المحتوى الرئيسى

ملف| "عزبة البوصة" معاناة في حضن الجبل بنجع حمادي | النجعاوية

12/02 19:09

الرئيسيه » اخر الأخبار » ملف| “عزبة البوصة” معاناة في حضن الجبل بنجع حمادي

كتب ـ بسام عبد الحميد، أيمن الوكيل

منذ 211 عامًا، استقر أهالي قرية عزبة البوصة، التابعة للوحدة المحلية بالشعانية، الواقعة شرق نيل مدينة نجع حمادي، شمالي محافظة قنا، عند سفح جبل الطارف، تلك الربوة المتفرعة من سلسلة جبال البحر، وسط معاناة استمرت نحو قرنين من الزمان، لاسيما في ظل تدني مستوى الخدمات المقدمة لمواطنيها، والتي ألقت بظلالها على شتى مناحي حياتهم اليومية.

سيارات متهالكة عفى عليها الزمن، كان أصلها مخصص للنقل، تسير على طريق وعر غير ممهد، لنحو 10 كيلو مترات، وأجواء مليئة بالأتربة والرمال، كانت وسيلة “النجعاوية” لبلوغ القرية، لتعايش هموم الأهالي، وترصد معاناتهم على مدار يومين.

التقت “النجعاوية” عددًا من أهالي القرية الذين أجمعوا على أن نشأة القرية ترجع للعام 1805 من الميلاد، حينما استقر المقام بأجدادهم عند سفح الجبل، في أكواخ من البوص، يكسوها الطين، لتصبح منازلهم “المتنقلة” التي يسهل عليهم اقتلاعها والفرار بها من هجمات السيول وفيضان نهر النيل، حتى أن أحد أقدم هذه البيوت لايزال قائمًا حتى كتابة السطور، شاهدًا على حقبة الأولين من قاطني القرية.

طرق منسية منذ أربعينيات القرن الماضي

يقول اسماعيل خلف، سائق، إن شبكة الطرق بالقرية متهالكة، ولم يتم رصفها منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، مما أدى إلى انتشار المطبات العشوائية والحفر بها، الأمر الذي أدى إلى تهالك السيارات، وكثرة الحوادث بسبب غياب الإنارة في عدد كبير من الشوارع، ومقابر القرية، مطالبًا بسرعة رصفها وتمهيدها من جديد، حتى يتثني للمواطنين الذهاب والإياب من وإلى قريتهم.

انتكاسة الزراعة بين الجفاف والغرق

على الرغم من ارتباط مواطنو قرية عزبة البوصة الوثيق بالزراعة منذ أن وطأت أقدامهم أرض سفح الجبل، وجهودهم المستمرة لاستصلاح مئات الأفدنة مستخدمين إطماءات فيضان النهر الخالد، إلا أن واقعهم الراهن حال دون تحقيق اّمالهم المنشودة في النهوض بالزراعة، يرجع ذلك إلى عمليات الإغراق المستمرة لجزء من أراضيهم الزراعية لأسباب متنوعة، وجفاف البعض الآخر.

يروي فرغل مصطفى، أحد الأهالي، أن الأجداد غرسوا في وجدان أبنائهم حب الزراعة، مثلما غرسوا بذور حصادهم الاول منذ فجر التاريخ، بيد أن السنوات العجاف الأخيرة حالت دون تحقيق طفرة زراعية منشودة، بسبب غرق نحو 120 فدان.

“سدينا الغلاسي اتفتحت علينا صليبة حمد” هكذا اختصر مصطفى، أزمة الغرق المستمرة، بأفدنتهم الزراعية، لافتًا إلى أن ترعة الغلاسي كانت تفيض مياهها ليل نهار، عبر أكثر من 10 سنوات، لتغرق مناطق “البريج والشيخ مبارك والجرف”، وسط مناشدات الأهالي بسرعة تبطين جوانبها ومنع خروج الماء منها، وبعد استجابة المسؤولين لهم وتبطين الغلاسي، لاحت في الأفق مشكلة ترعة “صليبة حمد” التي انتهجت نهج الغلاسي في إغراق العشرات من الأفدنة الزراعية، والتي بدورها حققت خسائر فادحة فى المحاصيل الزراعية الاستراتيجية مثل القصب والقمح والذرة الشامية.

ويضيف مصطفى محمد، من قاطني القرية، الذي اصطحب “النجعاوية” إلى زراعات الجبل، أن ارتفاع سعر الوقود والمحروقات، أدى إلى تأخر عمليات الري، مما يثير مخاوف المزارعين من جفاف زراعاتهم، مشيرًا إلى أن ماكينة الري تستهلك ضعف قيمة الوقود اللازم لري الفدان الواحد في الأراضي الجبلية، وهو ما أنهك كاهل الزراع، فضلًا عن عدم تمكنهم من الحصول على الوقود اللازم من المحطات العاملة، بسبب أولية البيع لقائدي السيارات العاملة في مجال النقل.

يوضح هلباوى فؤاد، موظف، أن أزمة الأسمدة الزراعية مستمرة في قريته منذ وقت طويل، حيث يعتمد المزارعين على توفيرها لزراعاتهم من السوق السوداء بأسعار جاوزت حاجز الـ180 جنيهًا للجوال الواحد، مرجعًا ذلك إلى عدم وجود جمعية زراعية بالقرية، وقيد مزارعوها بجمعيات الشعانية والصياد، في القرى المجاورة لهم، والتي لم تصرف للمستحقين غير نصف الكميات المقررة فقط، فضلًا عن حرمان أصحاب الأراضي الزراعية المربوطة للزراعة بأملاك الدولة من الحصول على الأسمدة منذ أكثر من عامين.

السيول تهدم المنازل وتنبش القبور

يحكى محفوظ عبدالرحمن، موظف، أن السيول تنزل إلى قريته، بكتل رهيبة منذ نشأتها، وكان أكثرها خطورة ماحدث قبل 5 سنوات، حين أغرقت مياه السيول المنازل، والمقابر، وأجزاء كبيرة من القرية، مما اضطر مسؤولي الوحدة المحلية لقطع الأسفلت آنذاك، حتى يتم صرف مياهها بعيدًا عن الأهالي، لافتًا إلى أن لجنة من القاهرة وفدت إلى قريتهم لدراسة مخرات السيول، وأوصت بإنشاء حاجز خرساني، وتحديد 3 مخرات للسيول، إلا أنه وحتى الآن لم يتم تنفيذ أي من هذه التوصيات على أرض الواقع.

مياه بطعم “الملح والطين” مخصصة للشرب

يضيف عبد الفتاح ابراهيم، عامل، أن منطقة نجع الشيخ نور الدين بزمام قرية عزبة البوصة تعاني من تدني مستوى مياه الشرب، التي خلت بعض الكتل السكانية منها جملة وتفصيلًا، في حين اعتمدت الآخرى على محطتين ارتوازيتين، إحداهما بدائية تعمل بالوقود، وهي التي تعمل الآن، والآخرى تعمل بالكهرباء، ومخصص لها أحد المحولات الكهربائية إلا أنها متوقفة عن العمل.

ويشير سيد ابراهيم، عامل، إلى أن طعم مياه الشرب مشبع بالملح والطين، وهو ما يشكل خطرًا على صحة المواطنين، لاسيما وأن المياه الارتوازية قد تختلط بمياه الصرف، الناتجة عن الخزانات البدائية التي يستخدمها الأهالي في منازلهم، لاسيما وأن القرية لم يدخلها الصرف الصحي حتى الآن رغم اتساع شوارعها لنحو 8 مترات.

“المحولات تالفة والأسلاك متهالكة” هكذا عبر مصطفى محمد، القائم بأعمال عمدة القرية، عن حالة الكهرباء، مشيرًا إلى أنها تهدد حياة الكثير من الأهالي، خاصة وأن أحد هذه المحولات دائم الانفجار، ومرور الأسلاك الكهربائية العارية أمام المنازل، مطالبًا بدمج المحول المتهالك بأحد المحولات القريبة، وتغطية أسلاك الكهرباء واستبدالها بأخرى معزولة وتحريك أعمدتها عن المنازل المجاورة لها، وإعادة إحلال وتجديد كشافات الإنارة بالشوارع، والاهتمام بإنارة منطقة المقابر.

ويوضح سيد ابراهيم، عامل، معاناته من غياب الأمصال وتدني الخدمات الصحية بالوحدة الصحية بالقرية، والمنشأة على مساحة 14 قيراطًا، وتقوم على إدارتها طبيبة مقيمة، من أبناء القرية، لاتدخر جهدًا في تقديم الرعاية الصحية المحدودة لهم، مطالبًا بإيفاد الأطباء المتخصصين في مجالات طب الأسنان والأطفال والجراحة والعيون، حيث أن الوحدة الصحية تعنى في المقام الأول بالتطعيمات والنساء والتوليد، وتعزيز الأدوية وتوفير الأمصال اللازمة، نظرًا لأن منازل المواطنين تلاصق سفح الجبل، وهو ما يجعلهم عرضة للدغ من الحشرات والحيوانات المفترسة.

ويطالب جمال عبدالناصر، لايعمل، بإنشاء مدرسة بمنطقة نجع الشيخ نور الدين، والتي توجد بها قطعة أرض مربوطة أملاك دولة وتم تخصيصها لإنشاء مصالح خدمية للأهالي، لافتًا إلى أن مواطني القرية على أتم الاستعداد للمساهمة في إنشاء هذه المدرسة، وكذلك معهدًا أزهريًا، حتى لا يتحمل الطلاب تبعية انتقالهم من القرية إلى مدينة نجع حمادي، لاستكمال دراستهم.

ويوضح عبدالناصر أن الأهالي تقدموا بعدد من الطلبات لهيئة الأبنية التعليمية، والمسؤولين للموافقة على هذا الطلب، إلا أنه لم يتم الاستجابة لهم حتى تاريخه، مما يجعلها عرضة لوضع اليد من منتفعي الأراضي المملوكة للدولة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل