المحتوى الرئيسى

ما يقوله الشعراء يسجله العالم

12/02 00:57

غريب هذا الترابط العميق بين العراق والشعر، فالعراق مكان متوتر ومشتعل بالحروب، لكنه هنا يجرنا لنشهد عصرا جديدا من التحولات اللافتة لبوصلة الشعر العربي كله، الشعر بصفته خطابا ثقافيا يحمل بين طياته تحولات في العقلية الشعرية، حيث كف الشعر العراقي عن رومانسيات بدر شاكر السياب، وكف عن تغييب الواقع، فاستبدل الألعاب اللغوية الستينية بالمشهد اليومي للحقيقة المعيشة كما هي من دون لبس أو تزييف، وربما كانت هذه النقطة هي الأساس الذي انطلق منه شعراء هذا الملف ومنه إلى كل شعراء جيل ما بعد التغيير أو ما يسمى بجيل الألفية الثالثة.

ببساطة، هذه النصوص تحمل المشهد من دون ميول مؤدلجة كما في الماضي، ليس لأن الشاعر خارج اللعبة، بل لأن النص يحرك القارئ ليفهم الحقيقة التي غيبها الشعر العربي طيلة عقود طويلة من القرن العشرين، ولم نحصد منها سوى أن المجتمع بقي أعمى لحد الآن. الشاعر العراقي يجد نفسه مسؤولا عن انهيار محيطه لان ثقافتنا شعرية بالأساس (هذا هو الافتراض الشائع لمنتوج الثقافة العربية) وهو ما يلقي على كاهل الشاعر اليوم ثقل تأريخ مرّ، فماذا يفعل في هذه اللحظة؟

أعتقد أن الجواب هو ما يقوله الشاعر لا ما يقوله الإعلام والفضائيات، لأننا لأول مرة بتنا نثق بكلمة الشاعر. وهذه هي قوة الشعر.

^ بمثل تلك الخفّةِ والبراعة

وتتركُ الريحَ تتحدثُ مع دويّها.

يعبرُ الرقمُ صفْر جميع يديه،

ويتركنا مع تصفيقٍ حار بوجهِ الكارثة.

نعبرُ على ظهر ساعةٍ جدارية،

ونتركُ لإطراقةٍ أنْ تدهَسَنا بعلوّها.

تعبرنا الـ «لا»، والـ «نعم»،

ونسأل: ماذا نفعل بهذه المجاذيف؟

ونتركُ الجنون، يشعُّ فوقَ أفواهنا...

^ عن الحجر الذي تعثرنا به

كنت أحاول إخباركِ بأهمية الإجهاض

كنّا نشاهد الفيديوهات عن ذلك

وكانت الكثير من الطرق السليمة أمامنا

وحدثتكِ عن الثمار في الأشجار المقطوعة

الثمار التي لا يمكن أن تكون خشباً حتى

ما معنى أن نحسد الذين يموتون في حوادث السير؟

تدخلين اليوم في الشهر التاسع

لا يمكنها أن تكون خشبة حتى.

في الثالثة والعشرين من عمرك

وتعتقدين أنك فتاة تذهب للمطارات ولا تسافر

تجلسين في الطائرة محاطة بجنود سود

ينامون ويحلمون بعراقيين اضطروا لقتلهم

خلال 16 ساعة، خسرت بلدك للمرة الثانية

بلد لا يمكن لأحد أن يحبها.

الجامعة تدفع لك راتبا أقل من الحد الأدنى

لتعلمي أبناءهم عن نساء يتزوجن بشكل تقليدي

وعن رجال لم يكتشفوا مثليتهم

تذهبين للفصل كأنك في مقابلة للحصول على فيزا

هناك حياة تركتها وتعلمين أنها ستموت مثل تمثال

وهنالك حياة قي المنتصف لا تخرج من مربع skype

وهذه بيوت تصلح للفئران، للصناديق، ولنا.

أنك لا تغضبين طويلا لأنك مشغولة بعمل الكثير

أن كل الأشياء تتغير إذا انتظرنا بلا نهاية

أن لا وعود يمكن إنقاذها بعد عبور المحيط.

في الجادة الضيقة والمظلمة، الفاصلة بين الجنة والنار، نزل الشاعر بثوب الشيطان إلى الجادة، نزل ولم تمس قدماه الأرض، أطلق صيحة ليجمع من حوله المعذبين، وكان صوته خافتا، أرخى حبال قلقه فتمايلت استقامته، كاد أن يسقط ثم حملته خدعته، قرأ عليهم غوايته فخروا بين كلماته، بسط يده على الهواء وأشار بإصبعه: ذلك فردوس الفراديس، أرض الذهب والشراب السلسبيل، صورة الإله فناناً على فناره المضاء به، وعطر الروح النقية كقميصي الأبيض. بسط يده الأخرى وأشار بإصبعه نحو الاتجاه المعاكس: تلك فوهة النار السوداء، وجحيم الأبد، يخطو عليها العذاب بأقدام ممسوخة، ويشرب من حممها الوحش ويتجشأ ليل نهار.

خطا فوق الهواء على الخط الفاصل، وكانت الجوقة تتبعه، تردد وراءه: نحن أبناء الفاصلة، الحيارى بلا غايات، العائمون كالهواء. همس الشاعر في قلبه: «أنا الشيطان» فوخزه قلبه، تأرجح في مشيته وكان فوقه البرق يتفجر، فتتصدع الظلمة في الجادة وترتجف الجدران، رفع الشاعر نفسه ورأى الشيطان بعينيه، وكان باردا بينما تطفو فوق كفه اليسرى كرة من نار، قال الشيطان: إلى الأحضان يا بني، أيها الصورة المحبَطة، يا لحن الغواية في آخر الفيلم، بلا حيلة ولدت لتكتب اسمك بألف طريقة وطريقة، وكل اسم كتبته أثار الدموع كالعزاء، لا اسم لنا ولا منطقة وسطى، نحن أبناء الجهات الأربع، نمضي إلى آخر الفردوس والجحيم، نقطف فاكهة الزقوم والتفاح، وننام ليلنا بينما يحبو الشعراء مثلك، هائمين في مناطقهم الوسطى، تعال لأمنحك شفقة الضوء الملعون، أنا ابن الضوء القديم وسيد الظلام، خذ من أولي وآخري شيئا وارحل، وأكمل أغانيك بعيدا عن الخطر.

لن أنتظر عزرائيل أكثر من ذلك

تباً لكم أيها الحمقى من البيض والسود

وهو يطير أو يخسف في الأرض

وأنا أشارككم أفراحكم بالانتخابات أو يوم الطماطم

حسناً ..... يكفي هذا الشرح

فلم آكلْ البيتزا منذ زمنٍ طويل.

عند الذبح، نفتح أطراف أعيننا على اتساعها الكبير

حتى نتابع آخر الضحايا، نغلقها على التراب بعد ذلك

ضحكاتنا الثقيلة، التي تنقط الدم وتسقط على حافات الأرصفة وكتل الكونكريت

ثلاثة في اثنين يساوي ستة

أو ستة إلّا قليلاً، لو حذفنا مساحة الجدران المشتركة مع قصائد أخرى.

ثلاثة في اثنين يساوي عائلة بائسة

ثلاثة أولاد وبنت في بطن الأم

والأب في بطن السّوق ابتلعته الباعة واحداً تلو الآخر.

ثلاثة في اثنين يساوي غرفة صغيرة

القصيدة في يد الولد الأوسط الشّاعر

أحياناً يضع الغرفة في القصيدة

أحياناً يضع القصيدة في الغرفة.

التي عثروا عليها على الحدودِ

وأمٌّ لطفلةٍ يجعلونها تبيعُ جسدَها

أنا ليلٌ شجيٌ في عزاءِ بيتٍ جنوبيّ

أنا دمعةُ متسولٍ تجفُ على وجنتيْهِ

وحيدةً كالناقوسِ، في كنيسةِ أمَّ الأحزانِ

مصطفّةً كالعودِ في علبةِ الكبريتِ

ذلك الذي يدورُ في رأسِ أبي

ويظهرُ على خصلات شعرهِ الرماديّ

ذلك الذي يتربعُ على آلةِ خياطةِ أمي

أنا صدى سعالِ امرأةٍ مرميةٍ في الردهاتِ

أو فلترُ سيجارةِ زوجِها العاطلِ من التفكير

أنا خللٌ يربِكُ رتابةَ هذا البيتِ

وأنتَ شِبهُ جزيرةٍ محاطةٌ بالغَرق

^ أحرر نساء منهكات في مكان ما

ما تركت حائطا ينعم بالفراغ

في مكان ما من أعباء شتى

وأطلقهن غزلانا في حقول طباشيري

ما تركت للرسائل منفذا للنسيان

عاودت محبته بعد أن مضوا

وأنا أحاول أن أسحق ما تبقى منها

كم نصحتكم أن تسمعوا أغنية

«الليلة أموت الليلة آخر ليلة»

يا سرب غرد خارج السرب

الأرضيات المُفطّرة في القلاعِ النسيّة.

أقولُ: أحرسُ الذكرى الغالية من الذئب.

أقولُ: الدنيا رائعةٌ وممالُكُ اسمكِ

لو قيل لي صفْ الشهور

أقولُ: قبّلتُ الجميلةَ تحت شُجيرةِ الغُبَيراء

سأهتفُ: كنّةُ الهجرةِ، بنتُ موارِدِ القطا.

صرخ الأهالي، بكى الأطفال هاربين بمؤخرات عارية من الحمامات

غير أن قناني الإطفاء نسيت دموعها

هل عرفت الآن لماذا يسيل الماء من آذاننا كلما سمعنا صراخا؟

أتت سيارة الشرطة، سألنا أين سيارة الإسعاف، بل أين سيارة الإطفاء؟

قال الضابط لا فرق، صراخ السيارات الثلاث واحد،

وإنتاج الدموع مهمتكم أيها النازحون!

لم تكن هناك خسائر بشرية كما ذكر مدير المخيم لقناة محلية

ماذا عن الطفل الذي ولد قبل البارحة واحترق في مهده،

صحيح أنه صرخ لمرة واحدة أو مرتين ولكن لم يكن قد أنتج دموعا بعد

لم تكن عيناه قد تفتحتا،

لم يسمع (دلول) وأي مما شابه من تنهيدات أمه،

لم يحمل من الألم ما يكفي لنقول عنه نازح،

كيف لنا أن نكتب في شريط الأخبار بقلب كاذب «مات إنسان جراء حريق شب بخيمتين»؟

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل