المحتوى الرئيسى

فلسطين بعدسات صغار الغزّيين

12/01 01:50

يقفز عالياً محاولاً التقاط صورةٍ يُنافس بها زملاءه، يتنقل من حجرٍ إلى آخر فوق ركام ذلك المنزل الذي دمرته طائرات الاحتلال خلال عدوانها الأخير على قطاع غزّة صيف عام 2014، ويرصد بعدسته تأخّر الإعمار.

يُصوّب سند بشير، ابن العشرة أعوام، عدسته باتجاه ستينيّةٍ جالسةٍ أمام ركام بيتها شرق غزّة، تتأمل السماء الواسعة. ويقول: «أعلمُ أنّ هذه الجدة شاردةٌ تفكر كيف من الممكن الانتقام من العدو الذي حرمها مأواها». وعلى عجالةٍ، يلتقط لها صورة.

يؤكد بشير أنه جاهزٌ لتغطية أيّ عدوانٍ اسرائيلي مُقبل، وأنّه يمتلك من مهارات التصوير الفوتوغرافي الكثير، فيُجيد عمل «الفوكس» (العزل)، و «السلويت»، و «الأيزو»، وصور حيّة أخرى بمهاراتٍ فنيّةٍ متعدّدة.

ويوضح، وهو يتنقل بين ركام البيوت، أنه تعلّم التصوير باستخدام أنواعٍ مختلفة من الكاميرات أبرزها «كانون دي 5» و «نيكون دي 700»، وأخرى لتصوير الفيديو، منها الاحترافي والرقمي.

وتحاول الطفلة ملك أبو سليم، ابنة الـ12 عاماً، جاهدةً تبديل عدسة الكاميرا، لتجنح أخيراً في وضع عدسة «ام ام زوم 700» المخصصة لتصوير المناطق الطبيعية.

تنطلق ملك مسرعة، وتصرخ لنا «سألتقط صورة للزهور والنّحل الذي يستريح عليها، وأخرى لعلم فلسطين رمز حريتنا ودولتنا، لأشارك بها في المعرض المقرر إقامته عندما ينتهي التدريب».

وتوضح ملك أن «زاوية التقاط الصورة أكثر ما يلفت انتباهي، يليها وقت التقاطها، لأنّ التصوير بمثابة إيقاف الزّمن لمدة ثانية تبقى تذكاراً دائماً لي يعبر عن نفسي ومزاجي في وقت وزمان الصورة».

وتؤكد وهي تعدو بسرعةٍ كبيرةٍ ملتقطة صوراً متتالية لمشهد واحد أنّها تعلّمت التصوير وقواعده الأساسية التي تساعدها في التقاط صورٍ مختلفة في أوقات الحروب أو الكوارث الطبيعية وغيرها.

ويشرحُ مدرب الأطفال المصور عزّ الدين الزعنون أن «الإقبال كبير، والأطفال موهوبون، ولديهم حسٌ فني يجعلهم قادرين على استيعاب قواعد التصوير، ما يجعلنا ننافس بصور إبداعية على مستوى عالمي».

ويضيف الزعنون في حديثه لـ «السفير»: «اعتمدنا تقديم الدعم النفسي خلال تدريب الأطفال ورفع معنوياتهم، إلى جانب تأهيلهم لالتقاط صور خاصة في أوقات الطوارئ والحروب، ما يساهم في فضح جرائم الاحتلال، خصوصاً أن ملتقط الصّور طفل صغير».

ويشرح أن «التصوير شمل الجانب النظري والعملي من خلال استخدام مختلف أنواع الكاميرات الرقمية والاحترافية والفيديو، إضافة إلى القيام بجولات تصوير ميدانية في مناطق مختلفة، ما يساهم في أن يعيش الطفل الواقع الحقيقي للتصوير».

ونوّه بأنّ أهمية الدعم النفسي تتبلور بعد أن يستخدم الطفل الكاميرا فيظهر ما يدور في خلجات نفسه ويعبر عن خياله ومزاجه بلقطاتٍ مصورة، وبناء على ذلك يتم تقديم هذا الدعم للأطفال بحسب ما يحتاجون إليه.

هكذا، تجد الطفلة زينة المصري (11 عاماً) البحر المكان المناسب لها. وتقول «أحب تصوير غروب الشمس، أعشق تصوير الزلف، وتضارب الأمواج بعضها مع بعض، وأحن كثيراً لوالدي الذي سافر عبر البحر».

وعن رغبة زينة بتصوير السفينة الراسية في ميناء غزة المُعطل، توضح أن المشهد يحمل معاني كبيرة، منها أنّ الاحتلال يلاحق الصّيادين على قوتهم ومصدر دخلهم، ويُعطل قواربهم ليمنعهم النزول إلى عرض البحر.

وعن تنظيم وقتها، تلفت أنّها تُقسّم يومها إلى مراحل، للدراسة وحلّ الواجبات ومشاركة الأهل نهارهم، ولرحلات التصوير، التي تساعدها على التخفيف عن نفسها واستعادة نشاطها.

ويقف الطفل محمد الديراوي (13 عاماً) أمام صوره التي تُعبر عن معاناة المشردين واللاجئين في أزقة مخيم الشاطئ، وصورٍ أخرى تدلّ على انقطاع الكهرباء المتكرر في حارات القطاع.

ويقول إنّه تعلّم خلال المشروع الكثير من المهارات، مثل قانون الأثلاث وتوزيع العناصر وأنواع الصور وغيرها من أساسيات التصوير المختلفة، مؤكداً أنّ والديه يحفزانه على التصوير ويعرضان عليه أفكاراً جميلة لزوايا التصوير، ويعبران له عن رأيهما في الصور التي يلتقطها لتشجيعه، كما أنهما اشتريا له جهازاً لوحياً «تابلت» كبادرة تشجيع.

وبلغ عدد الأطفال المشاركين في المشروع نحو 30 طفلاً من مختلف محافظات القطاع، أشرف على تعليمهم وتأهيلهم خمسة مصورين، واستمر التّدريب لمدة ثمانية أسابيع، وتلقى الملتحقون مهارات التفكير الناقد.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل