المحتوى الرئيسى

سيادة المستشار.. والتاكسى | المصري اليوم

12/02 00:45

بصراحة كده، من الآخر، ودون لف أو دوران، لا يصح ولا يجوز ولا يُعقل أن يعمل رئيس محكمة استئناف سابق سائقاً لتاكسى، بعد أن تم فصله من العمل، بسبب إبداء رأيه فى أى موضوع، أو أى قضية، سواء من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، أو من خلال التوقيع على بيان، أو من خلال حديث تليفزيونى، أو مقال صحفى، أو أى وسيلة أخرى، فى ندوة أو محاضرة أو ما شابه ذلك، بعد أن ضاقت به الدنيا، فلم تقبله نقابة المحامين محامياً، وخشيت الشؤون القانونية بالشركات التعامل معه، بل وصل الأمر إلى أن إحدى الدول الخليجية رفضته، بعد أن رأت أن ذلك يمكن أن يُغضب النظام الرسمى فى مصر.

هذه هى الحقيقة، فوجئت بأحدهم فى هذا الوضع، وقد تحشرجت الكلمات فى حنجرته، بمجرد أن رآنى، واغرورقت عيناه بالدموع بمجرد أن تعرفت عليه، ولم أكن أعلم أن هناك تعليمات لنقابة المحامين بعدم قبول هذه المجموعة التى تم فصلها من القضاء خلال العامين الماضيين، والذين لا يزيد عددهم على العشرات، إلا أنهم جميعاً أصبحوا فى الشارع، ليسوا بلا عمل فقط، وإنما وجدوا أنفسهم فى الشارع بمعنى الكلمة، الأبناء فى المدارس بحاجة إلى مصروفات سنوية، الأسرة عموماً فى حاجة إلى إنفاق يومى، إلا أن هؤلاء كما علمت من صاحبنا لم يستطيعوا حتى الآن الحصول على المعاش، وماذا سيفعل لهم المعاش، ذلك موضوع آخر.

أيها السادة، ما هكذا يكون الانتقام، ولا هكذا يكون التنكيل، ولا هكذا تُدار الأزمات، نحن هنا نحكم على عائلات كاملة بالتشرد والجوع، ليس لذنب اقترفوه، وإنما لمخالفة إدارية، مخالفة تعليمات الوظيفة بعدم التحدث، أو عدم إبداء الرأى، أو عدم الاشتغال بالسياسة، جميعها أمور قابلة للأخذ والرد، قابلة للفت النظر والإنذار والخصم، وما شابه ذلك، إلا أننا هنا لن نعترض على أى أوضاع داخلية لأى جهة كانت، فقط ننبه إلى أن الحياة فيما بعد الفصل تظل مسؤولية الدولة أيضاً، لا يجوز بأى حال من الأحوال الحكم بالعقاب مدى الحياة على الشخص، وعلى أسرته، فى آن واحد.

نحن هنا نتحدث عن رجال قضاء، هم الخصم والمتهم والحَكَم، كل الأطراف رجال قضاء، لا يجوز لرجل القضاء أن يمد يده بالتسول، ولا بالسلف، ولا بالتدنى، لا خلال الخدمة، ولا بعدها، سوف يظل ينادَى بسيادة المستشار مدى الحياة، سوف يظل يمثل القضاء، حتى وهو خارج الوظيفة، بل حتى وهو خارج الوطن، هناك من الوظائف ما يكفى لشغلها يوماً واحداً حتى تستحق اللقب مدى الحياة، لا يجوز أن يعمل من الباطن فى مكتب محاماة، لا يمكن أن يعمل مستشاراً لأحد الفاسدين، لا يمكن أن يظل يتردد على المكاتب والشركات بحثاً عن عمل، إلى أن يقبل فى النهاية بأقل القليل.

بعد مناقشة مع سيادة المستشار، سائق التاكسى، الذى مازال يعمل برخصته الملاكى بالمخالفة للقانون، نظراً لأزمات كثيرة واجهته حين محاولة استخراج رخصة الأجرة، وجدت لديه من حكايا زملائه ما تشيب له الرؤوس، وجدته يرى نفسه أفضل بكثير من أقرانه، أخيراً استقر على مهنة شريفة، هى بالتأكيد شريفة بالنسبة إليه، إلا أنها تسىء إلى كل رجال القضاء، تسىء إلى المنظومة ككل، كانوا جميعاً فى انتظار عفو رئاسى لم يتحقق، كانوا فى انتظار إعادة نظر من قمة السلطة القضائية لم تتحقق، كانوا فى انتظار طرح قضيتهم بشفافية عن طريق الإعلام، إلا أن ذلك أيضاً لم يتحقق، أثقلتهم الديون، كما أنهكتهم الأعباء اليومية، أصبحوا يهيمون فى الشوارع بحثاً عن لقمة عيش حلال.

نحن هنا لا نتحدث عن قضاة فاسدين، من الذين حصلوا على رشاوى، مالية كانت أو جنسية، لا نتحدث عن قضاة خرجوا بعدم الصلاحية نتيجة ممارسات خاطئة، أو ضعف مهنى، أو ما شابه ذلك، نحن نتحدث عن قضاة، ذوى ميول سياسية أحياناً، وميول دينية فى أحيان أخرى، أو ربما لا هذه ولا تلك، إنما هى الظروف التى وضعتهم فى هذا الموقف، فى النهاية نتحدث عن قضاة صالحين، ليسوا أبداً فاسدين، قد يرى بعضهم أنهم تعرضوا لظلم كبير، وأنهم كانوا على حق، وقد يرى البعض الآخر أنهم أخطأوا، وأن هذه نتيجة طبيعية للخطأ، إلا أن النتيجة النهائية أننا أمام قامات قضائية أصبحت عاطلة، هم فى النهاية مواطنون، يجب أن تكفل لهم الدولة العيش الكريم، فما بالنا بالمنظومة التى كانوا ينتمون إليها يوماً ما، والتى مازالوا ينتمون إليها بحكم عوامل كثيرة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل