المحتوى الرئيسى

مصر‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬العدالة‭ ‬الانتقالية‮»‬

12/01 18:21

آمال وطموحات عريضة كانت ولا تزال معلقة بإصدار قانون للعدالة الانتقالية التى تبحث عنها مصر منذ اندلاع ثورة 25 يناير، ومع بدء انعقاد الدورة الثانية للبرلمان تجدد الأمل مع تقديم اقتراح بمشروع قانون للعدالة الانتقالية المقدم من بعض النواب وهو ما اعترضت عليه الحكومة.

وأرجع بعض النواب هذا الاعتراض إلى تأخر الحكومة عن تقديم القانون من جهتها واتهام المواطنين للبرلمان بتعمده تجاهل إصدار قانون العدالة.

وما بين الاعتراضات والمبررات المتبادلة والسيناريوهات المكررة غير الاحترافية، وما بين إعلان البرلمان رفضه بيان الحكومة واحتمال سحب الثقة ثم عودته لتجديد الثقة وتصفيقه للبيان ومباركته سياسات حكومة شريف إسماعيل تاهت العدالة الانتقالية.

ومؤخراً وجدنا البرلمان يعترض على القرارات الأخيرة الخاصة بالإصلاح الاقتصادى بزعم تأثيراتها السلبية على أحوال المواطنين المعيشية، خصوصًا أن الحكومة أصدرتها وأقرتها دون الرجوع للبرلمان وبالمخالفة للدستور.

وهكذا جاءت اعتراضات وهمية ومبررات غير واقعية وسرعان ما نجد المعترضين والمعترض عليهم مثل السمن على العسل، ويبادر النواب برفع شعار «موافقون يا فندم» أمام كل ما تقدمه الحكومة ومهما كانت تباعاته ونتائجه على الكادحين والفقراء.

ولأن قانون العدالة الانتقالية كان ولا يزال الهدف المنشود لملايين المصريين الذين خرجوا إلى ميادين الحرية بجميع ربوع المحروسة فيجب ألا يقع المواطنون ضحية فى فخ العلاقة الوردية بين البرلمان والحكومة، وإنما ينبغى الإسراع بإصداره والعمل على تعيين العدالة الانتقالية.

فهل هناك إرادة سياسية لتطبيق العدالة الانتقالية؟ وكيف تطبق على الحالة المصرية؟ وما مدى إمكانية تحقيق سلام اجتماعى يقوم على قيم العيش المشترك ويقود إلى تنمية حقيقية جوهرية تطبق العدالة الاجتماعية؟

التساؤلات كثيرة ومتنوعة.. والتحقيق التالى محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات!!

بعد 5 سنوات من الاضطرابات السياسية والاقتصادية يبدو احتمال تحقيق عدالة انتقالية غامضاً، دلالات هذا الغموض واضحة ومؤكدة.. فمكافحة الفساد هى أهم أركان تحقيق العدالة الانتقالية ومصر منذ عقود مضت لا تزال تعانى من الفساد لتوافر العوامل المحفزة لتجذره واستمراره مثل عدم تطبيق مبدأ النواب والعقاب، وتكريس مظاهر الاستبداد والديكتاتورية، وانعدام مرفوض ظهور كفاءات خلاقة وانعدام التنمية الحقيقية وهى وغيرها عوامل بمثابة معوقات تطبيق السلام والعدالة فى المجتمع المصرى، وذلك بحسب آراء الخبراء والمختصين وما أسفرت عنه نتائج ومناقشات ندوة متطلبات تطبيق العدالة الانتقالية برئاسة الدكتور كمال محجوب رئيس منتدى السلام والتنمية، مما كان يستدعى الإسراع بإصدار قانون للعدالة الانتقالية.

ومشروع قانون العدالة الانتقالية المفترض إعداده من قبل الحكومة وطرحه على البرلمان طال انتظاره، ورداً من البرلمان على اتهامات تعمده وتقاعسه عن إصدار القانون.. قدم بعض النواب مقترحاً بمشروع قانون للعدالة الانتقالية أعمالاً لنص المادة 241 من الدستور التى تلزم مجلس النواب بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة والمحاسبة واقتراح أطر المصالحة الوطنية وتعويض الضحايا وفقاً للمعايير الدولية.

تلك المصالحة تباينت الآراء حولها ولا تزال، إذ يرى البعض أن النص على المصالحة وضع البرلمان فى مأزق، فى حين يرى آخرون أنه لا مانع من المصالحة مع من لم يتورط فى الدماء.

وبين هذا وذاك يظل القانون حبيس الأدراج أو على الأقل مجرد كلام وبس فى الهوا.

ومع تجدد الحديث عن القانون وتأكيدات المستشار حسن بسيونى، عضو اللجنة التشريعية بالبرلمان، وتوضيحاته بأنه مفيش حاجة اسمها عدالة انتقالية وإنما هى عدالة المرحلة الانتقالية من عدم الاستقرار إلى الاستقرار، فإن البرلمان أو بحسب المستشار بسيونى لم يقصر فى الاستحقاقات الدستورية إلى جانب تصديق المجلس على 344 قراراً بقانون، والتى فى مجملها قوانين تندرج تحت منظومة العدالة الانتقالية مثل إجراءات الطعن والكسب غير المشروع والخدمة المدنية المنصوص فيه على تعيين أبناء الشهداء وتعويضهم.. وفيما يخص النص على المصارحة والتى يرجع إليها البعض تأخير إصدار قانون العدالة الانتقالية فتؤكد النائبة الدكتورة سوزى ناشد أن المقصود بالمصالحة هى المصالحة مع المجتمع وليس مع الكيانات الإرهابية.

فى المقابل وبعد الإعلان عن الاقتراح بمشروع قانون العدالة الانتقالية المقدم من بعض النواب.. وفجأة ودون مقدمات ورغم انتظارنا طويلاً قانون العدالة الانتقالية، وجدنا الحكومة تعترض على القانون المقدم من النواب وتؤكد بحسب كلام المستشار ماجد صبحى، مساعد وزير العدل لقطاع التشريع، أنه يوجد مشروع قانون فى طور الإعداد وتجهزه الحكومة، مشيراً إلى أن صياغة المشروعات المقدمة من أعضاء المجلس غير واضحة، وأن تعريف مشروع النواب لمصطلح العدالة الانتقالية ضخم وواسع ويحتاج لتركيز. كما أنه وضع تاريخاً محدداً لتطبيق العدالة الانتقالية، ومن ثم لا تعرف الحكومة ما هو سبب هذا التحديد، كما أن المواد فى مشروع القانون المقدم من النواب، ستتسبب فى تداخل الاختصاصات، وتضارب وتعارض مع السلطة القضائية وسلطات التحقيق، وهو تعارض بحسب المستشار ماجد صبحى تراه الحكومة يحتاج إلى فصل وتحديد آلية للتعاون مع جهات التحقيق!

والحديث عن دواعى العدالة الانتقالية لم ينقطع منذ ثورتى 25 يناير و30 يونية وصولاً لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1476 لسنة 2014 بإنشاء وزارة للعدالة الانتقالية، واعتماد الهيكل الإدارى لها، من جانب القائم بأعمال رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة بقرار رقم 118 لسنة 2015 متضمناً جدول وظائف الوزارة بالنسبة للوظائف القيادية من مستوى الدرجة الممتازة وحتى مستوى درجة مدير عام.. وبذلك الهيكل تم استحداث قطاع حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية اتساقاً مع أهداف واختصاصات وزارة العدالة الانتقالية والمحددة فى 4 محاور أساسية هى العدالة الانتقالية، وحقوق الإنسان، واللجنة العليا للإصلاح التشريعى فى مجلس النواب.

وفيما يخص العدالة الانتقالية وأهميتها لتحقيق المسار الديمقراطى للانتقال من مراحل سبقت إلى مرحلة جديدة لبناء الوطن، بكتابة صفحة جديدة تقوم على مفاهيم المواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص واحترام حقوق الإنسان والإدارة الرشيدة، ومن ثم قامت الوزارة بإعداد وصياغة مشروعات قوانين تتعلق وترتبط بملف العدالة الانتقالية.. ولكنها ومعها الوزارة ذهبت مع الريح وأصبحت فى خبر كان!

بعد أن ألغيت وزارة العدالة الانتقالية على أرض الواقع.. جاء إعلان النائب فرج عامر عن حصوله على توقيعات 120 نائباً من أعضاء مجلس النواب على مشروع قانون لإنشاء المفوضية الوطنية للحقيقة والعدالة والمصالحة.

وأوضح النائب أن مشروع القانون يضمن تحقيق العدالة الانتقالية، والتى هى فى الأساس تهدف إلى التعامل مع إرث الانتهاكات بطريقة واسعة وشاملة تتضمن العدالة الجنائية وعدالة إصلاح الضرر والعدالة الاجتماعية وكذلك العدالة الاقتصادية.

القانون المقترح من فرج عامر يتكون من 102 مادة مقسمة على 10 أبواب تختص بتعريفات نظرية واختصاصات المفوضية وتركيبتها وطريقة تشكيلها وأيضاً أدواتها فى تحقيق العدالة الانتقالية.

كذلك يوضح القانون السلطات المخولة إليها فى التعامل مع المتهمين بارتكاب جرائم إنسانية.

ولأن مفاهيم العدالة الانتقالية تعتبر ضرورة ملحة للبلدان والشعوب التى شهدت تغيراً وتحولاً جذرياً لأمنها السياسى والاقتصادى والاجتماعى ومصر واحدة من هذه البلدان التى شهدت عملية تحول واسع النطاق، وطرأ بدوره على الواقع المصرى، وتمثل بالانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، والذى كان بمثابة التحول إلى النقيض الأيديولوجى والسياسى والاقتصادى والاجتماعى.. لكل ذلك وغيره كانت الحاجة ملحة للعدالة الانتقالية لضمان هذه التجربة الوليدة منذ ثورتى 25 يناير و30 يونية وهو ما يتطلب من الجميع المشاركة فى مواجهة وتصفية تراكمات العهد البائد واختيار أفضل السبل لتحقيق الإنصاف ومنع عودة الاستبداد من جديد وعن طريق إفساح المجال لمؤسسات العدالة الانتقالية من خلال دورها فى بناء مصر مواطناً ودولة وعلى اعتبار أن فكرة وتطبيق العدالة الانتقالية واحدة من الحلول الناجحة للمجتمع المصرى، ولكونها خطوة مهمة فى تحقيق الطمأنينة والسلم الاجتماعى لأنها تسعى إلى كشف الحقائق ومحاسبة المذنبين وتعويض المتضررين وتقصى الحقائق بهدف توثيقها وتسجيلها للتاريخ، وكذلك اعتماد معايير التسامح والإنصاف وإعادة ما تهدم من البناء السياسى والاجتماعى والحقوقى.. وفى كل ذلك.. تكون الإجابة عن لماذا العدالة الانتقالية فى مصر الآن..

من جانبه، قال المستشار بهاء الدين أبوشقة، رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب، رئيس الهيئة البرلمانية الوفدية إن التقدم بمشروعات القوانين للبرلمان حق لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ولأى عضو فى البرلمان بعد موافقة 10٪ من أعضاء المجلس كحد أدنى.. ولأنه وللآن وبمقتضى المادة 101 لم تتقدم الحكومة بأى مشروع مقترح لقانون العدالة الانتقالية، ونظراً للحاجة المجتمعية الملحة لهذا القانون كان تقدم بعض النواب بمقترح مشروع قانون للعدالة الانتقالية.. ولأنه قانون ينبغى شموليته فالحاجة ملحة إلى حوار مجتمعى وأمام الجهات المعنية والمحددة بنص المادة 185 من الدستور وكذلك المادة 190، وكلتاهما تقضى أيضاً بالعرض لمشروعات القوانين على مجلس الدولة ليبدى رأيه ولجهات أخرى معنية مثل مجلس الدولة والمجلس الأعلى للقضاء، رغم أن رأيهما استشارى وغير ملزم، ومن ثم فالقانون الذى طال انتظاره للعدالة الانتقالية سواء قدمه أعضاء البرلمان أو الحكومة من الضرورى أن يكون مرضياً للجميع، ويلبى الغاية والهدف المنشود من ورائه.

محمد عبدالعليم داود، النائب السابق بمجلس الشعب، يرى فى عدم إدراج قانون العدالة الانتقالية جريمة ارتكبت خلال الفصل التشريعى الأول مخالفة لنص صحيح الدستور وهو ما أدى لمشاكل وقضايا كثيرة من التى تؤرق الوطن وتتسبب فى إراقة الدماء وانهيار المؤسسات الديمقراطية فى هذا الوطن وكان من الممكن تفاديها. وعلى العكس.. البرلمان تحول لقضايا أخرى كتقنين الفساد بطرح عقود بيع مقدرات ومكونات الوطن بزعم الاستثمار، كما وافق البرلمان الملقب ببرلمان الثورة على قانون التظاهر الذى أطاح بخيرة شباب مصر، وأبقاهم خلف أسوار السجون وهم من كانوا السبب المباشر والحقيقى فى جلوس النواب على مقاعد السلطة وبمن فيهم رئيس الدولة المنتخب، وكذلك مباركة قوانين وسياسات إفقار المصريين والتى تمت الموافقة عليها بالإجماع مثل الإقراض لسد عجز الموازنة أو فرض مزيد من الضرائب مثل الضريبة المضافة.

المستشارة تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقاً، ترى أن جزءاً من الخلل الذى نعانيه منذ ثورة يناير هو الخلط بين المحاسبة السياسية والمحاكمة الجنائية وترتب على ذلك كثير من الاحتقان فى أذهان السياسيين والناس، لأنه على القاضى الذى يحكم جنائياً أن يستند إلى السياسة والمفهوم الخاص بالعدالة أنها دائمة وإنما العدالة الانتقالية تختص بمحاسبة أوضاع ما قبل الثورات وتجيب عن 3 أسئلة: ما الذى حدث؟ وكيف حدث؟ ومن المسئول؟، ولذلك -وبحسب المستشارة تهانى الجبالى- هناك مراحل لتحقيق العدالة الانتقالية وكيفية التطبيق وهى المصارحة وتتمثل فى شجاعة المواجهة للمشاريع والأفكار والمفاهيم التى يتبناها البعض وأسفرت عن كارثة وطنية كان من الممكن أن نطلق عليها فى مصر وفى حالتنا بمحاكمة المشروع الفكرى لجماعة الإخوان الإرهابية، ومن بعد المصارحة يكون إعادة هيكلة مؤسسات المجتمع خصوصاً أن الثورة لا تعنى التخلص من شعب وإنما هى علم تغيير المجتمع. فالشعوب وكما تقول المستشارة تهانى تثور لامتلاك منهج تغيير ثورى للسياسات من أجل تحقيق الأهداف الكبرى وليس ضد أشخاص، ولذلك وبحسب رؤية المستشارة تهانى الجبالى فالشعب المصرى دائماً موجود فى تحديات التجلي الكبرى، ولذلك هو الضمانة الحقيقية والوحيدة لهذا البلد، مما يتطلب من النخبة رأب الصدع واسترداد أبناء الوطن من الاستلاب العقلى.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل