم أكثر تطرفاً".

في البداية، عليك أن تعطي الشخص مزيداً من الوقت والمساحة لكي يعبّر عما يشعر به، وربما يعني ذلك أن تُحدِّد موعداً معه في تاريخ لاحق إن لم يكن لديك وقت في اللحظة ذاتها التي يشكو فيها. وعندما يبدأ الشخص في الحديث، ينبغي لك أن تُركِّز فيما يقول.

وعندما يتوقف عن الحديث تلقائياً، عليك أن تسأله أسئلة إيضاحية لكي تتأكد أنك تتفهم ما يقولون.

تشرح برامبليبي ذلك، فتقول: "إن ذلك يعطي إشارة تعني أنّ ما تقوله مهماً بالنسبة إلي، وفي بيئة العمل، يتعلق الأمر دوماً بالاستماع وبأن تبدو أنك تستمع بالفعل".

كما تنصح بأن تصيغ سؤالك بطريقة لا تجعله يبدو سؤالاً عدوانياً، فمثلاً سؤال من قبيل "ما الذي تعنيه بذلك؟" ربما يبدو سؤالاً هجومياً، بينما عبارة من قبيل "اشرح لي أكثر عما تعنيه من وراء ذلك"، قد تشجع أكثر على الحديث.

من الأفضل أيضاً استخدام الكلمات التي قالها الزميل لكي تعطيهم انطباعاً حول ما يقولون بألسنتهم، حتى وإن كانت كلماتهم تحمل سِباباً. على سبيل المثال، يمكنك أن تقول: "إنك تخبرني بأن كارول عاهرة سخيفة. ما الذي يجعلك تشعر بذلك؟".

تشير برامبليبي إلى أن تَبنّي تلك الطريقة ربما يكون فعالاً على نحو خاص؛ لأنها قد تكون المرة الأولى التي يستمعون فيها إلى أنفسهم؛ إذ إن كونك مرآة تعكس لهم اللغة التي يتحدثون بها، من الممكن أن يكون أمراً صادماً لهم، ويجعلهم يتساءلون عن السبب وراء رد فعلهم المتطرف.

تقول أديل فابر، مؤلفة كتاب "كيف نتحدث ليستمع الأطفال وكيف نستمع ليتحدث الأطفال؟" How To :Talk So Kids Will Listen And Listen So Kids Will Talk "إن أثر التقليل من شأن ما يشعر به أطفالنا واستنكاره يعد مؤثراً للغاية".

وتشير فابر إلى أن الآباء يسعون من وراء ذلك للحصول على الراحة من خلال ذلك التجاهل، فإن قال الابن: "كاد أبي يقتلني عندما أَخْرج تلك الشظية من جسدي"، نرد عليه: "يا إلهي، لم يكن الأمر بهذا السوء".

إلا أنه كان علينا أن نقول: "يبدو أنها تؤلم حقاً"، وتوضح قائلة: "عليك أن تستمع إليهم لتدرك الإحساس الذي يشعرون به من وراء كلماتهم، وأن تبذل مجهوداً لتتعرف عليهم".

بيد أنه ثمة كلمة محددة تقف حائلاً أمام ذلك، ألا وهي "لكن".

تشرح فابر ذلك، فتقول: "كثيراً ما يبدأ الآباء بجملة تحمل تعاطفاً، ثم يضيفون ذلك القرص المسمم". وتضيف أن كلمة "لكن" تمسح تماماً ما قيل قبلها، مثلما هو الحال في "إنك تبدو مُحبَطاً لأنك فوّتت حفلة جولي، لكنها مجرد حفلة واحدة".

وتضيف: "وبدلاً من استخدام تلك الـ(لكن) لتبديد شعورك بالتعاطف، عليكم إعطاء مشاعرهم قيمة كاملة".

وتنصح الكاتبة بدلاً من ذلك، بافتتاح الجملة بـ"رغم أنّ" مثلما هو الحال في "رغم أنّها مجرد حفلة واحدة، لا تزال تشعر بالإحباط لتفويتها".

إذ تقول إن تلك الطريقة تعطي مصداقية لذكاء الطفل، وتجعلك توضح وجهة نظرك دون أن تبدد ما يشعرون به.

إن كانت هناك نقطة ضغط تحدث باستمرار تعيق حدوث أي عملية استماع مثمرة، على سبيل المثال إن تصادف وقت الذهاب إلى المدرسة، تنصح فيبر بأن يجلس الأب أو الأم مع الطفل خلال وقت أهدأ لكي يسألاه كيف يمكن أن تسير الأمور بطريقة أفضل.

وتقول فيبر: "يمكنهم أن يتوصلوا إلى أفكار، بينما يكتبونها جميعاً -سواء كانت أفكاراً سخيفة أو متعقلة، يمكنكم أن تطوروا تلك القائمة معاً وتقرروا أيها تتفقون عليه، ثم ضعوها على باب الشقة".

وبهذه الطريقة، سيشعر الجميع بأنه يحظى باستماع الآخر، وستتوصلون إلى حل معاً، سيكون التأثير فورياً.

تضيف فابر: "عندما يشعر الطفل بأنه يحظى بالاستماع، سيكون الطفل أو الطفلة على استعداد لأن يستمع إليكم، وفي اللحظة التي سيكون هناك قبول لمشاعر الطفل، سيشعر الجسد كله بالاسترخاء".

كيف تستمع إلى شخص غاضب؟

تخبرني برامبليبي قائلة: "إنني أحب الأشخاص الغاضبين؛ إذ إن التعامل معهم يكون أسهل. على مر السنوات القليلة الماضية، أدركت أن الناس الذين يبدون غاضبين وعدوانيين، يشعرون على الأرجح بالخوف والإحباط وقلة الحيلة، يبلغ طولي أقل من 150 سم، وعندما أقابل رجلاً يصيح أمامي، أرى أنه من المفيد بالنسبة إليّ أن أتذكر أن الخوف هو الدافع الرئيسي وراء سلوكه".

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل