المحتوى الرئيسى

متحف البايات بتونس.. ذاكرة لا تمحى

12/01 15:51

ضمن هؤلاء الزوار تطوف السيدة إلهام مع ابنيها الصغيرين عمر وآمنة بين أرجاء القاعات الفسيحة للمعرض التي عُلقت بجدرانها الخزفية المزركشة لوحات عملاقة لأشهر البايات، أبدع في تصويرها رسامون تونسيون وفرنسيون موهوبون.

يتضمن المعرض نحو ثلاثين لوحة للبايات يتجاوز طول بعضها ثلاثة أمتار من أبرزها لوحة أحمد باي الذي دعم مؤسسة الجيش وأصدر مرسوما يلغي الرق ويقضي بتحرير جميع العبيد السود في تونس عام 1846، وقد عُرض هذا المرسوم في هذا المتحف للمرة الأولى.

ومن أهم الوثائق المعروضة دستور 1861 الذي يعتبر الأول من نوعه بالعالم العربي، ووثيقة "عهد الأمان" التي تقر بالمساواة بين جميع الألوان والأديان، ووثيقة قانون الجنايات، وكتاب "الإتحاف" لابن أبي الضياف، ومعاهدة باردو التي مهدت للاستعمار الفرنسي.

تركز بعض اللوحات المعروضة على ملامح بعض البايات مثل أحمد باي والصادق باي والمصلح التونسي صاحب كتاب "أقوم المسالك" خير الدين باشا الذي عرف بإصلاحاته ودفاعه عن التفتح والحرية واستقلال القضاء وغدت صورته ممتطيا صهوة جواده كالأيقونة.

ولئن تركز عديد اللوحات على ملامح بعض البايات والوزراء الكبار كمصطفى خزندار فإنها توثق لأحداث تاريخية كثورة التونسيين على حكم البايات عام 1864 بسبب زيادة الضرائب، كما تقتطف مشاهد من معسكرات الجيوش أو زيارات بعض البايات لباريس.

في هذا الكم تُوجه إلهام تركيز ابنيها تارة نحو المطبوعات واللوحات التي توثق لأهم الإصلاحات السياسية بالبلاد وأخرى نحو معمار "قصر سعيد" أحد أقدم قصور البايات الذي يقام فيه هذا المعرض، قائلة للجزيرة نت "أشعر كأني سافرت إلى عصر آخر".

لا شيء في هذا المكان الساحر الذي يُشع بريق معروضاته وسط نوره الخافت، تعوّد الزائرون على رؤيته سابقا بأي معرض سابق، فالكل هنا ينظرون بعيون متشوقة ومبحرة في زمن حكم البايات الذين لم يأخذوا حظهم بمناهج التعليم عقب الاستقلال الوطني.

تشعر إلهام التي يهتم زوجها بجمع البطاقات البريدية للبايات، وهي تنظر إلى الوثائق واللوحات والملابس العسكرية المستوحاة من النماذج الأوروبية وطرابيش العثمانيين وأسلحتهم ونياشينهم بأنها "تستكشف لأول مرة جوانب معتمة من التاريخ التونسي".

قد يعتقد البعض أن التونسيين لا يهتمون بتاريخ حكم البايات الذي دخل الاستعمار الفرنسي في آخر عهدهم إلى تونس (1881)، لكن مديرة المعرض ألفة التراس ترى نقيض ذلك، فالإقبال المتزايد على المعرض الذي يتواصل لمدة ثلاثة أشهر "يعكس اهتماما بالغا منهم".

تقول ألفة التي ترأس المنظمة التونسية "رامبورغ" وتتعاون مع المعهد التونسي لحماية التراث ووزارة الثقافة في تنظيم هذا المتحف للجزيرة نت إن "الزائرين كانوا معجبين بإحياء تاريخ البايات من تحت الركام لاطلاعهم على ثقافتهم وربطهم بتاريخهم".

ولعبت المصادفة دورا حاسما في نجاح هذه الناشطة في نفض الغبار عن تاريخ البايات وتنظيم هذا المعرض الفريد بعدما علمت بأيقونة "قصر سعيد" الذي يوجد على مقربة من متحف باردو بالعاصمة ويضم أقدم اللوحات الفنية عن البايات التي لم يستكشفها التونسيون.

تقول ألفة معبرة عن صدمتها من رؤيتها تلك اللوحات في زيارتها الأولى لذلك القصر المنسي "لقد فوجئت بوجود تلك اللوحات الثمينة مكدسة فوق بعض (...) كان غلاف بعضها ممزقا ومثقوبا وإطارات بعض لوحاتها مكسرة لكني كنت سعيدة جدا لأني عثرت عليها".

قررت ألفة ترميم تلك اللوحات بالاتفاق مع المعهد التونسي لحماية التراث، وجرى جلب مرممين أوروبيين اشتغلوا قبل سبعة أشهر على إعادة تهيئتها، قائلة للجزيرة نت "لقد نجحنا بإعادة حقبة هامة من تاريخ الوطن إلى مكانها الطبيعي في الذاكرة الشعبية".

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل