المحتوى الرئيسى

د. جابر نصار .. وحصان عقبة !

12/02 15:05

اقرأ أيضا: القيصر (نشوى الحوفي) تعلن:.. أنتم عبيد إحساناتنا ! د. سعد الهلالي ..هل سيأكل (ورق الشجر) معنا ..؟! د سعد الدين الهلالي ...فتاوى (الديلفري) لكسب الجولة ! عفوا ً شيخ ( مصطفى العدوي ) : سائق التوكتوك أصوب فهما ً منا ! خالد صلاح ..حين يرشد الحج و العمرة !

نحي د / ( جابر نصار ) أستاذ القانون الدستوري المعروف , رئيس جامعة القاهرة , كل الأزمات المصرية الهيكلية الدامية جانبا ً _ بما في ذلك أزمات التعليم الجامعي نفسه _ ليشتبك في معركة ( كرتونية ) مدوية  مع الصحابي ( عقبة بن نافع )  فاتح المغرب العربي و حصانه العجوز , الذي لم يعد ملائما ً للمرحلة ! و مضى د نصار _ في معركته الكرتونية _ ليمد أطرافها مع ( عنترة بن شداد ) _ أي والله عنترة ! _ مواصلا ً بهمة حرب طواحين الهواء , و تصدير الدخان الكثيف إلى الرأي العام , حتى لا يبصر برقعة الأزمة الرهيبة التي تأخذ بخناق مصر , في إطار نظرية الإلهاء الإستراتيجي المفضلة لدي كثيرين في مصر الآن لصرف الأنظار بعيدا ً الجروح النافذة الحقيقية في جسد الوطن المكلوم  !

 جاء ذلك خلال مؤتمر عقد في جامعة القاهرة _ قبل أيام _ تحت عنوان : ( إعادة التوازن للاقتصاد المصري لتحقيق الانطلاق ) , بالتعاون مع ( تحالف المصريين في أمريكا الشمالية ) , لاحظوا معي أن المؤتمر حول ( الاقتصاد ) لا الجهاد أو النضال ( فما دخل عقبة بالأمر ؟! ) و لاحظوا معي أن المؤتمر يحدد هدفه ب ( إعادة التوازن الاقتصادي و تحقيق الانطلاق ) و لم يحدد هدفه مطلقا ً بدراسة الفروسية أو السير الشعبية أو الشعر ( فما دخل عنترة بالأمر ؟! ) ولماذا فضل د جابر _ الآن تحديدا ً _ أن ينضم إلى معزوفة التربص بالتاريخ الإسلامي أو بالفكرة الإسلامية ذاتها , مشاركا ً _ بنشاط قوي _ في اللحن الأوركسترالي الجماعي لاغتيال التاريخ الإسلامي و التشهير برموزه ؟! ليكن لحنا ً أوركستراليا ً يغري بالمشاركة , أو حتى معزوفة صغيرة في إطار ( موسيقى الحجرة ) التي تتألف من أربعين عازفا ً أو أقل  , فليس مهما ً حجم المعزوفة و نوعها أو عدد العازفين فيها , و لكن المهم : ما دخل هذا كله بأزمة الدولار المحطمة للضلوع  أو بأزمات الدواء المميتة أو بدعم السلع الأساسية و الوقود , أو بالصفقات المريبة لحيتان رجال الأعمال , التي لم تنته بعد من مص آخر قطرة من دمائنا ؟! و ما دخل هذا الحوار حول ( عقبة ) و ( عنترة ) , بالاقتصاد المصري الذي يتنفس بأنبوبة ( أكسجين ) متهالكة , و يوشك معها أن يلفظ آخر أنفاسه , لولا عناية الله _ وحدها _ بهذا الشعب المسكين المهيض !

 أفهم أن يدعو د / جابر , إلى دراسة سيرة الاقتصادي الكبير : ( طلعت حرب ) , الذي قدم للوطن أفضل فكر اقتصادي و مشروعات إنمائية نهضوية للارتقاء باقتصاد البلاد , في مختلف المناحي و الأنشطة المالية و المصرفية بل و الثقافية  , و لكن لماذا الزج ب ( عقبة بن نافع ) و تجريحه و غمز تاريخه بهذه الفجاجة ؟ّ ! و لماذا تأتي دراسة ( طلعت حرب ) _ في طرح د جابر و رؤيته ! _ خصما ً من دراسة التاريخ الإسلامي , و بمنحى الطعن في رموزه  و استبعادها _ بهذه القسوة ؟! و من الجهة المستهدفة _ داخل مصر أو خارجها _ بهذه المغازلة المكشوفة لتيار اللادينيين في مصر , و هم الذين يجعلون من رموز التاريخ الإسلامي و أيقوناته , عدوهم الأوحد , و خصمهم الشرير  الذي لا خصم غيره !

 يسخر د جابر _ إذن _ من دراسة تاريخ ( عقبة ) الدموي _ فيما يرى ! _ في المرحلة الإعدادية من الدراسة في المدارس المصرية  , بذريعة أنه ينتمي إلى الماضي , غافلا ً عن أن المدارس النظيرة  في أمريكا و أوروبا تدرس _ أيضا ً _  ( ريتشارد قلب الأسد ) و ( جورج واشنطن ) و ( مارتن لوثر ) , مع أنها شخصيات تنتمي إلى الماضي ! بل إن ( طلعت حرب ) نفسه شخصية تنتمي إلى مطالع القرن الماضي ! إلا إذا كان تعامله مع هذا الماضي انتقائيا ً _ على الإيديولوجيا و الهوية _ يختار ما يريد و يستبعد من يشاء ! مع ملاحظة أن اختيار د جابر , هنا , حالة ( فردية ) تعبر عن رأيه هو , لا عبر برلمان أو صيغة شعبية معقولة تضمن دعم الفكرة جماهيريا ً . و لكن د جابر _ شأن كثيرين من النخبة المصرية ! _ يرى نفسه الجماهير,  و يختزل معنى الجماهير في ذاته الإمبراطورية التي لا تراجع و لا تناقش و لا تمس ! و متى تكف النخبة المصرية عن أن تنصب من نفسها ممثلا ً أوحد لملايين من الجماهير العريضة ؟!

 ما الذي وجهه ( عقبة )  لك يا دجابر من ضرر أو إيذاء , فسعيت إلى اغتياله معنويا ً , بحضورعشرات الكاميرات و الوفود المشاركة ؟! و ماذا تتوقع من مردود أو فائدة , من جراء هذا التجريح ؟!  هل تنتظر ( نوبل ) مثلا ً أو ( البوكر ) أو ( الجونكور ) أو الافتتاحيات التأييدية لك في ( الواشنطن بوست ) ؟!  أو موقعا ً مرموقا ً في الأمم المتحدة ؟! و ما الذي سيفيده الجائعون و المرضى و العاطلون و الناقمون في مصر من هذا التجريح السخيف الذي يطول التاريخ الإسلامي وحده دون غيره  ؟! و سأمد في مساحة السؤال قليلا ً و أسأل : هل قرأت كتابا ً واحدا ً عن الصحابي _ أكرر الصحابي ! _ ( عقبة بن نافع ) , و هو صحابي بالمولد , حيث ولد في حياة النبي ( صلى الله عليه و سلم ) _ بعد عام واحد من الهجرة _ فيما يذكر المؤرخون ؟!

 يشعر ( أحمد عبد المعطي حجازي ) _ قبل سنوات بالفراغ القاتل فيهاجم ( عقبة بن نافع ) ! و من بعده يشكو ( إبراهيم عيسى ) بعض الملل القاتل فيمرر يديه على حمالاته الشهيرة و يمضي في شتم ( عقبة ) بصورة مقذعة متدنية  ! و هاهو الآن د ( جابر نصار ) ضاقت أمامه كل الموضوعات و القضايا فلم يجد سوى غمز ( عقبة ) و التشهير به دفعا ً للملل و ومن باب ملء ساعات المؤتمر بأية مادة حوارية ( محبشة ) مثيرة لشهية الإعلاميين ؟! و لدي ثقة مطلقة بأن واحدا ً من هؤلاء لم يقرأ كتابا ً واحداً حول ( عقبة ) و ترجمته المعتمدة !

 د / ( جابر نصار ) شخصية ذات طموح أكاديمي , و هو أمر جيد دون شك , بدليل أنه عين معيدا ً في الجامعة عام 1984 , ثم رقي أستاذا ً عام 2003 , و قدم للمكتبة عددا ً من الكتب . و هنا أسأله _ بوضوح _ لقد صنفت كتابا ً مهما ً بعنوان : ( الاستفتاء الشعبي و الديمقراطية ) ( 1993 ) فلماذا لا تحدثنا عن ( الديمقرطية ) و ( الاستفتاءات الشعبية ) الآن في مصر, بدلا ً من أن ترحل بنا في كهوف الماضي البعيد ,  و تجتر معارك ( عقبة ) و الحاميات الرومية قبل قرون ؟! و صنفت كتابا ً راقيا ً استمتعت _ شخصيا ً _ بقراءته : ( حرية الصحافة _ دراسة مقارنة ) فلماذا لا تتحدث عن ( حريات الصحفيين ) في ربوع المحروسة الآن ؟! و لديك كتاب قيم بعنوان : ( النظام القانوني للمدعي العام الاشتراكي في مصر ) ( 2003 ) تطرقت فيه لقضية رؤوس الأموال الخاصة و تجاوزات رأس المال السياسي , فهل تجرؤ _ الآن _ على التطرق لأية تجاوزات لرأس المال السياسي في مصر ’ الذي خلط حساباته في البنوك _ في الداخل و الخارج _ بأقواتنا و رقابنا و دمائنا ؟! و هل تتجاسر أن تذكر تجاوزات رجل أعمال واحد في مصر _ باسمه ! _ بنفس الجسارة و الجرأة التي غمزت بها ( عقبة ) الذي لا تعرفه ؟! نعم أؤكد أنك لا تعرفه , سيرة أو خلقا ً !

 إن منطقك في استبعاد ( عقبة ) من التاريخ الذي يدرس _ بذريعة الانتماء إلى الماضي _   هو منطق كفيل باستبعاد ( الإسكندر ) و ( هانيبال ) و ( أحمس ) و ( نابليون ) و ( روميل ) و غيرهم لانتمائهم إلى نفس الماضي و هو منطق كفيل _ أيضا ً _ بإغلاق أقسام التاريخ في الجامعات المصرية برمتها لأنها تتعامل مع الماضي , دراسة و تدريسا ً ! لا يصدر هذا الكلام في حالتنا من مجرد أكاديمي أو مثقف , و إنما من رئيس أعرق جامعة مصرية و عربية . و هنا تكمن المأساة الإغريقية الموجعة !

 الذي يعرفه المؤرخون الثقات , أن ( عقبة ) , كان قائداً للحامية الإسلامية في مدينة ( برقة ) _ في عهدي ( عثمان ) و ( علي ) رضي الله عنهما _ حيث تجنب الرجل أحداث الفتنة و مضى يكسر الحاميات العسكرية الرومية في الشمال الإفريقي , تزامنا ً مع نشر الفكرة الإسلامية بين تجمعات البربر . فكان دوره عسكريا ً و دعويا ً في آن . و لما استقر الأمر ل ( معاوية ) _ 41 من الهجرة _ واصل ( عقبة ) جهوده العسكرية في حماية خاصرة المسلمين و تطهير المناطق من جيوب الاحتلال الرومي , تواكبا ً مع عرض الإسلام _ فكرة و معتنقا ً و منهجا ً _ على قبائل البربر . لا ننكر أنه قد تكون ل ( عقبة ) تجاوزات _ في معاركه _ يدرسها المؤرخون دون تشنج , و يوازنون بينها و بين منجزاته الهائلة في المغرب العربي و الشمال الإفريقي , فيخرجون بنتائج تؤكد _ في المجمل _ حجم المنجز الدعوي و العسكري للرجل , الذي شارك _ فعليا ً _ في فتح مصر _ مع أبيه _ و مضى بقوة , فيما بعد ليكسر حالات التمرد التي استهدفت تحطيم ضلوع الدولة الإسلامية في ( ودان ) و ( جرمة ) و ( قصور خاوار ) و لو أتيح لهذه الحركات التمردية الهائلة فرصة التمدد , جنبا ً إلى جنب مع نشاط الجيوش الرومية الهائلة في الشمال الإفريقي , لأصبحت الدولة الإسلامية نفسها مجرد أنقاض أو ذكرى غالية في القرون اللاحقة  ! إن المتمردين الذين خرجوا في ( الزاب ) أو ( تاهرت ) أو ( باغاية ) لم يكن في نيتهم توزيع الحلوى , بل ضرب المسلمين بالامتداد داخل حدودهم _ بمعاونة الروم _ و قد تكفل ( عقبة ) بكسر شوكتهم _ بعدة و عتاد قليلين _ و امتد بجنوده الذي أحبوه حبا ً جما ً , حتى اخترق بفرسه مياه ( المحيط الأطلنطي ) قائلا ً : ( .. يارب لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهدا ً ..)

 في أحدث زياراتي إلى المغرب الشقيق , وجدت لدى الأكاديميين المغاربة إعجابا ً ب( عقبة ) الذي حمى خاصرة الدولة و أسس ( القيروان ) و صدر في علم العسكرية دروسا ً في فنون ( المباغتة ) و ( تحشيد القوات ) و ( تأمين خيوط المواصلات ) و ( توظيف سلاح الاستطلاع ) . فضلا ً عن درس مهم و هو تداول المواقع القيادية و الامتثال لفكرة الدولة و منظومتها بنضج , حيث تنحى ( عقبة ) عن القيادة _ بهدوء _ بعد عزله تاركا ً كرسي القيادة ل ( أبي المهاجر بن دينار ) . قارن ذلك ب ( بشار الأسد ) _ مثالا ً لا حصرا ً _ و هو الذي لم يترك حجرا ً سليما ً في سوريا لمجرد طرح احتمالية تغيير قيادته بأخرى ! !

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل